تفسير آية (ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته)
تفسير آية (ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته)
تفسير الطبري
تتحدث الآيات السابقة لقول الله تعالى: (ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)، عن أمرِ الطلاقِ والرجعةِ و أحكامِ العدةِ ، فيُخبرُ الله -عزَّ وجلَّ- في هذه الآيةِ أنَّ كلَّ هذه الأحكام التي أنزلتها لكم وأخبرتكم عنها، إنَّما هي أمرٌ منِّي أنزلها إليكم من اللوحِ المحفوظِ، لتعملوا بها وتقوموا بتطبيقها.
ثمَّ يُخبر الله -عزَّ وجلَّ- بأنَّ كلَّ من يخشاه ويخافه، ويُترجمُ هذه الخشيةَ بأداء الفروضِ، واجتناب كلِّ ما نهى الله -عزَّ وجلَّ- فإنَّه سيغفرُ له ذنوبه وسيئاتِ أعمالهِ، ثمَّ سيضاعف له حسناته ويجزل له الأجرَ يومَ القيامةِ، وهذا يقتضي إدخال ما استحقَّ إعظامَ الأجرِ ومضاعفته إلى الجنةِ وتخليده فيها.
تفسير ابن كثير
يُخبر الله -عزَّ وجلَّ- عن الأحكامِ التي تمَّ الحديثُ عنها في الآياتِ السابقةِ بأنَّها شرعُه الذي أنزله إلى عباده، عن طريق رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- ثمَّ يُخبر الله -عزَّ وجلَّ- في ذاتِ الآيةِ أنَّ من يتقيه من العبادِ يُذهب عنه المحذورَ، ثمَّ يجزلُ له الثوابَ والأجرَ على أعمالهِ اليسيرة.
تفسير القرطبي
يبيِّن الله -عزَّ وجلَّ- أنَّ ما سبق الحديث عنه من أحكامِ الطلاقِ إنَّما هو أمره الذي أنزله إلى المسلمينَ وبيَّنه لهم، ثمَّ يُخبرُ هؤلاءِ المسلمينَ بأنَّ الذي يطيعه فيما أمرَ، سيكونُ جزاؤه محوَ السيئاتِ عنه في الدنيا، وإجزال العطاءِ له في الآخرة.
ثمَّ أشارَ القرطبي إلى أنَّ الصلاةَ إلى الصلاةِ، وكذلك الجمعةُ إلى الجمعةِ، تعدُّ سببًا من أسبابِ تكفيرِ الذنوبِ ، وهي من الأعمالِ التي أمرَ الله -عزَّ وجلَّ- بها، وذلك مصداقًا لقولِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إلى الجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إلى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ ما بيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الكَبَائِرَ).
تفسير ابن عاشور
إنَّ الأحكامَ السابقة التي تحدثت عنها الآياتِ السابقةِ، إنَّما هي حكمُ الله -عزَّ وجلَّ- وشرعه الذي شرعه وأنزله إلى عبادهِ، وأبلغها لهم بواسطة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، وقد أشار ابن عاشورٍ إلى أنَّ التعبير عن إبلاغ القرآنِ الكريم والأحكامِ إنَّما جاء بكلمة أنزله في قوله تعالى: (ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ)، بيانًا لشرفِ معاني القرآنِ الكريمِ وألفاظهِ.
ثمَّ بيَّن الله -عزَّ وجلَّ- لعباده أنَّ العملَ بهذه الأحكامِ التي سطرتها أحرفُ القرآنِ الكريمِ والعملَ بكلِّ ما أمرَ الله -عزَّ وجلَّ- بهِ سيكونُ سببًا من أسبابِ تكفيرِ السيئاتِ عنهم، ومضاعفةِ الأجورِ لهم.
قراءات آية (ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرًا)
لقد ذكر أهل العلمِ لكلمةِ يعظم في قول الله تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)، ثلاث قراءات، وفيما يأتي ذكرها مع عزوِ كلِّ قراءةٍ لصاحبها:
القراءة الأولى
لقد قرأ جمهورِ القرَّاءَ هذه الكلمةِ في هذه الآيةِ بالياءِ، وهي كما جاءت تمامًا في قول الله تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا).
القراءة الثانية
لقد قرأ الأعمشُ كلمة يعظم الواردة في الآيةِ الكريمةِ بالنونِ، حيث قرأها ونُعظمُ؛ وذلك خروجًا من الغيبةِ إلى التكلمِ.
القراءة الثالثة
أمَّا ابن المقسمِ فقد قرأ كلمة يعظم بالياءِ والتشديد، فكانت عنده بحسبِ قراءته: يعظِّم.
لطائف آية (ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته)
لقد تمَّ فيما سبقَ بيانُ أنَّ الآياتَ التي سبقت قول الله تعالى: (ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)، إنَّما كانت تتحدث عن شأنِ المطلقاتِ وأحكامهنَّ وحقوقهنَّ، وحيثُ إنَّ الطلاقَ لا يأتي غالبًا إلَّا بعد كراهية الزوجِ لزوجتهِ، فقد جاء الأمرُ من اللهِ -عزَّ وجلَّ- للرجلِ بأن يتقيهِ بهنَّ.
وتكونُ تقوى الله -عزَّ وجلَّ- هنا بعدمِ الإضرارِ بهذه الزوجةَ المطلقةَ، فلا يتحدثَ عنها بما يشينها أمام الخطَّابِ الذينَ سيقبلونَ على الزواجِ منها، ولا يقومُ بحرمانها من حقوقها التي أوجبَها الله -عزَّ وجلَّ- لها، من نفقةٍ وسكنة وغيرِ ذلك، وبالرغمِ من وجوبِ ذلك على الرجلِ، إلَّا أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- قد رتبَ على هذه التقوى أجرًا عظيمًا وفضلًا كبيرًا، وهي تكفيرُ السيئاتِ، وإعظامُ الأجرِ في الآخرةِ.