تفسير سورة النبأ للأطفال
التساؤل عن النبأ العظيم
تحدّثت الآيات من (1-5) عن النبأ العظيم وهو القرآن، قال تعالى: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ* عَنِ النبأ الْعَظِيمِ* الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ)،عن أيِّ شيء يسأل بعض كفار قريش بعض؟ يتساءلون عن الخبر العظيم الشأن، وهو القرآن العظيم الذي ينبئ عن البعث الذي لا شك فيه كفار قريش وكذَّبوا به، فمنهم من آمن به وصدق، ومنهم من كفر به وكذب، ومنهم من شك فيه وتردّد.
قال تعالى: (كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ* ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ)،سيعلم هؤلاء المشركون عاقبة تكذيبهم، ويظهر لهم ما الله فاعل بهم يوم القيامة، ثم سيتأكد لهم ذلك، ويتأكد لهم صدق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، من القرآن والبعث، وهذا تهديد ووعيد لهم.
مظاهر قدرة الله تعالى
تحدّثت الآيات من (6-16) عن مظاهر قدرة الله تعالى، قال تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا* وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا* وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا)،أيّ جعل الله الأرض ممهدة للخلق ليست بالصلبة التي لا يستطيعون حرثها، ولا المشي عليها إلّا بصعوبة.
وليست باللينة الرخوة التي لا ينتفعون بها، ولا يستقرون فيها، ولكنها ممهدة لهم على حسب حاجتهم ومصالحهم وعلى حسب ما ينتفعون به، وجعل الجبال أوتاداً للأرض بمنزلة الوتد للخيمة حيث يثبتها فتثبت به الأرض فلا تتحرك، وخلقكم الله أصنافاً من ذكرٍ وأنثى.
قال تعالى: (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا* وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا* وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا)،وجعلنا نومكم راحة لأبدانكم من التعب، فيه تهدؤون وتسكنون،وجعل الله هذا الليل على الأرض بمنزلة اللباس كأن الأرض تلبسه، والنهار يعيش الناس فيه ويسعون في طلب الرزق على حسب درجاتهم وعلى حسب أحوالهم.
قال تعالى: (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا)،وبنينا فوقكم سبع سموات متينة البناء محكمة الخلق، لا صدوع لها ولا شقوق،وقال تعالى: (وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا)،وجعلنا الشمس سراجًا وقَّادًا مضيئًا، فإن فيها مصلحة عظيمة للخلق فهي توفر على الخلق أموالاً عظيمة في وقت النهار حيث يستغني الناس بها عن إيقاد الأنوار.
قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا* لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا* وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا)،وأنزلنا من السحب الممطرة ماءً منصَبّا بكثرة، لنخرج به حبًا مما يقتات به الناس وحشائش مما تأكله الدَّواب، وبساتين ملتفاً بعضها إلى بعض، من كثرتها وحسنها وبهائها.
أحداث يوم القيامة
تحدثت الآيات من (18-20) عن أحداث يوم القيامة ، قال تعالى: (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا* يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا)،وإنّ يوم الفصل، وهو يوم القيامة، يفصل الله فيه بين أهل الحق وأهل الباطل، وأهل الكفر وأهل الإيمان، ويفصل فيه أيضاً بين أهل الجنة والنار، كان وقتًا وميعادًا محددًا للأولين والآخرين، ويوم ينفخ المَلَك في (القرن) إيذانًا بالبعث فتأتون أممًا، كل أمة مع إمامهم.
قال تعالى: (وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَابًا* وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا)،وفتحت وانفرجت فتكون أبواباً يشاهدها الناس بعد أن كانت سقفاً محفوظاً، تكون في ذلك اليوم أبواباً مفتوحة لنزول الملائكة، ونسفت الجبال بعد ثبوتها، فكانت كالسراب.
عقوبة الكفار وثواب المؤمنين في الآخرة
تحدّثت الآيات من (21-38) عن ثواب المؤمنين وعقوبة الكافرين في الآخرة، قال تعالى: (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلطَّاغِينَ مَآبًا* لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا* لّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا* إِلاَّ حَمِيمًا وَغَسَّاقًا* جَزَاء وِفَاقًا)،إنّ جهنم كانت يومئذ ترصد أهل الكفر الذين أُعِدَّت لهم، ماكثين فيها دهورًا متعاقبة لا تنقطع، لا يَطْعَمون فيها ما يُبْرد حرَّ السعير عنهم.
ولا شرابًا يرويهم، إلا ماءً حارًا، يشوي وجوههم ويقطع أمعاءهم، وصديد أهل النار، يجازَون بذلك جزاءً عادلاً موافقًا لأعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا، لم يظلمهم الله، ولكن ظلموا أنفسهم.
قال تعالى: (إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا* وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا)،لا يؤمنون بالبعث، ولا أنّ الله يجازي الخلق بالخير والشر، فلذلك أهملوا العمل للآخرة ، وكذّبوا بها تكذيباً واضحاً صريحاً.
قال تعالى: (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا* فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَابًا)،وكل شيء من قليلٍ وكثيرٍ، وخير وشر في اللوح المحفوظ كتبناه، فذوقوا أيها المكذبون هذا العذاب الأليم والخزي الدائم، وفي كل وقت وحين يزداد عذابهم.
قال تعالى: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا* حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا* وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا* وَكَأْسًا دِهَاقًا* لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا)،إنّ للذين يخافون ربهم ويعملون صالحًا فوزًا بدخولهم الجنة، وحصولهم على البساتين العظيمة والأعناب، ولهم فيها أيضاً زوجات حديثات السن، نواهد مستويات في سن واحدة، ولهم كؤوس مملوءة خمرًا، لا يسمعون في هذه الجنة باطلاً من القول، ولا يُكذّب بعضهم بعضًا.
قال تعالى: (جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَابًا* رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا * يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لّا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا)،
لهم كل ذلك جزاء من الله وعطاءً كثيرًا كافيًا لهم، ربِّ السموات والأرض وما بينهما، رحمنِ الدنيا والآخرة، لا يملكون أن يسألوه إلا فيما أذن لهم فيه، يوم يقوم جبريل عليه السلام والملائكة مصطفِّين، لا يشفعون إلا لمن أذن له الرحمن في الشفاعة، وقال حقًا وسدادًا. ذلك اليوم الحق لا ريب في وقوعه، فمن شاء النجاة مِن أهواله فليتخذ إلى ربه مرجعًا بالعمل الصالح .
حسرة الكافرين يوم القيامة
تحدثت الآيات من (39-40) عن حسرة الكافرين يوم القيامة، قال تعالى: (ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا* إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا).
إنَّا حذَّرناكم عذاب يوم الآخرة القريب الذي يرى فيه كل امرئٍ ما عمل من خيرٍ، أو اكتسب من إثمٍ، ويقول الكافر من شدة الحساب: يا ليتني كنت ترابًا ولم أُبعث.