تفسير قوله تعالى الطيبون للطيبات
تفسير آية الطيبون للطيبات
تَعدّدت أقوال العُلماء في بيانِهم لمعنى هذهِ الآية: قال الله -تعالى- في سورة النور: (الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ)، فقال بعضُهم: إنَّها في الأقوالِ؛ فالأقوال الطّيِّبة تليقُ بالأشخاصِ الطّيِّبين، وهو قولُ الجُمهور، وذهبَ بعضُهم إلى أنَّها في المُشاكلة؛ فالنِّساء الطّيِّبات لا يليق بهنَّ إلَّا الرِّجالُ الطّيِّبون، وكذلكَ العكس، وفيما يأتي في المقال تفصيلٌ لِكُل معنى منها.
الطيبون من الناس للطيبات من الكلام
جاء عن الحسن ومُجاهد أنَّ المقصود من الآية في الأقوالِ؛ فالطَّيِّبون من النّاسِ للطَّيِّبات من الكلامِ، فالكلام وصفٌ لِصاحبه، والقول الطّيِّب لا يخرُج إلَّا من الرّجالِ والنِّساء الطّيِّبين، وهو الوصف الذي يليقُ به، وذهبَ أكثرُ المُفسّرين؛ كَمُجاهد، وابنُ جُبَير، وعطاء، إلى أنَّ هذا المعنى هو الأقرب؛ لِقول الله -تعالى- بعدها: (أُولَـئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ)؛ أي براءة عائشة -رضي الله عنها- وصفوان ممَّا يقوله الخبيثون والخبيثات.
الطيبون من النساء للطيبين من الرجال
المعنى الآخر للآية الكريمة هو: أنَّ الطَّيِّباتُ من النِّساء للطّيِّبين من الرِّجال، وكذلك العكس؛ لِما في ذلك من الأُنسِ والقُربِ بين المُتشابهين في الصّفاتِ والفضل، ويرى الكثير من العُلماء البُعد عن هذا المعنى، وخاصّةً بين الأزواج؛ بدليل زواج آسية امرأةُ فرعون وهي طيِّبة، من فرعون غير الطّيِّب، وكذلك زواج نبيّ الله نوح -عليه السلام- الطّيِّب من زوجتهِ الكافرة.
أمّا الذين قالوا إنَّها في المُشاكلة بين الأزواج فردّوا على هذا القول؛ بأنَّ زواج الصالحة والطّيِّبة من غير الطّيِّب؛ لا يكونُ مُبرِّراً بأنَّ هذه الآية ليست في ذلك؛ لأنَّ طلاق المرأة منه يمنعُها الصّبر على أولادها وعيشها، وهذه من القواعد الإلهيّة والسُنن الجارية في خَلقهِ -تعالى- بِسَوْق النّاس المُتشابهين إلى بعضِهم، كالطّيِّبين إلى الطّيِّبات، فالرجُل الطّيِّب لا يتكلّمُ إلَّا بالطّيِّب، ولا يتزوّجُ إلَّا من النِّساءِ الطّيِّبة، والإنسانُ بطبعهِ يميلُ إلى من يُشابههُ ويُشاكِله.
الطيبات من الأعمال والأخلاق الكريمة للطيبين والصالحين
ذهب بعضُ أهل التفسير إلى أنَّ الطّيِّباتُ تَختصُّ بالأشخاصِ الطّيِّبين الّذين لا يَصدرُ عنهم إلَّا الأعمال الصالحة والأخلاق الطّيِّبة، فالطّيِّبون من النَّاس للطّيِّباتِ من الحسناتِ، والطّيِّباتُ من الحسناتِ للطّيِّبين من النَّاسِ.
سبب نزول آية الطيبون للطيبات
نَزلت هذه الآية في حادثةِ الإفك؛ وهو الكذب، والتي اتَّهم فيها بعضُ النّاس السيِّدة عائشة -رضيَ الله عنها- بالفاحشةِ، فنَزلت الآيات وما قبلها بتبرئتِها وتشريفها، وجاءت هذه الآية لتوبيخِ الذين أشاعوا الإفك عن السيِّدة عائشة -رضيَ الله عنها-، وكذلك الذين يَرمون المُحصناتِ المؤمناتِ، ووقعت هذه الحادثة في السَّنة السادسة من الهجرةِ أثناءِ رُجوع النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- من غزوةِ بني المُصطَلق، عندما قذَفها أحد المُنافقين بالكذِبِ، فبرّأها الله -تعالى- بهذه الآية.
وجاء ذكر هذه الحادثة في القُرآن والسُنة. وبيانُها؛ أنّ النبيّ -عليه السلام- عندما كان يَخرج لسفرٍ أو لغزوةٍ كان يَقترع بين زوجاته، فخرج سَهم عائشة -رضيَ الله عنها-، وخرجت معه على هودجٍ إلى غزوة المريسيع أو بني المُصطَلق، وعند رُجوعها تذكّرت انقطاع عُقدها الذي كان على صدرها، فرجعت تبحثُ عنه، ولمَّا وجدته أرادت اللُّحوق بالجيشِ، فوجدتهم قد ارتحلوا من أماكنِهم.
فنامت عائشة -رضي الله عنها- بعد أن أدركها التَّعب، فوجدها صفوان بن معطل السلمي -رضي الله عنه- المسؤول عن حراسةِ الجيش، فقال لها أن تَرْكَب على دابَّتها، وانطلق بها نحو الجيش من غيرِ أن يَتكلَّمَ معها، فلمَّا رأوهم من بعيد، كان عبد الله بن أُبيّ بن سلول الذي تولّى كبره باستغلالِ الموقف ليُشيعُ خبر الإفك عن السيِّدة عائشة -رضيَ الله عنها-، فنزلت الآيات من سورة النور في تبرئتها، فكانت مُناسبة الآيات أنّ ا لسيِّدة عائشة -رضيَ الله عنها- طيِّبة، وهي تُناسبُ طيبة النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، فلذلك برَّأها الله -تعالى- من الافتراء الذي وقع عليها.
معاني المفردات في آية الطيبون للطيبات
جاء في معجم المعاني الجامع:المفردة | المعنى |
الطيبون | جمع طيّب، وهو الإنسان الطيّب المتحلّي بالفضائل، المتنزّه عن الرذائل والقبائح. |
الطيّبات | جمع طيبة، وهي الأمور الحسنة؛ فالكلمة الطيبة هي الكلمة الحسنة. |
ملخّص المقال: نزلت آية (الطيبون للطيبات) في حادثة الإفك التي اتُّهمت فيها السيدة عائشة -رضي الله عنها- بالإفك، وقد تعدّدت آراء العلماء في تفسيرها؛ فذهب الجمهور إلى أنها في الأقوال، فالأقوال الطيّبة تكون للناس الطيبين، وذهب بعضهم إلى أنها في الأزواج، فالنساء الطيّبات لا يليق بهن إلا الرجال الطيّبون وكذلك العكس.