تفسير آية (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام)
تفسير الآية الكريمة عند القرطبي
في قوله تعالى: (فَمَن يُرِدِ اللَّـهُ أَن يَهدِيَهُ يَشرَح صَدرَهُ لِلإِسلامِ)، يبين القرطبي معنى يشرح صدره، فيقول: أي يوسعه له ويوفقه ويزين عنده ثوابه، ويقال: شرح شق، وأصله التوسعة، وشرح الله صدره وسعه بالبيان لذلك، وشرحت الأمر أي بينته وأوضحته، وكما أن الله تعالى يهدي من يريد، فإنه يضل من يريد بأن يغويه ويجعل صدره ضيقاً حرجاً.
وأشار القرطبي إلى أن هنالك نظيراً لهذه الآية في السنة النبوية، وهو المتمثل في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ)، ولا يكون ذلك إلا بشرح الصدر وتنويره، والمقصود بالدين أي العبادات ، ودليل خطابه أن من لم يرد الله به خيراً ضيق صدره، وأبعد فهمه فلم يفقهه.
تفسير الآية الكريمة عند الطبري
يشير الطبري في تفسير قوله تعالى: (فَمَن يُرِدِ اللَّـهُ أَن يَهدِيَهُ يَشرَح صَدرَهُ لِلإِسلامِ)، أن من يرد الله أن يهديه للإيمان به وبرسوله وما جاء به من عند ربه، يشرح صدره للإسلام بـ ( لا إله إلا الله )، فيتسع صدره لذلك ويهونه عليه ويسهله له، بلطفه وكرمه ومعونته، حتى يثبت ويستنير الإسلام في قلبه فيضيء له، ويتسع له صدره بالقبول.
وعندما يجعل الله في صدره متسعاً للإسلام، يصبح الإنسان همه السعي إلى دار الخلود، بفعل الطاعات، والابتعاد عن المحرمات، فيتجافى عن دار الغرور، ويكون على استعداد دائم للموت ولقاء الله تعالى، وكما أن الله تعالى يهدي من يشاء للإسلام، فإنه أيضاً يضل من يشاء عن سبيل الهدى، فيجعل صدره ضيقاً، فيصبح الإسلام عليه ضيقًا، فلا تصله الموعظة، ولا يدخله نور الإيمان.
تفسير الآية الكريمة عند السعدي
يشير السعدي في تفسير قوله تعالى: (فَمَن يُرِدِ اللَّـهُ أَن يَهدِيَهُ يَشرَح صَدرَهُ لِلإِسلامِ)، أن الله تعالى يبين لعباده علامة سعادة العبد وهدايته وفلاحه، فيقول تعالى أن من انشرح صدره للإسلام، أي: اتسع وانفسح، فاستنار بنور الإيمان، وحييَ بضوء اليقين، فاطمأنت بذلك نفسه، وأحب الخير، وطوعت له نفسه فعله، متلذذاً به غير مستثقل، فإن هذا علامة على أن الله قد هداه، ومنَّ عليه بالتوفيق، وسلوك أقوم الطريق.
وأن علامة من يرد الله أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً، أي: في غاية الضيق عن الإيمان والعلم واليقين، فقلبه قد انغمس في الشبهات والشهوات، فلا يصل إليه خير، ولا ينشرح قلبه لفعل الخير كأنه من ضيقه وشدته يكاد يصعد في السماء، وهذا سببه عدم إيمانهم، وهو الذي أوجب أن يجعل الله الرجس عليهم، لأنهم سدوا على أنفسهم باب الرحمة و الإحسان ، وهذا ميزان وطريق لا يتغير، فإن من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى، يسره الله لليسرى، ومن بخل واستغنى وكذب بالحسنى، يسره للعسرى.