ترتيب القرآن الكريم
ترتيب سور القرآن الكريم
جاء ترتيب القرآن الكريم بنظمٍ ونسقٍ خاصٍّ ولافت، حيث يُلاحظ أنَّ سور القرآن رُتِّبت في المصحف بخلاف الترتيب الذي نزلت به، فقد تأتي سورة نزلت مُتأخراً لتكون متقدمة في ترتيب المصحف على سورة أخرى كانت قد سبقتها في النزول على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويلاحظ تَقدُّم سورةٍ قصيرةٍ على أخرى أطول منها.
وكذلك اجتماع سور متشابهات وراء بعضهم البعض، أمثال سور الحواميم؛ والتي افتُتحت بِـ "حم"، وهذا النسق نفسه لا نجده في سور أخرى لها نسق مشترك في فاتحة آياتها، مثل المسبّحات التي افتتحت بالتسبيح،
وقد تعدَّدت آراء العلماء حول ترتيب سور القرآن الكريم، توقيف من الله -تعالى-؛ أي مُوحى به من عند الله، أم هو اجتهادٌ وتوفيق من الله -تعالى-، وفيما يأتي بيان ذلك.
ترتيب سور القرآن الكريم توقيفي
يرى جمع من العلماء أنّ ترتيب السور الموجودة في المصحف الآن توقيفي؛ ويعني ذلك أنَّه لم توضع سورة في مكانها التي هي به الآن إلَّا بأمر من الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن جبريل -عليه السلام- عن الله -تعالى-.
ويقول أبو بكر الأنباري: إنَّ في القرآن الكريم نظمٌ؛ باتساق السور وترتيبها، وكذا الآيات وترتيبها، والحروف، كلُّ ذلك جاء بوحي لرسول الله -عليه الصلاة والسلام-، وأنَّ أي تغيير في هذا النظم التوقيفي هو إفساد في نظم القرآن الكريم المُوحى به، ودليل ذلك ما يأتي:
- إجماع الصحابة -رضي الله عنهم-
أجمع الصحابة -رضي الله عنهم- على ما رُتِّب عليه مصحف عثمان -رضي الله عنه-، حيث لو حصل الاجتهاد في ترتيب السور كان ذلك قد ذُكر وتناقله الصحابة، وتمسَّك أصحاب المصاحف المخالفة في ترتيب مصاحفهم.
- ما ورد من أحاديث فيها ذكر لبعض السور مرتباً
نُقل في تفسير قوله -تعالى-: (وَلَقَد آتَيناكَ سَبعًا مِنَ المَثاني وَالقُرآنَ العَظيمَ)، أنَّها السور السبع الطِّوَال؛ البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، على أنَّ هذا الترتيب كان بتوقيف من الرسول الكريم فيما نقل عن الوحي .
بالإضافة إلى ما ورد عن أوس بن أبي أوس الثقفي، حيث كان في وفدٍ أتى إلى أصحاب رسول الله، فسألوا أصحاب رسول الله عن كيفية تحزيب القرآن؟ فأجابوا: "نحزّبه ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل من "ق" حتى نختم".
ثمَّ قال ابن حجر: "فهذا يدلُّ على أنَّ ترتيب السور على ما هو في المصحف الآن، كان في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-"، بالإضافة ما ورد من أحاديثٍ فيها ذكر لبعض السور مرتباً، ومثال ذلك: قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-: (اقرؤوا الزهراوين، البقرة، وسورة وآل عمران).
- إجماع الأمة على الالتزام بهذا الترتيب، وعلى حرمة مخالفته فى كتابة المصاحف.
حيث كان النبي -صلّى اللَّه عليه وسلم- يُلقِّن أصحابه، ويعلمهم ما نزل عليه من القرآن على وفق الترتيب الذى هو الآن بين أيدينا وفي مصاحفنا، وذلك بتوقيفٍ من جبريل -عليه السلام- عن ربِّه -عزَّ وجلّ-، حيث كان يخبره أن هذه الآية تكتب بعد آية كذا في سورة كذا، وتبيّن أنَّ سعيَ الصحابة كان في جمعه فى موضع واحدٍ لا في الترتيب.
ترتيب سور القرآن الكريم توفيقي
قال بعض العلماء إنّ ترتيب السور توفيقٌ من الله -تعالى- لأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما حملهم على ذلك هو وجود بعض الروايات التي تُشير إلى أنَّ هناك اختلاف في نُسَخ الصحابة للقرآن الكريم.
فمثلاً ورد أنّ مصحف عليٌ -رضي الله عنه- كان مرتباً على حسب النزول، فأوّله سورة اقرأ، ثمَّ سورة المدثر، فسورة (ق)، فالمزمل، فتبَّت، فالتكوير، وكان مصحف ابن مسعود -رضي الله عنه- أوله: البقرة، فالنساء، فآل عمران.
بعض سور القرآن توقيفي والبعض الآخر توفيقي
من آراء العلماء أيضاً: أنَّ بعض السور ترتيبها في المصحف "توقيفي" بوَحي من الله -تعالى-، وبعضها الآخر "توفيقي" باجتهاد الصحابة؛ وذلك جمعاً للأدلَّة الواردة فيما سبق، قال ابن حجرفي ذلك: "ترتيب بعض السور على بعضها أو معظمها لا يمتنع أن يكون توقيفيًّا".
ترتيب آيات القرآن الكريم
إنّ ترتيب الآيات وراء بعضها في السورة نفسها هو أمرٌ توقيفيٌّ من الله -تعالى- دون خلاف في ذلك، وذلك أنَّ جبريل -عليه السلام- كان ينزل على النبي -عليه الصلاة والسلام- بالآيات ويخبره بموضعها من السور، ثمَّ يتلوها النبي -عليه الصلاة والسلام- على أصحابه، ثمَّ يكتبها كتّاب الوحي .
ومن الأدلة على ذلك ما يأتي:
- النصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم
عن عثمان ابن أبي العاص قال: (كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ شخص ببصره ثم صوبه ثم قال: أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية هذا الموضع من هذه السورة (إِنَّ اللَّـهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وَإيتاءِ ذِي القُربى وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ)). وفي هذا الحديث دلالة صريحة في كون ترتيب الآيات من عند الله عز وجل جملة وتفصيلاً.
- فعل النبي عليه الصلاة والسلام
كان سول الله -صلى الله عليه وسلم- يتلو آيات القرآن الكريم مرتَّبةً في الصلوات المفروضة والنافلة، فيسمعها أصحابه ويحفظونها كما سمعوها.
- إجماع الصحابة.
- إجماع الأمة قاطبة
ترتيب كلمات القرآن الكريم
إنّ ترتيب الكلمات والذي يعني موضع كلُّ كلمة من الآية ثابتٌ بالنّصِّ والإِجماع، ولا يوجد خلاف في ذلك، وعليه فإنَّه يجب على المسلم القارئ للقرآن الكريم التزام ترتيب كلمات الآيات، ويَحرم عليه مخالفتها، فلا يجوز له أن يقرأ: لله الحمد ربِّ العالمين بدلاً من (الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).