تفسير سورة المرسلات
القيامة واقعة لا محالة
بدأت سورة المرسلات بالقسم على وقوع يوم القيامة ومجيئه لا محالة، وفيما يأتي تفسير للآيات المتضمّنة لهذا القسم:
- قوله -تعالى-: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا}، فُسّرت هذه الآية بأربعة تفسيرات، وهي:
- الرياح التي تتبع بعضها بعضًا.
- الملائكة التي أُرسلت بالمعروف، وهي متتابعة مع بعضها.
- الرسل الذين يعرفهم البشر ويُميّزونهم بما أعطاهم الله -تعالى- من معجزات.
- الملائكة والريح.
- قوله -تعالى-: {فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا}، فُسّرت هذه الآية بتفسيرين، وهما:
- الرياح شديدة الهبوب.
- الملائكة التي تعصف بأرواح الكافرين.
- قوله -تعالى-: {وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا}، فُسّرت هذه الآية بخمسة تفسيرات، وهي:
- الرياح التي تنشر السحاب.
- الملائكة التي تنشر الكتب.
- الصحف التي تنتشر بأعمال العباد.
- البعث يوم القيامة الذي تنتشر فيه الأرواح.
- المطر الذي نشر النبات.
- قوله -تعالى-: {فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا}، فُسّرت هذه الآية بأريعة تفسيرات، وهي:
- الملائكة التي تأتي بما يُفرّق بين الحلال والحرام.
- آيات القرآن الكريم التي تُفرّق بين الحلال والحرام.
- الرياح تُفرّق السحاب وتُبدّده.
- الرسل يُفرّقون بين الحق والباطل.
- قوله -تعالى-: {فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا}، فُسّرت هذه الآية بتفسيرين، وهما:
- الملائكة تُبلّغ ما حملته من الوحي إلى الرسل.
- الرسل يُبلّغون ما جاءهم من الوحي لأممهم.
- قوله -تعالى-: {عُذْرًا أَوْ نُذْرًا}
- أي لإزالة الأعذار، وللإنذار، والإخبار، والتحذير، فلا يكون لأحد حجة يوم القيامة.
- قوله -تعالى-: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ}
- أي إنّ يوم القيامة واقع وكائن لا محالة وما يشمله ذلك اليوم من بعث، وحساب، وجزاء.
أهوال يوم القيامة
بعد إثبات وقوع يوم القيامة ذكرت الآيات شيئًا من أهوال ذلك اليوم، وفيما يأتي تفسير الآيات المتعلّقة بذلك:
- قوله -تعالى-: {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ}
- أي مُحقت وذهب ضياؤها وزال نورها.
- قوله -تعالى-: {وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ}
- أي شُقّت وفُتحت وتدلّت أرجاؤها.
- قوله -تعالى-: {وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ}
- أي اقتُلعت وأُزيلت من أماكنها.
- قوله -تعالى-: {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ}
- أي بلغ الرسل اليوم الذي جُعل ميقاتًا للفصل بينهم وبين أقوامهم أو للشهادة عليهم، وهو يوم القيامة.
- قوله -تعالى-: {لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ}
- أي لأيّ يومٍ تمّ تأجيل وتأخير الرسل.
- قوله -تعالى-: {لِيَوْمِ الْفَصْلِ}
- أي ليوم القيامة، وهو اليوم الذي يفصل الله -تعالى- بين عباده بالقضاء العادل.
- قوله -تعالى-: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ}
- إنّه يوم عظيم وشديد لا يعلم مقدار أهواله وحدّه إلّا الله -تعالى-.
- قوله -تعالى-: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ}
- هلاك وحسرة لمكذّبي الرسل الذين كفروا بما جاءهم من الحق.
- قوله -تعالى-: {أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ}
- أي لقد أهلكنا الأقوام السابقة التي كذّبت الرسل كقوم عاد وثمود.
- قوله -تعالى-: {ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ}
- ثمّ نُهلك المتأخرين عن هؤلاء في الزمن ولكنّهم شابهوهم بالفعل وهو التكذيب والكفر والجحود.
- قوله -تعالى-: {كَذَٰلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ}
- أي إنّ العقاب الأليم هو جزاؤنا للمجرمين الذين أصرّوا على التكذيب والجحود حتّى أدركهم الموت.
- قوله -تعالى-: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ}
- تكرار للوعيد والتهديد للمكذّبين.
دلائل قدرة الله
يُذكّر الله -سبحانه- عباده بقدرته المطلقة من خلال ذكر بعض الدلائل على ذلك، فالذي خلق الإنسان وبسط الأرض قادر على إعادة إحياء الخلائق ومجازاتهم على ما اقترفوه، وفيما يأتي تفسير للآيات التي تحدّثت حول ذلك.
خلق الإنسان
قال -تعالى-: {أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ* فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ* إِلَىٰ قَدَرٍ مَّعْلُومٍ* فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ* وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ}.
أي ألم نخلقكم ونجعل أصل نشأتكم من ماء مهين يخرج من الصلب والترائب، ثمّ يكون في الرحم حيث يستقر وينمو إلى وقت معلوم، والله -عزّ وجلّ- هو الذي يقدّر أمر الجنين وينقله من طور إلى طور حتّى يصير إنسانًا كاملًا، وهو نعم القادر لأنّ قدره موافق للحكمة ومستحق للحمد، والويل والخزي للمكذّبين الذين استمروا في التكذيب مع ما علموه من هذه الآيات البيّنات.
بسط الأرض
قال -تعالى-: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا* أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا* وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاءً فُرَاتًا* وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ}.
أي ألم نُسخّر الأرض لكم وجعلناها مكان لوجودكم فيها أحياءً وأمواتًا، فعندما تكونون أحياء تعيشون فيها وتتنقّلون فهي منبسطة، وعندما تموتون تُدفنون فيها، وجعلنا فيها جبالًا طويلة وعظيمة كي تُثبّتها فلا تضطرب، وأسقيناكم ماءً عذبًا زلالًا، فالويل للمكذّبين بعدما رأوا تلك النعم الباهرة واستمروا بالتكذيب.
عذاب المكذبين
يُبيّن الله -عزّ وجلّ- أطرافًا من عذاب المكذّبين في الآخرة، قال -تعالى-: {انطَلِقُوا إِلَىٰ مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ* انطَلِقُوا إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ* لَّا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ* إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ* كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ* وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ* هَٰذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ* وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ* وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ* هَٰذَا يَوْمُ الْفَصْلِ ۖ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ* فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ* وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ}.
ومعنى هذه الآيات أنّ خزنة جهنّم تقول للمكذّبين: اذهبوا إلى ما كنتم به تكذّبون؛ أي إلى العذاب الذي كذّبتم به في الدنيا، فانطلقوا إلى ظل من دخان جهنّم الذي له ثلاث شُعب ويحيط بكم من كلّ جانب، ومن صفات هذا الظل أنّه لا يقي من الحر ولا يستر من اللهب، فنار جهنّم ترمي بشرر كثير متطاير ولكنّه عظيم، فالواحدة منه كالقصر أو كقطع الخشب العظيمة.
وشُبّهت تلك الشرر أيضًا بالجمال الصفراء العظيمة، أو قطع النحاس الكبيرة. ثمّ يكرر -سبحانه- الوعيد للمكذّبين ويُحذّرهم من الخزي الذي سيجدونه في الآخرة عندما يحين وقت مجازاتهم على ما كذّبوا به، وفي ذلك اليوم لن يتمكّنوا من النطق؛ أي:
- لن يقولوا شيئًا ينفعهم.
- أو أنّهم لا يملكون أداة النطق.
- أو أنّهم لا يستطيعون الكلام لشدّة حيرتهم وذهولهم.
- قيل إنّ عدم نطقهم هيبةً لله -تعالى- وحياءً من الذنوب.
ولا يأذن الله -تعالى- لهم بالاعتذار حتّى يعتذروا عمّا فعلوه، فالويل لهم؛ أي الكرب العظيم بسبب ما كذّبوا به ممّا دعتهم الرسل إليه، فهذا الذي شاهدتم أهواله هو يوم الفصل الذي يُقضى فيه بين الحق والباطل، يُجمع فيه بين الأمم المتقدّمة والمتأخرة ويُقضى بين الجميع، فإن كان لكم قدرة على دفع العذاب عن أنفسكم أيّها المكذّبون فادفعوه، وهذا على سبيل الاستهزاء والسخرية.
جزاء المتقين
بعد الحديث عن عذاب المكذّبين في الآخرة يُبيّن الله تعالى شيئًا ممّا أعده لعباده المتّقين، وفيما يأتي شرح للآيات التي ذكرت ذلك:
- قوله -تعالى-: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ}
- الظلال جمع ظل، والمراد هنا تكاثف أشجار الجنة؛ لأنّ الجنة ليس فيها شمس يُتقى حرّها بالوقوف في الظل، بالإضافة إلى وجود عيون نابعة وجارية بالماء.
- قوله -تعالى-: {وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ}
- أي إنّ أهل الجنة ستحضر لهم الفاكهة التي يشتهونها، وليس كما هو الحال في الدنيا حيث يأكل العبد ممّا يجده غالبًا.
- قوله -تعالى-: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}
- يُقال لأهل الجنة كلوا واشربوا متهنئين -بلا مكدّرات ولا منغّصات- بما أعطاكم الله -تعالى- جزاءً لطاعتكم في الدنيا.
- قوله -تعالى-: {إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}
- أي نجزي المحسنين مثل الذي نجزي به المتقين.
وعيد للكافرين
خُتمت سورة المرسلات بالوعيد للكافرين وبيان سبب استحقاقهم للعذاب، وفيما يأتي تفسير الآيات التي تحدّثت حول هذا:
- قوله -تعالى-: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ}
- أي إنّ هؤلاء المكذّبين لو لم يكن لهم من العذاب سوى حرمانهم من جزاء المحسنين لكفى بهذا حرمانًا وحسرة.
- قوله -تعالى-: {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ}
- تهديد للمكذّبين وهو أنّهم وإن أكلوا وتمتّعوا في الدنيا بنعم الله -تعالى- فهذا لن يمنع عنهم العذاب في الآخرة بسبب إجرامهم وكفرهم وتكذيبهم.
- قوله -تعالى-: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ}
- تكرار للوعيد والتهديد.
- قوله -تعالى-: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ}
- إنّه من أسباب استحقاق المكذّبين للعذاب في الآخرة هو امتناعهم عن الصلاة التي هي من أشرف العبادات.
- قوله -تعالى-: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ}
- أي إنّهم من خسارتهم أيضًا انسداد أبواب التوفيق في وجوههم وحرمانهم من الخير، بسبب تكذيبهم بكتاب الله -تعالى- الذي هو أعلى مراتب الصدق واليقين.
- قوله -تعالى-: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}
- أي إن كانوا لم يؤمنوا بالقرآن الكريم الذي هو كلام الله -تعالى- فبأي كلام آخر سيؤمنون؛ بالكلام الباطل أم بحديث من هو مشرك كذّاب أفّاك مبين.