تعريف الشريعة لغة واصطلاحاً
تعريف الشريعة لغة واصطلاحاً
تعريف الشريعة لغة
يعود أصل الشريعة في اللّغة إلى الفعل الثلاثي شَرَعَ، وهو الشيء المفتوح وله امتداد، ويُطلق على مَورد الماء الذي يأتيه النّاس للشرب، ومنه جاء لفظ الشِّرعة في الدين والشريعة، ويُشترط في الماء عند العرب حتى تكون شريعة أن تكون جارية لا انقطاع فيها، كما تُطلق الشريعة ويُراد بها الطريقة المستقيمة، وعليه فإن الشريعة في الأصل مورد الماء للشُّرب والاستخدام، والشَّرع هو الطريق الموصل إليها، وقال ابن الأعرابي والأزهري: شرع أي أظهر ووضّح وبيّن، وقال الطبري والقرطبي وابن كثير إن الشريعة في اللّغة هي الطريق الأعظم، ومن سنّ أمراً وأوضحه وبيّنه فقد شرعه.
تعريف الشريعة اصطلاحاً
يرى العديد من العلماء أنَّ لفظ الشريعة يختصّ فقط بالدين الإسلامي، فقالوا في تعريفها هي ما سنّه الله -تعالى- لعباده في جوانب الدين المختلفة من العبادات ، والمعاملات، والأخلاق، وغيرها ممّا ينظّم الحياة ويحقّق السعادة الدنيوية والأخروية فيها، وقال العديد من العلماء الآخرون إنّ الشريعة تُطلق على أحكام الديانات كلّها، سواء كانت من عند الله أو من عند غيره، فقالوا بتعريفها أنّها مجموعةٌ القواعد والتشريعات المحكيّة والمكتوبة التي توضِّح كيفية العبادة، والممارسة الفعليّة لهذه التشريعات من قِبَل صاحبها أو من أُسنِد إليه أمر تبليغها، وذلك مثل الديانات السّماوية . وباعتبار وضعها وبيانها واستقامتها تُسمّى شريعة، وباعتبار الانقياد والتَّسليم لها وعبادة الله بها تُسمّى ديناً، وباعتبار إملائها على النّاس تُسمّى مِلّة، وسُمّيت شريعة لأنَّ الناس يَلجؤون إليها كما يَلجؤون إلى مَورد الماء.
واعتماداً على مجموعة من المصنّفات وبالرجوع إليها، وُجد أنّ الشريعة يُراد بها الكثير من المقاصد، كالأحكام الفقهية والقواعد الاعتقادية بشكل عام، أو الأصول الاعتقادية، أو النظام الكوني الذي أوجده الله، أو الأحكام الفقهية التي جاء بها الرسل -عليهم الصلاة والسّلام-، أو الأحكام الفقهية التي جاءت برسالة سيّدنا محمد -صّلى الله عليه وسلم- التي جاءت ناسخة وخاتمة لما قبلها من الرسالات، وعامّة لجميع البشر، وبناءً عليه فإنّ الشريعة هي: الأحكام والقواعد التي شرعها الله -تعالى- لتنظيم حياة البشر، وعلاقاتهم المتنوعة، المنبثقة من العقيدة الإسلامية، أمّا استعمالات القرآن لهذا المصطلح فقد كانت متنوّعة، ويُراد منها العديد من المعاني، واستخدم العلماء لفظ الشريعة باستعمالاتٍ عديدة حسب ما جاء في القرآن الكريم، على النحو الآتي:
- التوحيد : قال -تعالى-: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّـهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ)، فقد كانت عقيدة الأنبياء جميعاً التوحيد، ولم يختلف أحدٌ منهم عن هذه العقيدة.
- الفروع والأحكام التي تندرج تحت التوحيد: قال -تعالى-: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّـهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)، فقد جعل الله لِكلِّ أمّةٍ أحكاماً تختلف عن الأخرى، لكنّ أساس العقيدة واحدة وهي توحيدُ الله.
- الوحي: أي التّوحيد بفروعه وأصوله في القرآن والسّنّة، كما ورد في قول الله -تعالى-: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ).
خصائص الشريعة الإسلامية
امتازت الشريعة الإسلامية بالعديد من الميّزات والخصائص، وفيما يأتي بيانها:
- ربانيّة المصدر، فقد جاءت من عند الله وهدفها رضاه، ومصادر تشريعاتها القرآن الكريم الذي هو كلام الله، والسنة النبوية التي جاءت على لسان رسول الله بوحيٍ من عنده -سبحانه-، وقد قال -تعالى-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)، وجلب الأحكام من غير هذين المصدرين يُعدّ تعدِّياً وتجاوزاً إلى هوى النفس، لذا كانت الشريعة الإسلامية ربّانية، إذ إنّها عادلة بين الخلق جميعاً، لا تفضّل أحداً على أحد، ولا تنتمي لفئةٍ دون فئة، وتحاسب الجميع وتجازيهم على حدّ سواء، وينبثق عن كونها ربانية أنّها كاملة، وذلك لأنّها من عند الله المنزّه عن كلٍّ عيبٍ ونقصٍ، وقد ظهرت صفاته في تشريعاته وأحكامه.
- العدل والمساواة، فمِنْ عدل الله أنّه لا يكلّف نفساً فوق طاقتها، ولا يحاسب الإنسان على ما لا يستطيع القيام به، وجعل جميع التكاليف التي أمر بها عباده قائمة على اليُسر والسُهولة والمُرونة، كما لم يكلّف الفئات التي لا تستطيع القيام التكاليف، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ عنِ النَّائمِ حتَّى يستيقِظَ وعنِ الصَّبيِّ حتَّى يشُبَّ وعنِ المعتوهِ حتَّى يعقلَ).
- ومن عَدلِه أنّه يتجاوز عن المخطىء والمُكْرَه والنّاسي، كما لا يُحاسب أحداً بذنب آخر، وكَلّف كلًّا من الجنسين بما يتناسب مع قدرته وطاقته، فلم يُكلّف المرأة بالجهاد والخروج من البيت من أجل طلب الرزق والتّكسّب، وكذلك لم يفرّق الإسلام بين حاكم ومحكوم، وأبيض وأسود، وغني وفقير، فالكلُّ أمام الشرع سواء، وأساس التفاضل بين العباد هو التقوى ، وهي بذلك إنسانيةٌ تُقيم الأحكام على جميع الخلق، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
- موافقة الشريعة الإسلامية للفطرة الإنسانية، فقد جاءت مراعية لمُرادات النفس ورغباتها ضمن دائرة ما حلّله الله، ودون التجاوز إلى المحرمات أو الظلم.
- قبولها في النفس الإنسانية ومَحبَّة أتباعها لها، وقيامهم بأحكامها وقوانينها عن حُبٍّ منهم، لا عن إكراهٍ وإجبارٍ، وذلك لأنّ مصدرها الله -تعالى- الحكيم ورسوله -صلّى الله عليه وسلّم- الذ أرسله الله رحمةً للعالمين.
- الجزاء لِأَتباعِها يشمل الدنيا والآخرة ، بخلاف غيرها من التشريعات الوضعية التي يقتصر الجزاء فيها على الدنيا فقط، مما يدفع متَّبعيها إلى التهرّب من القيام بما عليهم، لأنّهم لن يَتلقّوا العقاب في الآخرة.
- العموم والبقاء، فهي خاتمةُ الرسلات، وجاءت لعامّة البشر، ومستمرةٌ وباقية إلى أن تقوم الساعة، لا تَنسخها ولا تُلغيها غيرها، وأحكامها تسري في كلِّ مكان وزمان، وتتناسب مع التغييرات والتطورات على مدى الزمن، كما تقوم على تأمين ما يحتاجه الناس من الضروريات والحاجيات والتحسينات.
- الاتّصاف بالأخلاق في جميع الجوانب والمعاملات والأركان، كما جعلت الأخلاق المَبنى الأساسي لكلِّ ما يصدر عن الإنسان من الأقوال والأفعال.
- محفوظة من التّحرف والتّبديل.
- سُلطتها على كلِّ ما يقوم به الإنسان في جميع مجالات الحياة، وحكمها على كلِّ أمرٍ بالوجوب، أو الحرمة، أو الكراهة، أو الإباحة، أو النّدب.
وتتَّصف الشريعة الإسلامية بالوضوح والشمول والتَّفصيل، كما تتوافق مع النظام الكوني بشكل متناسق ومنتظم، وذلك أنّ الخالق لهذا الكون والواضع لهذه التشريعات واحدٌ وهو الله -عزّ وجلّ-، وقال الإمام ابن تيمية -رحمه الله-: "فالشريعة جامعة لكلِّ ولاية وعمل فيه صلاح الدين والدنيا، والشريعة إنَّما هي كتاب اللَّه وسُنَّة رسوله، وما كان عليه سلف الأُمّة في العقائد والأحوال والعبادات والأعمال، والسياسات والأحكام والولايات والعطيات".
مقاصد الشريعة الإسلامية
جاءت الشريعة الإسلامية من أجل حِفظ مجموعةٍ من المقاصد، وكلُّ مصلحة لا تندرج تحتها فلا يُعتدّ ولا يُؤخذ بها، وقد قال الإمام الغزالي -رحمه الله- فيها: "ومقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكلُّ ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكلُّ ما يفوّت هذه الأصول فهو مفسدة، ودفعها مصلحة)، وهذه الخمسة هو ما يُعرف بالضرورات الخمس. هذه المقاصد هي:
- الدّين: فالدين له ارتباطٌ بجميع مناحي الحياة دون استثناء، فكان أهم أهداف الشريعة الإسلامية حفظه، وتجنّب ما يضرّ به وتحريمه؛ كالشّرك، فحثّ القرآن على العديد من العبادات مختلفة الجوانب والتي من شأنها تقوية الإيمان وترسيخه، فمنها العبادات المالية كالزكاة، والجسدية العقلية كالصلاة ، والجسدية كالصيام ، وغيرها، كما دعت الشريعة إلى العمل على ترسيخ قواعد الدين، والقضاء على وسائل الضلال والفسق.
- النفس: فالله -عزّ وجلّ- أعطى الإنسان الحياة، ولا يَحقُّ له ولا لِغيره الاعتداء عليها، وذلك لِيقوم بما أوجبه الله عليه في الأرض من الخلافة والعبادة، فحَفِظَ الإسلام حقّ الحياة، وأوجب على الدول تأمين هذا الحقِّ لمواطنيها، وحرّم الاعتداء على النفس وجعلها من كبائر الذنوب، وعدّ الاعتداء على نفسٍ واحدةٍ بمثابة الاعتداء على جميع الأنفس، فقال -تعالى-: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ)، وجعل القصاص هو الجزاء المناسب لقتل الغير، ممّا يَردع عن التعدّي على الآخرين، فيحافظ كلِّ واحدٍ على حياته ويمتنع عن الاعتداء على حياة الآخرين.
- العقل: وهو ما ميّز الله به البشر عن باقي المخلوقات، فقال -تعالى-: (وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ وَحَمَلناهُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلناهُم عَلى كَثيرٍ مِمَّن خَلَقنا تَفضيلًا)، وجعل وجود العقل أساس التكليف بالواجبات، والدافع من أجل التفكّر في هذا الكون واتّباع ما فيه منفعة وتجنّب الضرر، ولذلك حرّم الإسلام السّحر، وشُرب الخمر، لما في ذلك من تعطيل العقل عن مهامه وقدراته.
- النّسل: وهو الوسيلة التي تَحفظ الجنس البشري وتُبقيه، وقد ضبط الإسلام هذا المقصد بالزواج، ووضع له ضوابط وتشريعات، ودعا الأبوين إلى الالتزام بما عليهما اتّجاه الأبناء من الرعاية، والحضانة، والتربية، وغيرها، وحرّم الاعتداء على الأبناء من خلال الإجهاض أو الوأد، كما حرّم اللّجوء إلى التناسل بالطرق غير المشروعة؛ كالزّنا وما يؤدي إليها، والاختلاط المحرّم.
- المال: والأصل أنّه مُلك لله، وضعه في يَد الإنسان لِيساعده على القيام بما يحتاجه، وأمر بكسبه وإنفاقه بالطرق المشروعة، ونهى عن كسبه وإنفاقه في غير ما شرعه الله، واعتبر العمل من العبادات التي يتقرَّب بها العبد من خالقه، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما كسبَ الرَّجلُ كَسبًا أطيبُ من عملِ يدِه وما أنفقَ الرَّجلُ على نفسِه وأهلِه وولدِه وخادِمِه فهو صدَقةٌ).