تطبيق القانون من حيث المكان
القانون
القانون (باليونانيّة: kanun) وتعني في اللغة اللاتينيّة: العصا المستقيمة، أو المسطرة، حيث استُخدِمت مجازاً بمعنى: المقدرة، والقاعدة، والمبدأ، وفي اللغة العربيّة، فإنّ القانون يعني: مقياس كلِّ شيء، والخطّ الذي يُميِّز الانحراف عن الاستقامة، وهي بذلك تدلُّ على الاستقرار، ووجود العلاقات الثابتة بين الظواهر. ويمكن تعريف القانون اصطلاحاً بأنّه: مجموعة القواعد القانونيّة العامّة المُلزِمة والمُجرَّدة، والتي تهدف بشكل أساسيّ إلى تنظيم سلوك الأفراد في مجتمعاتهم باعتباره إحدى أهمّ وسائل الضبط الاجتماعيّ التي يعتمد عليها المجتمع المُنظِّم لسلوك أفراده، كما أنّ القانون يُعبِّر عن مجموعة القواعد التي تُنظِّم نوعاً مُعيَّناً من العلاقات القانونيّة بين أفراد المجتمع، وقد تقترنُ هذه القواعد بجزاءٍ مادّي تُقِرُّه الجهات والسُّلطات المُختَصّة، لمَن يُخالِفُ أحكام هذه القوانين.
تطبيق القانون من حيث المكان
يُقصَد بتطبيق القانون من حيث المكان: أنّ القانون يُطبَّق على أقاليم الدولة جميعها، وعلى كافّة الأفراد المُقيمين فوق أرض هذه الدولة، كما أنّ القانون الوطنيّ لا يجب أن يُطبَّق، ولا أن تسريَ أحكامه خارج أقاليم الدولة، أو على الأفراد المُقيمين خارج أراضيها، وبذلك فإنّ التصرُّفات والوقائع جميعها التي تحدث على أراضي الدولة، تكون خاضعةً لقوانينها، بحيث يسري القانون على الأفراد جميعهم، سواء كانوا مواطنين، أو أجانب، ولا يتعدَّى تطبيق القانون الحدود الإقليميّة، حتى وإن كانوا مواطنين يُقيمون في تلك الأقاليم.
مبادئ تطبيق القانون من حيث المكان
يتمّ تطبيق القانون من حيث المكان على اعتبار مبدأين، يُكمل كلُّ واحد منها الآخر، وهذان المبدآن هما:
مبدأ إقليميّة القانون
يُقصّد بمبدأ إقليميّة القانون: أنّ تطبيق قانون الدولة يتمّ على من يقطنُ الحدود الداخليّة لها، سواء كانوا مواطنين في هذه الدولة، أو وافدين وأجانب، كما أنّ القانون لا يُطبَّق على من هم خارج حدود الدولة، حتى وإن كانوا من مواطنيها، والأصل في القانون بمختلف مجالاته أن يُمثّل سيادة الدولة على أقاليمها، وهذا يعني أنّ الدولة لها الحق الكامل بوضع قوانينها، وأنظمتها الخاصّة بها، بحيث تُنظِّم علاقة الأفراد فيما بينهم، وعلاقتهم مع مُؤسَّسات الدولة، وأجهزتها، وبذلك يرتبط مبدأ إقليميّة القانون بعلاقة وثيقة مع مبدأ سيادة الدولة .
مثال على مبدأ إقليميّة القانون
يُعتبَر النص الجنائيّ خير مثال على تطبيق مبدأ إقليميّة القانون، وعلاقته مع مبدأ سيادة الدولة، حيث يُخضعُ النصّ الجنائيّ ضمن أحكامه مُرتكِب الجريمة التي تحدث في إقليم الدولة، لقانونها الوطنيّ، مهما كانت جنسيّة مُرتكِب الجريمة، وهذا يعني أنّ القانون الجنائيّ الوطنيّ لا تُطبَّق أحكامه خارج إقليم الدولة، استناداً إلى مبدأ السيادة، وعلى سبيل المثال، فإنّه لا يجوز لفرد يُقيمُ خارج إقليم دولته عند ارتكابه لجريمة ما أن يلجأ إلى قانون دولته أمام قضاء الدولة التي يُقيمُ فيها، بحجّة أنّ قوانين دولته أقلّ شدّة؛ لأنّ في ذلك خَرْق لمبدأ السيادة في تلك الدولة.
الاستثناءات على مبدأ إقليميّة القوانين
هناك بعض الاستثناءات على مبدأ إقليميّة القوانين، وفيما يلي ذِكرٌ لأهمّها:
- يُعتبَر الأصل في مجال القانون الداخليّ أنّ القواعد القانونيّة يتمّ تطبيقها على كلِّ من يُقيمُ ضمن إقليم الدولة، إلّا أنّ الاستثناء في هذه القاعدة هو أنّه في المجال الإداريّ يتمّ تَولّي الوظائف العامّة من قِبل المواطنين فقط، إلّا أنّه يُسمَح في بعض الأحيان بالاستعانة بالأجانب ضمن اتّفاقيات خاصّة.
- يتمّ إعفاء رؤساء الدُّول الأجنبيّة، ودبلوماسيِّي هذه الدُّول، مع زوجاتهم، من الخضوع للقانون الوطنيّ للدولة التي يُقيمون فيها، وهذا يندرجُ تحت نطاق القانون الدوليّ العامّ.
- يُعتبَر الأصل في القانون الماليّ أنّ يُطبَّق ضمن نطاق إقليم الدولة، إلّا أنّ الاستثناء يحدث في المجال الماليّ بمَنْح الامتيازات للمُستثمِر الأجنبيّ، وإعفائه من الالتزام ببعض الضرائب.
- يتمّ تطبيق قانون العقوبات الجنائيّة على الجرائم التي تُرتَكَب خارج حدود الإقليم، إذا كانت ضمن اختصاص المحاكم الجزائيّة في الدولة، وهذا طِبقاً لأحكام قانون الإجراءات الجزائيّة.
مبدأ شخصيّة القوانين
يُعرَّف مبدأ شخصيّة القوانين بأنّه: تطبيق القانون على مواطني الدولة جميعهم، حتى وإن أقاموا خارج حدودها، وعدم تطبيق أحكام القانون على الأفراد الأجانب المُقيمين ضمن حدود الدولة، حيث أجمعت معظم النُّظُم القانونيّة على أنّ الأجنبيّ لديه الحقّ في التمسُّك بقانون دولته إذا تعلَّق الأمر بالأحوال الشخصيّة، كالنفقة، والطلاق، والزواج، والوصيّة، ويُمكن أن يَطال قانون الدولة مواطنيها في خارج حدود الإقليم، بشرط أن تكون ضمن القضايا الشخصيّة كما ذكرنا سابقاً، وتطبيق هذا المبدأ في نطاق النِّزاعات الشخصيّة لا يخرقُ مبدأ سيادة الدولة، حيث يُطبِّق القاضي المدنيّ القانون الشخصيّ للأجنبيّ؛ لحلّ النزاع القائم في مسائل شخصيّة، ولا يتوقَّف على ذلك أيّ مَساس بسيادة الدولة، وممّا يجب أن يُؤخَذ بعين الاعتبار أنّ تطبيق القانون الشخصيّ للأجنبيّ مُتوقِّف على مدى تناسبه مع النظام العامّ للدولة؛ فإذا حدث تعارُض بينهما، فإنّ القاضي يمتنعُ عن تطبيق القانون.
وعلى الرغم من شموليّة مبدأ شخصيّة القوانين للمسائل الشخصيّة، إلّا أنّه يتضمَّن بعض الاستثناءات، ومن ذلك:
- المُنازعات التي تتعلَّق بقضايا العقارات، يجب أن تخضعَ لقانون موقع العقار .
- المُنازعات التي تتعلَّق بالعقود من حيث الموضوع، يجب أن تخضع للقانون الذي تمّ اتّفاق الأطراف على وجوب تطبيقه.
- المُنازعات التي تتعلَّق بالمنقولات، يجب أن تخضع لقانون البلد الذي تُوجَد فيه المنقولات، في الوقت الذي نشأ فيه السبب.
- المُنازعات التي تتعلَّق بالشكل الواجب اتّباعه في إبرام العقود، يجب أن تخضعَ للقانون الذي يتمّ تطبيقه في البلد الذي تمّ الاتّفاق على العقد فيه.
- المُنازعات التي تتعلَّق بالأحوال الشخصيّة، يجب أن تخضعَ لقانون الشخص، وليس لجنسيّته.