تعريف سورة القصص
التعريف بسورة القصص
نزولها وآياتها وموقعها من القرآن الكريم
تأتي سورة القصص في ترتيب سور القرآن الكريم السورة الثامنة والعشرين، وقد نزلت بعد سورة النّمل، وهي السورة التي بعدها أيضاً في ترتيب سور القرآن الكريم، ويبلغ عدد آياتها ثمانٌ وثمانين آية، ونقل القرطبيّ عن الحسن، وعكرمة، وعطاء، أنّ جميع آياتها مكيّة، أمّا ابن عبّاس وقتادة فاستثنوا منها آية نزلت بين مكة والمدينة، وهي قول الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ).
وقد كان نزولها في أواخر العهد المكيّ، ما بين الهجرة إلى الحبشة وحادثة الإسراء والمعراج، ومن المعلوم أنّ المسلمين في مكة كانوا قلّة مستضعفين في الأرض، يعانون ويواجهون صنوفاً من العذاب من قِبل كفار قريش، فمنهم من مات تحت العذاب ومنهم من عاش، وفي سورة القصص جاءت قصة سيّدنا موسى -عليه الصلاة والسلام- الذي واجه ظلم فرعون وبطشه؛ فكانت ظروف المسلمين في الوقت الذي نزلت فيه السورة مشابهة لظروف موسى -عليه السّلام- التي وردت قصته فيها.
وأمّا فيما يتعلّق بفضل سورة القصص؛ فهيَ كفضل غيرها من سور القرآن الكريم، ولم يرد في فضلها دليل صحيح يختصّ بها دوناً عن غيرها من السّور، وبحسب ما أخبر به عبد الرحمن بن الجوزي أنّ كلّ ما ورد من الأحاديث في فضل سورة القصص يقع ضمن الأحاديث الموضوعة.
تسميتها بسورة القصص
اتّخذت قصّة موسى -عليه الصّلاة والسّلام- من سورة القصص عدداً كبيراً من الآيات؛ فمن بداية السورة إلى الآية الثامنة والأربعين جاء الحديث عن موسى -عليه الصّلاة والسّلام- في قصّته وحديثه لشعيب -عليه السّلام- عنها، وقد جاءت السورة برسالة للمسلمين تخبرهم فيها أنّ النصر قادم لا محالة، وأنّ الكفّار مهما ازدادوا في كفرهم وطغيانهم، ومهما بلغوا في المال والجاه، فمصيرهم الهلاك والزّوال.
وتأكدّت هذه الرّسالة في السّورة الكريمة من خلال عرض الأدلّة على قدرة الله -تعالى- وصدق رُسله، وذكر مجموعة من مشاهد يوم القيامة، ويعود سبب تسميتها بهذا الاسم لأنّها تضمّنت على كلمة "القصص" في قول الله -تعالى-: (وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ)، كما تُعدّ سورة القصص السورة الوحيدة الذي ذكرت قصّة سبب هجرة موسى -عليه الصّلاة والسّلام- من مصر إلى مَدين.
مناسبتها لما قبلها وما بعدها
جاءت سورة القصص مفصّلة لِما أُوجز ذكره في سورتي النّمل والشّعراء، وهما الواقعتان قبلها في ترتيب المصحف؛ ففصّلت سورة القصص قصّة موسى -عليه الصّلاة والسّلام- ابتداءً بظلم فرعون وتجبّره في مصر، وتعامله مع بني إسرائيل، مروراً برمي أمّ موسى له في النّهر، والتقاط آل فرعون له، ومُضيّ شبابه في قصر فرعون، وصولاً إلى بعثة الله -تعالى- له رسولاً.
فصّلت السورة كذلك موقف الأمم السابقة وعذاب الله -تعالى- لهم نتيجة ظلمهم وكفرهم وإنكارهم، وإثبات دلائل قدرة الله على الخلق والإيجاد والبعث، ومن وجه آخر فقد أوجزت سورة القصص ما فصّلته سورة النّمل من إهلاك قوم صالح، وقوم لوط، وجزاء من أحسن ومن كفر، وتجتمع سورة القصص مع سورتيّ النّمل والشّعراء في المسائل العقديّة وأصولها وإثباتها من خلال قصص الأنبياء.
كما ترتبط سورة القصص مع السورة التي بعدها وهي سورة العنكبوت؛ إذ جاءت سورة العنكبوت تبيّن وتطرح أمثلة على الصّراع بين الحق والباطل، وتذكر أثر الثّبات على الدّين من خلال ما ظهر في سورة القصص من طيش فرعون ومحاولته للقضاء على رسالة التّوحيد، ثمّ عرضت سورة العنكبوت صوراً من تعذيب كفار قريش للمسلمين في مكّة، وهي صورة للعذاب أقلّ من صور تعذيب فرعون لبني إسرائيل، وتجتمع السّورتين في الحديث عن الهجرة، وبيان جزاء عباد الله -تعالى- المتّقين.
موضوعات سورة القصص ومقاصدها
تسلية الرسول وأصحابه
نزلت سورة القصص على قلب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مواساةً له ولصحابته الكرام، ولتبشّرهم بالنّصر، وتُخبرهم أنّ أصحاب الرّسالات السماويّة السّابقة جاهدوا وصبروا من أجل هذه الرّسالة، قال -تعالى-: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّـهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّـهِ قَرِيبٌ).
وما هذه المشاقّ التي ابتلى الله -تعالى- بها رسله إلّا ليعلم العبد أنّ الله -تعالى- وحده هو المستحقّ للعبادة، وما يتفرّع منها من التكليف والمهام من أجل تحقيق شرع الله -تعالى-، وإثبات صدق الصادقين وكذب المنافقين، إذ إنَّ مُهمّة الرّسل والأنبياء ثقيلة، وتحتاج إلى جهاد نفس وصبر يتطلب الإمداد من الله بالتّسلية، والرّعاية، والرّحمة، وقد جاءت التّسلية بتذكير رسول الله -عليه السّلام- أنّ مصدر رسالته هو الله -عزّ وجلّ-، وأمرته الآيات بتحدّي قومه، وأنّه لا يهدي من أحبّ ولكن الله يهدي من يشاء الهداية، وأنّ مصير الكفار هو النّار.
قصة النبي موسى في سورة القصص
عرضت سورة القصص قصّة نبيّ الله موسى -عليه الصّلاة والسّلام- الطفل الرّضيع في مواجهة فرعون القوي الظالم المُتجبّر، الذي طغى وعلا في الأرض، واتّخذ أهلها شيعاً، واستضعف بني إسرائيل، وذبّح أبناءهم واستحيى نساءهم، وبالرّغم من هذه القوّة والجبروت إلّا أنّها لم تنفعه، ولم تجعل موسى -عليه الصّلاة والسّلام- تحت إمرته وإرادته، فهو في حماية الله -تعالى- التي ترعاه وتحفظه من هذا الظلم أن يُصيبه.
وبعد ذلك عرضت السورة ولادة موسى -عليه الصّلاة والسّلام-، ومن ثم بيّنت نشأته في بيت من يخافه ويحذره، وأنَّ الله -تعالى- أوحى لأمّه أن تُرضعه ثمّ تُلقيه في اليمّ، وأنّه سيُعيده إليها وسيكون من المُرسلين.
وبعدها التقط موسى -عليه الصَّلاة والسَّلام- نساء قصر فرعون، وليتحقّق وعد الله -تعالى- لأمّه بعد أن رفض موسى -عليه الصّلاة والسّلام- الرّضاعة إلّا منها، وبقيَ بعد ذلك في قصر فرعون، ثم بمرور الأحداث خرج مُتوجهاً إلى مَدين، وعاد بعدها إلى مصر، وجاءت أحداث قصّة موسى -عليه الصّلاة والسّلام- في السورة كما يأتي:
- بدأت السّورة بقول الله -تعالى-: (طسم* تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ*نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)، ثمّ تحدّثت السورة عن أمّ موسى وما أوحى الله -تعالى- لها، ثمّ علمت أنّ ابنها صار في بيت فرعون، بعد ذلك تحققت بشرى الله -تعالى- لها بأن أعاد ابنها إليها.
- بيان الله -تعالى- نعمه على موسى -عليه الصّلاة والسّلام-؛ فقد بلغ أشدّه واستوى وآتاه حكماً وعلماً، ثمّ قتل رجلاً من آل فرعون، ليخرج من مصر هارباً، ووصل إلى مَدين، وبعد ذلك اتّفق موسى -عليه الصّلاة والسّلام- مع رجل على أن يُزوّجه ابنته مقابل أن يعمل عنده ثمان سنوات وإن أراد عشراً، وبعد انتهاء المدّة يُزوّجه ابنته.
- انتهت المدّة التي تعاقد عليها موسى -عليه الصّلاة والسّلام- مع الرّجل، وتزوّج موسى -عليه الصلاة والسلام- ابنته ، ثم توجّه وإياها عائداً إلى مصر، وفي الطريق رأى ناراً، فلمّا اقترب منها أمره ربّه أن يعود إلى فرعون ويدعوه إلى عبادة الله -تعالى- وحده ففعل، لكنّ فرعون كذّبه فأغرقه الله -تعالى- .
قصة قارون في سورة القصص
كان قارون من قوم موسى -عليه الصّلاة والسّلام- وكان رجلاً ذا مالٍ وجاه ، وخرج ذات يوم يمشي بين النّاس ويفتخر بماله وجاهه، فمن النّاس من انخدع بالمظاهر وتمنّى لو كان مكانه، ومنهم من لم يغترّ بما أظهره، فما كان إلّا أن خسف الله -تعالى- به وبداره الأرض.
وكان قد وجهّه الله -تعالى- قبل أن يخسف به الأرض إلى ضرورة استعمال المال بالوجه المشروع، وبما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة، وإنفاقه في سبيل الله -تعالى-، ممّا يُؤدي إلى تنميته وطرح البركة فيه، لكنّه لم يتّعظ ولم يستجب لذلك، وتعامل مع النّعم التي أنعم الله -تعالى- بها عليه بالجحود والطّغيان، وبعد هلاكه قال الذين تمنوا مكانه: (لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّـهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ).
الخلاصة
أنزل الله -عزّ وجلّ- سورة القصص تسليةً لقلب النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وإنذاراً بمصير أهل الكفر والطّغيان والفساد، وقد ارتبطت بما قبلها وما بعدها من السّور بالعديد من الرّوابط الموضوعيّة، كما تضمّنت العديد من الموضوعات، أهمّها وأكثرها استغراقاً لآيات السّورة؛ قصّة نبيّ الله موسى -عليه الصّلاة والسّلام- مع فرعون، وهجرته إلى مَدين، وعودته بعد ذلك إلى مصر، كما تضمّنت قصة قارون وجحوده وتكبّره واستعلائه في الأرض، وجزاء الله -تعالى- له بأن خسف به وبداره الأرض.