تشخيص وعلاج داء كرون
تشخيص داء كرون
في الحقيقة، لا يوجد تحليل أو عَرَض مُعين ومحدد يمكن أن يُثبت التشخيص القطعيّ والأكيد حول الإصابة بمرض كرون أو داء كرون (بالإنجليزية: Crohn's disease) المعروف أيضًا بمتلازمة كرون أو التهاب الأمعاء الناحي من عدِمه، وغالباً ما تتشابه أعراض مرض كرون مع الأعراض المُصاحبة لحالاتٍ واضطراباتٍ صحية عديدة أخرى، لأجل ذلك من الضروري أن يخضع المُصاب للفحوصات المخبرية والسريرية التي تُمكّن من التشخيص واستبعاد الحالات الأخرى التي تُسبب أعراضٍ مُشابهة له؛ مثل التهاب القولون التقرحي (بالإنجليزية: Ulcerative Colitis)، ومن الجدير بالذكر أن التهاب القولون التقرّحي يؤثر في الجهاز الهضمي السفلي؛ أيّ الأمعاء الغليظة أو المستقيم أو كليهما، على عكس مرض كرون الذي قُد يُسبّب التهابات في أيٍّ من أجزاء الجهاز الهضمي المُختلفة وهذا أمر قد يُساعد على التفريق بينهما ولأجل الوصول لتشخيص دقيق وسليم لهذه الحالة فإنّ الأمر يستلزم إخضاع الفرد لخطواتٍ تشخيصيّة عدّة؛ تبدأ بجمع معلوماتٍ عامة عن المريض من مصادر مُختلفة بما يتضمّن معرفة التاريخ الطّبي له، وإخضاعه لفحوصاتٍ بدنية إلى جانب العديد من الفحوصات المخبرية والتصويرية، وتسخير النتائج التي تمّ الحصول عليها في سبيل تأكيد الحالة واستبعاد وجود مشاكل صحية أخرى، وتحديد المنطقة المُتأثرة من الجهاز الهضمي على وجه الدقة.
التاريخ الطبي والفحص البدني
تُعدّ معرفة التاريخ الطبي والعائلي للمُصاب وإجراء الفحوصات البدنية أولى الخطوات التشخيصية ، ويتضمّن ذلك الاستفسار عن ماهية الأعراض التي يُعاني منها المريض وما إذا كانت ذات صلة بداء كرون أم لا، وفي هذا السّياق يُشار إلى أنّ أعراض داء كرون الشائعة تتمثل بالمُعاناة من الإسهال ، وآلام البطن، والحمّى، والشعور بالتعب، وفقدان الوزن، والإصابة بالنزيف الهضمي، وبعد حصر الأعراض التي يُعاني منها الشخص يتمّ النّظر في تفاصيلها؛ ويتضمّن ذلك تحديد وقت بدء ظهور الأعراض، ومدى شدّتها، ونمطها، وتكرار حركات الأمعاء واتساقها، والاستفسار عن عوامل الخطر التي قد تكون مُرتبطة بهذه الحالة، ويتضمّن ذلك سؤال المريض عمّا إذا كان مُدخنًا أم لا، وعن مدى وجود تاريخ عائلي للإصابة بأمراض الأمعاء الالتهابية، وما إذا كان يُعاني من عدم القدرة على تحمل الطعام، وسؤاله عمّا إذا سافر أو استخدم المُضادات الحيوية في الفترات التي سبقت ظهور الأعراض، ويقوم الأطباء أيضًا بسؤال الشخص عمّا إذا ظهرت لديه بعض المشاكل في العين والمفاصل أو أيٍّ من أعراض فقر الدم في الآونة الأخيرة
أثناء الفحص الجسدي يقوم الطبيب المُعالج بتقييم بعض الأمور والعلامات الحيوية للشخص؛ مثل: قياس معدل ضربات القلب، وضغط الدم ، ودرجة حرارة الجسم، والوزن، ويتضمّن الفحص البدني قيام الطبيب بإجراء كشف على منطقة الشرج للتأكد من مدى تطوّر الناسور، أو الشقّ، أو خُراج في هذه المنطقة، ذلك أنّ العديد من المُصابين بمرض كرون يعانون من هذه المشكلات في وقتٍ ما من مراحل إصابتهم بالمرض، ويُشار إلى أنّ الناسور الشرجي (بالإنجليزية: Anal fistula) يُعبر عن نفق صغير يتطور بين نهاية الأمعاء والجلد بالقرب من فتحة الشرج، وقد يقوم الطبيب أيضًا بالتحقق من مدى حدوث أيّ انتفاخات في بطن المُصاب، كما وقد يستخدم السماعة الطبية للاستماع إلى الأصوات داخل البطن، ويلجأ للضغط على البطن للكشف عمّا إذا كان الشخص يُعاني من ألم البطن، أو الألم عند اللمس، ومعرفة ما إذا كان الكبد أو الطّحال غير طبيعي أو متضخم.
الفحوصات المخبرية
فيما يلي بيان لأبرز الفحوصات المخبرية التي قد يتم إجراؤها بهدف تشخيص داء كرون.
فحوصات الدم
يقوم الطبيب المُعالج في أغلب الأحيان بطلب العديد من فحوصات واختبارات الدم لتقييم بعض الأمور، مثل: مستوى الالتهاب في الجسم، وما إذ تطوّرت عدوى أم لا، وتأكيد الإصابة بفقر الدم أو نفيها والتي قد تُعطي مؤشراً حول حدوث فقدان للدم من الأمعاء أو المُعاناة من سوء التغذية، ومن أهمّ هذه الفحوصات ما يلي:
- فحص تعداد الدم الكامل: (بالإنجليزية: Complete blood count) واختصارًا (CBC)، والذي يُعدّ أحد الفحوصات المخبرية التشخيصية الهامة التي يُستدل من خلالها على احتمالية الإصابة بمرض ما، فعلى سبيل المثال عندما يكون عدد خلايا الدم البيضاء أعلى من المعدل الطبيعي فقد يكون ذلك دليلاً على الإصابة بعدوى أو التهاب ما، وفي حالات التي يُظهر فيها هذا الاختبار انخفاضًا في عدد خلايا الدم الحمراء أو صِغر حجمها عن المعدلات الطبيعية فقد يرتبط ذلك باحتمالية الإصابة بفقر الدم .
- اختبارات الأجسام المضادة: (بالإنجليزية: Antibody tests)، والتي تُساعد على تقييم مدى احتمالية الإصابة بمرض كرون والتفرقة بينه وبين التهاب القولون التقرحي، حيثُ إنّ اختبار الأجسام المضادة لمضادات فطريات الخميرة (بالإنجليزية: Anti-Saccharomycescerevisiae antibody test) واختصارًا (ASCA) تمنح نتيجته الإيجابية مؤشرًا على احتمالية الإصابة بمرض كرون، بينما اختبار الأجسام المضادة السيتوبلازمية لمضادات العدلات المُحيطة بالنواة (بالإنجليزية: Perinuclear anti-neutrophil cytoplasmic antibody test) واختصارًا (pANCA) يُستخدم كمؤشر لاحتمالية الإصابة بالتهاب القولون التقرحي.
- بروتين سي التفاعلي: (بالإنجليزية: C-reactive Protein)، يُّعد وجود هذا البروتين علامة على وجود التهاب ما في الجسم.
- اختبار معدل ترسيب كريات الدم الحمراء: (بالإنجليزية: Erythrocyte sedimentation rate)، والذي يقيس مقدار الالتهاب في الجسم إن وجد، وذلك عن طريق قياس مقدار الوقت الذي يستغرقه الدم للنزول إلى قاع أنبوب مخبري خاصّ بهذا الفحص.
- مستويات الحديد وفيتامين ب12: إذ إنّ انخفاض مستويات الحديد وفيتامين ب12 قد تكون دليلاً على أنّ الأمعاء الدقيقة لا تقوم بعملية امتصاص العناصر الغذائية كما ينبغي، وبالتالي قد تكون مؤشرًا على وجود مشاكل مُعينة في الأمعاء.
- تحاليل وظائف الكبد: قد يؤثر مرض كرون في الكبد والقناة الصفراوية، لأجل ذلك تُساعد تحاليل وظائف الكبد على الكشف عن العديد من الأمور في عدّة حالات.
توجد العديد من التوصيات الطبية الحالية بعدم إجراء اختبار للأجسام المضادة أو الاختبارات الجينية لغايات تشخيص الإصابة بمرض كرون، واللجوء إلى اختبارات الدم التي قد تُساعد على استبعاد الحالات الأخرى التي تُشابه أعراضُها مرض كرون.
فحص البراز
يتمّ من خلال اختبار البراز (بالإنجليزية: Stool tests) جمع وتحليل عينة من براز الشخص وإخضاعها للفحص المخبري، حيث يقوم الفني المختص بالكشف عن وجود دم أو أيّ علامات تُشير لعدوى بكتيرية أو طفيلية أو وجود خلايا دم بيضاء ، أو أيّ دليل آخر قد يرتبط بالإصابة بسوء امتصاص أو أيّ اضطرابات أخرى قد تُصيب الجهاز الهضمي والتي يُمكن أن يكون لها أعراض مشابهة لداء كرون.
اختبارات التصوير
تمنح اختبارات التصوير صور مُفصّلة عن الأجزاء الداخلية للجسم لتسهيل عملية التشخيص، حيث تشمل اختبارات التصوير ما يلي:
التصوير المقطعي المحوسب
توفر تقنية التصوير بالأشعة المقطعية المحوسبة (بالإنجليزية: Computerized tomography Scan) تفاصيل أكثر دقة مُقارنةً بالتصوير بتقنية الأشعة السينية الاعتيادية، حيث تُعطي تفصيل لكامل الأمعاء والأنسجة التي تُحيط بها، وفيها يقوم أخصائي الرعاية الصحية بإعطاء المريض محلول للشرب وحقن صبغة خاصّة تُعرف بمادة التباين (بالإنجليزية: Contrast medium)، إذ يعمل ذلك على تسهيل رؤية الهياكل والأجزاء الموجودة داخل الجسم، وبالتالي فإنّها تُمكّن من تشخيص مرض كرون والمضاعفات الأخرى التي قد تنتج عنه.
التصوير بالرنين المغناطيسي
يُمثل التصوير بالرنين المغناطيسي (بالإنجليزية: Magnetic resonance imaging /MRI) تقنية تستخدم المجال المغناطيسي وموجات الراديو لإنشاء صور مفصلة للأعضاء والأنسجة، وتُفيد هذه التقنية بشكلٍ خاص في الكشف عن مناطق مُعينة من الجسم وفقًا للأهداف، وتحديد مشاكل الأمعاء الدقيقة، وتقييم الناسور حول منطقة الشرج.
التصوير الإشعاعي بالباريوم
قد يُلجأ لتصوير الأمعاء الدقيقة أو القولون بتقنية التصوير الإشعاعي بالباريوم (بالإنجليزيّة: Barium X-ray) في العديد من الحالات أثناء تشخيص داء كرون، ويهدف هذا الإجراء إلى معرفة وتقييم الوضع الصحي للقناة الهضمية وإجراء الدراسات التشخيصية للجهاز الهضمي، فالباريوم مسحوق أبيض جاف ذو ملمس طباشيري يتم خلطه بالماء لينتج عن ذلك سائل الباريوم، وبعد أخذ هذا السّائل فإنّ الباريوم يعمل على تغطية الجدار الداخلي للمريء والمعدة والأمعاء ممّا يُساعد في إظهار البطانة الداخلية وخصائصها الأخرى بما في ذلك حجمها وشكلها بعد تعريض الشخص للأشعة السينية ، ومن الجدير ذكره أنّ التصوير الإشعاعي بالباريوم يُمكّن من إظهار اختلافات في القناة الهضمية لا يُمكن مُلاحظتها عند إجراء التصوير القياسي بالأشعة السينية.
اجراءات بالمنظار
يُلجأ لتقنيات التنظيرفي بعض الحالات لتشيخص حالات الكرون، ففي التنظير الداخلي (بالإنجليزية: Endoscopy) يتمّ إدخال أنبوب مُخصّص يتّسم بالمرونة إلى داخل الجسم؛ وذلك بهدف فحص الأعضاء الداخلية للجسم والوصول للتشخيص المناسب والدقيق، وفيما يلي تفصيل لأهمّ إجراءات المنظار التي قد يتمّ اتباعها في هذه الحالة:
تنظير القولون
يُمثل تنظير القولون (بالإنجليزية: Colonoscopy) اختبار يُستخدم لفحص وتشخيص القولون من الداخل، حيثُ يقوم المُختص بتخدير المريض أو إعطائه بعض من الأدوية المُسكّنة للألم، ومن ثمّ سيطلب منه أن يستلقي على طاولة مخصصة، وبعد ذلك يتم إدخال منظار يحتوي على ضوء وكاميرا عن طريق فتحة المستقيم لغاية القولون والجزء السفلي من اللفائفي (بالإنجليزية: Ileum)، لتلتقط الكاميرا صور عديدة من القولون ومن ثم إرسالهم إلى شاشة فيديو حيث يقوم الطبيب حينها بتقييم مستوى وشدّة الالتهاب داخل القولون، وفي الحالات التي يُشتبه بها بإصابة المريض بداء كرون فقد يطلب الطبيب أخذ خزعات من القولون، والمستقيم، واللفائفي، بالتّزامن مع تنظير القولون، وتجدر الإشارة إلى أن هذا النّوع من الخزعات لا يُسبّب أيّ ألم شديد يُذكر، كما أنّ هُناك نوع آخر من تنظير الجهاز الهضمي السفلي ويُعرف بالتنظير السيني (بالإنجليزية: Sigmoidoscopy)، والذي يُعنى بالكشف عن المستقيم والجزء السفلي من القولون فقط.
تنظير الجهاز الهضمي العلوي
يُتيح تنظير الجهاز الهضمي العلوي (بالإنجليزية: Upper GI endoscopy) تقييم الجهاز الهضمي من أعلى إلى أسفل، ففي هذا الإجراء يتمّ تمرير المنظار عبر المريء إلى المعدة ومن ثمّ إلى الأمعاء الدقيقة ، وذلك بهدف البحث عن أيّ إشارات أو علامات فد تدلّ على الإصابة بمرض كرون.
التنظير الكبسولي
يُفيد التنظير الكبسولي (بالإنجليزية: Capsule endoscopy) في حال كان المريض يُعاني من أعراض كرون بالرغم من إظهار الاختبارات السابقة نتائج سلبية أو كانت نتائجها مُبهمة، فخلال هذا الإجراء يقوم المريض بابتلاع كبسولة صغيرة الحجم قد تكون بحجم حبة من حبوب الفيتامينات الدوائية، حيث تخرج الكبسولة من المعدة بسرعة لتجتاز بعد ذلك الأمعاء الدقيقة في غضون ساعتين إلى ثلاث ساعات، وخلال رحلة الكبسولة في الأمعاء فإنّها تقوم بالتقاط العديد من الصور للأمعاء الدقيقة بمعدل صورتين في الثانية الواحدة ومن ثم تُنقل الصور إلى جهاز حاسوب مُخصّص ليتم تحليلها من قِبل الطبيب، ويجدر الإشارة إلى أنّ هذا الإجراء لا يتسبّب بشعور الشخص بالألم، ويستطيع أن يتابع انشطته اليومية المعتادة ويعود إلى قسم التنظير بعد مُضي ثماني ساعات من ابتلاعه للكبسولة.
الخزعة
تُمثل الخزعة (بالإنجليزية: Biopsy) إجراء يتم فيه إزالة عينة صغيرة من أنسجة بطانة القولون أو أي جزء آخر من الجهاز الهضمي ويكون ذلك أثناء إجراء تنظير القولون أو التنظير الداخلي، ومن ثم يتمّ إرسال العينة للمختبر الخاص ليقوم المختص بالبحث عن أيّ علامات تُشير إلى وجود التهاب، فهي تُعدّ طريقة تشخيصية جيدة لمرض كرون واستبعاد الأمراض الأخرى، بالإضافة لدورها الفعّال في الكشف عن سرطانات القولون والمستقيم، ويجدر التنويه إلى أنّه ومع التطور الطبي الحديث أصبح إجراء الخزعة أمر غير مؤلم على عكس ما كان عليه في السابق.
علاج مرض كرون
يتم تحديد طرق العلاج الأنسب لمرض كرون اعتمادًا على عدة عوامل، منها: شدّة المرض، والأعراض التي يُعاني منها المُصاب، وعمره، والحالة الصحيّة العامّة له، ولكن بشكلٍ عامّ، لا يوجد علاج محدد ونهائي للتخلّص من مرض كرون بل إنّ هناك بعض الأمور التي تُساعد في السيطرة على الحالة، وتخفيف بعض الأعراض؛ مثل آلام البطن، والإسهال ، ونزيف المستقيم، والسيطرة على الاحمرار والانتفاخ، وبشكلٍ عامّ يهدف العلاج إلى تخفيف الأعراض وتقليل احتمالية حدوث النوبات، إضافةً إلى تحسين جودة الحياة وتقليل التعرّض للآثار الجانبية التي قد تترتب على استخدام الأدوية، وفيما يلي أبرز طرق العلاج المتبعة في حالات داء كرون:
- الأدوية أو المكمّلات الغذائية، مثل: المضادات الحيوية، ومُثبطات المناعة (بالإنجليزية: Immunosuppressants)، ومضادات الالتهابات، ومضادات الاسهال، ومُسكّنات الألم، ومكمّلات فيتامين ب12.
- إجراء بعض التغييرات في النّظام الغذائي .
- الخضوع لإجراءاتٍ جراحية.
- إجراء بعض التغييرات في أنماط الحياة.
فيديو عن تشخيص وعلاج داء كرون
يتحدّث الفيديو عن كيفيّة تشخيص وعلاج داء كرون.