تفسير قوله تعالى (وآتاكم من كل ماسألتموه)
تفسير قوله تعالى: (وآتاكم من كل ما سألتموه)
وردت هذه الآية في سورة إبراهيم ، إذ قال -تعالى-: (وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)، وقد ختم الله تعالى بهذه الآية الحديث عن نعمٍ أنعمها الله تعالى على عباده، وبيّن فيها قدرته جلّ وعلا وإبداعه.
إذْ جاء قبلها من الآيات: (اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ* وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ)، وفيما يأتي أهم ما جاء في تفسيرها:
معاني مفردات الآية
سيتم فيما يأتي بيان معاني أهم الكلمات الواردة في الآية:
- وآتاكم: أعطاكم.
- وإن تعدّوا نعمت الله: وإن تُحاولوا عدّ نعم الله عليكم، وتُحاولوا تحديد هذه النعم.
- لا تحصوها: لا تطيقوا حصرها، ولن تستطيعوا عدّها لكثرتها، والإحصاء: ضبط العدد وتحديده، وهي مأخوذة من الحصا؛ أي الحجارة الصغيرة، حيث كان العرب يعدّون الأعداد الكثيرة بالحصا تجنُّباً للخطأ.
- لظلوم كفّار: أي كثير الظلم لنفسه بالمعصية وإغفال شكر النِّعَم، وكثير الكفر والجحود بنعم الله -تعالى-.
المعنى الإجمالي للآية
معنى الجزء الأول من الآية
عدّد الله -تعالى- في الآيات السابقة لهذه الآية بعض نِعَمِه على خلقه، وهذا يدلّ على وحدانيّته ووجوده وعلمه؛ حيث خلق الله السموات والأرض وما فيهنّ، وأنزل الغيث من السماء لتحيا الأرض بعد موتها، وأنبت الزرع والشجر، وأخرج الثمر والحبّ، وكل ما يحتاجه الإنسان للأكل والعيش.
وسخّر السفن في البحار وأجراها على الماء، وسخّر الأنهار وفجّر الينابيع، وسخّر الشمس والقمر والليل والنهار وِفْق نظامٍ بديعٍ منتظم محكم، وختم الله -تعالى- الكلام عن هذه النعم بقوله: (وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ)، أي إن الله أعطاكم أيها البشر جميعاً سؤلكم ومطلوبكم من كل شيء شأنه أن يُسأل، ويُنتفع به، ويُحتاج إليه، سواء سألتموه أو لم تسألوه، فالعباد لم يسألوا الشمس والقمر، والليل والنهار، فخَلَق الله ذلك لهم من غير أن يسألوه.
وقد أعطاكم الله الكثير من النعم فضلاً عن هذه النعم المذكورة، وهيّأ لكم جميع ما تحتاجون إليه في جميع أحوالكم، وأمدّكم بكل ما يُصلح حالكم وشؤونكم ومعاشكم، وكل ذلك حسب مشيئته وحكمته، وفي ذلك إشارة إلى شمول لطف الله -تعالى- بعباده، وإنزالهم منازل إكرامه وإحسانه بهم، فهيّأ لهم أسباب الحياة، ومكّن لهم سبل الخلافة في الأرض.
معنى الجزء الثاني من الآية
أكمل -جل وعلا- بقوله: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا)، أي إن حاولتم عدّ النعم التي أنعمها الله -تعالى- عليكم لن تطيقوا ذلك، ولن تستطيعوا حصرها، فهي أكبر وأكثر من أن يحصيها عدد، ولن تستطيعوا أيضاً القيام بشكرها؛ لكثرتها وتنوعها، حتى لو تعرضتم إلى عدّ النعم على سبيل الإجمال لا التفصيل لن تطيقوا إحصاءها بوجه من الوجوه.
وفي هذه الآية إشارة إلى كثرة نعم الله؛ حيث جاء التعبير القرآني عن هذه النعم بلفظ المفرد (نعمت)، أي إن النعمة الواحدة من نعم الله هي نعم كثيرة لا تُحصى، وتشير أيضاً إلى عجز الإنسان عن تعداد النعم فضلاً عن شكرها.
معنى الجزء الأخير من الآية
اختتمت الآية الكريمة بالإشارة إلى حال الإنسان وطبيعته؛ فهو لا يقدّر نعم الله عليه، عظيم الظلم لنفسه بإغفاله شكر الله ، وشديد الكفران والجحود لنعم ربه، فهو دائم الانتفاع بها، والتقصير في أداء شكرها، ظالم يتجرأ على فعل المعاصي، مقصّر في حقوق ربه، إلا من وفقه الله وهداه؛ فشَكَر نعمه، وعرف حق ربه، وقام به.