تفسير سورة التكوير
وصف أحداث قيام الساعة
تعرّضت سورة التكوير في المقطع الأول منها إلى وصف شيء من أحداث قيام الساعة وبعض الأهوال التي سترافق هذا الحديث العظيم، وفيما يأتي بيان معاني هذه الآيات الكريمة:
- قال -تعالى-: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)؛ أي ذهبت أو ذهب ضوؤها وأظلمت، وقيل معناه لُفّت ورُمي بها.
- قال -تعالى-: (وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ)؛ أي تناثرت من السماء وتساقطت.
- قال -تعالى-: (وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ)؛ أي سيّرها الله تعالى فصارت سرابًا وهباءً منبثّا.
- قال -تعالى-: (وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ)؛ أي أنّ عشار الإبل -التي تكون في شهرها العاشر ومن طبيعة العرب الاهتمام بها جدًا في هذه المرحلة- تُركت بلا راعي وبلا اهتمام لهول ما سيكون.
- قال -تعالى-: (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ)؛ أي ماتت وقيل اختلطت وقيل جُمعت.
- قال -تعالى-: (وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ)؛ أي فاضت، وقيل بل ذهب ماؤها وغاض، وقيل إنّها اشتعلت نارًا وحميت.
- قال -تعالى-: (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ)؛ أي جمع كل إنسان مع قرينه ومن هو في مثل حاله، وقال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "يُقرن بين الرجل الصالح مع الرجل الصالح في الجنة، وبين الرجل السوء مع الرجل السوء في النار"، وقيل زوّجت أي رُدّت الأرواح إلى الأجساد.
- قال -تعالى-: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ)؛ وهي المدفونة حيّة تُسأل عن الذنب الذي اقترفته حتّى قاموا بدفنها حيّة، والجواب أنّه لي هناك أي ذنب.
- قال -تعالى-: (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ)؛ أي إنّ صحائف أعمال العباد ستُنشر في الآخرة ويظهر ما فيها.
- قال -تعالى-: (وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ)؛ أي نُزعت وجُذبت ثمّ طويت.
- قال -تعالى-: (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ)؛ أي أوقد عليها فحميت.
- قال -تعالى-: (وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ)؛ أي قُرّبت وأُدنيت.
- قال -تعالى-: (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ)؛ أي أنّ العباد سيطلعون على ما قدّموا في الدنيا ويعلمون ما هو مآلهم في الآخرة، هل هو الجنة أم النار والعياذ بالله.
قسم الله على صدق النبي في تبليغ القرآن
يُقسم الله تعالى في الآيات التي تلت وصف أحداث قيام الساعة في سورة التكوير على صدق النبي في تبليغ القرآن الكريم، وفيما يأتي بيان معاني هذه الآيات الكريمة:
- قال -تعالى-: (فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ* الْجَوَارِ الْكُنَّسِ)؛ وقد قال المفسّرون إنّ الحرف "لا" في بداية القسم هنا زائد، أي "أُقسم بالخنّس" والمقصود "بالخنّس الجوارِ الكنّس" النجوم التي تظهر في الليل وتختفي بالنهار فلا ترى، وعن عليّ -رضي الله عنه- قال إنّها الكواكب تخنس بالنهار فلا تُرى، وتكنس تأوي إلى مجاريها، وقيل هي الظباء التي ترجع وتأوي إلى أماكنها.
- قال -تعالى-: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ)؛ أي أقبل بظلامه، وقيل أدبر.
- قال -تعالى-: (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ)؛ أي أقبل وبدا أوّله، وقيل امتدّ ضوءه وارتفع.
- قال -تعالى-: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ)؛ أيّ إنّ الله تعالى يُقسم على أنّ القرآن الكريم منزل من الله تعالى بواسطة رسول كريم؛ وهو جبريل -عليه السلام-.
رؤية النبي لجبريل ووصف جبريل عليه السلام
يتحدّث المقطع الثالث من سورة التكوير عن بعض من صفات جبريل -عليه السلام- ويُثبت رؤية رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- له وتلّقيه الوحي منه، وذلك في قوله تعالى: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ* مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ* وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ* وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ* وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ* وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ).
تصف هذه الآيات جبريل عليه السلام، فهو رسول كريم ذو قوة شديدة وله مكانة ومنزلة عند الله تعالى، والملائكة تُطيعه، وهو أمين على الوحي والرسالات السماوية، ثمّ تُبيّن صدق رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في دعوته، فهو ليس بمجنون كما ادّعى كفّار قريش ذلك، بل إنّه قد رأى جبر يل -عليه السلام- وتلقّى عنه الوحي، وهو لا يكتم شيئًا ممّا أُمر بتبليغه أو يبخل به، والكلام الذي يقوله ليس من إلقاء الشيطان الرجيم على لسانه بل هو كلام الله -تعالى-.
القرآن كتاب هداية
تُختم سورة التكوير بالحديث عن القرآن الكريم وأنّه كتاب الله تعالى الذي فيه هداية البشر واستقامتهم، وفيما يأتي بيان معاني هذه الآيات الكريمة:
- قال -تعالى-: (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ)؛ أي كيف تعدلون عن القرآن الكريم وفيه الشفاء والبيان، وقال الزجّاج: أي طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي قد بيّنت لكم.
- قال -تعالى-: (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ)؛ أي إنّ القرآن الكريم هو كتاب موعظة وتذكير وهداية لجميع الخلق.
- قال -تعالى-: (لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ)؛ أي لمن أراد اتباع الحق والاستقامة عليه
- قال -تعالى-: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)؛ أعلمهم أنّ المشيئة في التوفيق إليه وأنّهم لا يقدرون على ذلك إلا بمشيئة الله، وفيه إعلام أن أحدًا لا يعمل خيرًا إلّا بتوفيق الله ولا شرًا إلّا بخذلانه.
ملخص المقال: سورة التكوير سورة مكية عدد آياتها تسع وعشرون آية، تحدثت السورة عن وصف أحداث يوم القيامة، وعن رؤية محمد -صلى الله عليه وسلم- لجبريل -عليه السلام-، وختمت السورة في التأكيد على أنّ القرآن الكريم كتاب هداية.