أحكام صلاة الجماعة
حكم صلاة الجماعة
حكم صلاة الجماعة للرِّجال
تعدَّدت أقوال الفُقهاء في بيانهم لِحُكم صلاة الجماعة للرِّجال، ونوضِّح هذه الأقوال فيما يأتي:
- القول الأوَّل: وهو قول الحنفيَّة، وأكثر المالكيَّة، وبعض الشَّافعيَّة، فذهبوا إلى أنَّها من السُّنن المؤكَّدة في حقِّ الرِّجال في صلاة الفرض، ويجدر بالذّكر أنّ حكمها قريب من الوجوب عند الحنفية، وصرّح بعضهم بوجوبها، وجاء عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قوله: "إن صلاة الجماعة من سُنن الهدي"، واتّفقوا على أنَّ صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد لوحده.
- القول الثَّاني: وهو قول الشَّافعيَّة، وبعض المالكيَّة، وبعض الحنفيَّة، فذهبوا إلى أنَّها من فُروض الكِفايّة ، فإذا قام بها البعض سقطت عن البقيَّة.
- القول الثَّالث: وهو قول الحنابلة، وبعض الشَّافعيَّة، وبعض الحنفيَّّة، فقالوا إنَّها واجبةٌ وُجوباً عينيَّاً على كلِّ مسلمٍ، ولكنَّها ليست من شُروطِ صحَّة الصَّلاة ، فلا تبطل الصَّلاة بتركها، واستدلَّ أصحابُ هذا القول بحديث النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (أَتَى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّه ليسَ لي قَائِدٌ يَقُودُنِي إلى المَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ له، فيُصَلِّيَ في بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ له، فَلَمَّا وَلَّى، دَعَاهُ، فَقالَ: هلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بالصَّلَاةِ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فأجِبْ).
- ويكونُ ذلك بصلاة الفريضة، على الرَّجل المُكلَّف القادر، سواءً في الحضر أو السَّفَر، ومن الأدلة على ذلك قول الله -تعالى-: (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ)؛ حيثُ كان الأمر بإقامة الصَّلاة في جماعةٍ في حال الخوف والحرب، فلو كانت الجماعة سُنَّةً لكان أولى الأعذار بسقوطها هو عذر الخوف، ولو كانت فرض كفايةٍ لأسقطها الله -سبحانه وتعالى- عن الطَّائفة الثَّانية بفعلِ الأولى، فدلَّ ذلك على أنَّ الجماعة فرضٌ وواجبةٌ على الأعيان.
حكم صلاة الجماعة للنِّساء
الأصل عدم وُجوب صلاة الجماعة على النِّساء ، ولكن يُسنُّ لهُنَّ الجماعة عند الجُمهور، سواءً كانت الجماعة مع نساءٍ أُخرياتٍ أو كانت مع جماعة الرِّجال، وتُصلِّي خلفهم، وقد قال الشَّافعيَّة والحنابلة بِسُنِّيَّة الجماعة لَهُنَّ مُنفرداتٍ عن الرِّجال، سواءً كان الإمام رجلاً أو امرأةً، فقد أمر النبيُّ -عليه الصلاةُ والسلام- بعض الصَّحابيات بالأذان في بيتها وإمامةِ أهلها، وذهب الحنفيَّة إلى كراهة خُروجهنَّ للجماعة؛ مخافة حصول الفتنة، أما المالكيَّة فذهبوا إلى منع المرأة من صلاة الجماعة؛ لأنَّ من شُروط الإمام عندهم أن يكون ذكراً، فلا تصحُّ إمامةُ المرأة للرِّجال ولا للنِّساء، وإنَّما يجوزُ لها حُضور جماعة الرِّجال بشرط الأمان من الفتنة.
حكم الجماعة في الجمعة
أجمع العلماء على أنَّ الجماعة من شُروط صحَّة صلاة الجُمعة ، ولكن تعدَّدت أقوالهم في العدد الذي تنعقدُ به صلاة الجمعة، فذهب بعض الحنفيَّة إلى أنَّ أقل عددٍ تنعقد به الجماعة هو ثلاثةٌ من غير الإمام؛ لأنَّ أقلَّ الجمع ثلاثة، وذهب آخرون من الحنفيَّة كأبي يوسف إلى أنَّ أقلَّ العدد اثنان من غير الإمام؛ لأنَّ فى المَثنى اجتماعُ واحدٍ بآخر، فكل ما زاد عن الفرد عندهم كان اجتماعاً، فيُسمَّون جماعةً، وذهب المالكيَّة إلى أنَّ أقلَّ الجماعة اثنا عشر رَجُلاً من غير الإمام ممَّن تجبُ عليهم الجمعة عندهم، واستدلّوا بالحديث الشريف: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، كانَ يَخْطُبُ قَائِمًا يَومَ الجُمُعَةِ، فَجَاءَتْ عِيرٌ مِنَ الشَّامِ، فَانْفَتَلَ النَّاسُ إلَيْهَا، حتَّى لَمْ يَبْقَ إلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا)، وتجبُ صلاة الجُمعة جماعةً في المسجد على كُلِّ ذكرٍ، صحيحٍ، مُقيمٍ مُستوطنٍ، بالغٍ، عاقلٍ، حُرٍّ، لا عُذر لديه، ولا تسقط صلاتها في المسجد إلا بِعُذرٍ شرعيٍّ.
أقلُّ عددٍ لصحَّة الجماعة
اتّفق الفُقهاء على انعقاد الجماعة بإمامٍ ومأمومٍ، وذلك في غير صلاتي الجُمعة والعيدين، حيث قال الشافعيَّةُ والحنفيَّة إنَّ أقلَّ عددٍ لصحَّة صلاة الجماعة اثنان؛ إمامٌ ومأموم ولو مع صبيٍّ، ويرى المالكيَّة والحنابلة عدم انعقادها بالصبيِّ المُميِّز، ولكنّ الحنابلة قالوا بانعقاد الجماعة بالصبيِّ المُميِّز في صلاة النَّافلة.
ما تدرك به الجماعة
تعدَّدت أقوال الفُقهاء في القدر الذي يُدَرك به فضلية صلاة الجماعة، فذهب الحنفيَّة والحنابلة، وبعضُ الشَّافعيَّة، وبعضُ المالكيَّة، إلى أنَّ فضيلة الجماعة تُدرَك بإشتراك المأموم مع الأمام في جُزءٍ من صلاته، ولو في الجلسةِ الأَخيرة قبل السَّلام؛ لإدراكهِ جُزءاً من صلاته، ومن أدرك آخر الشَّيء فقد أدركه، وذهب بعضُ المالكيَّة، وبعضُ الشَّافعيَّة، إلى أنَّ فضيلة الجماعة لا تُدرك إلَّا بإدراك ركعةٍ كاملةٍ؛ لأنَّ الصَّلاة كُلُّها ركعةٌ مُكرَّرةٌ.
فضل صلاة الجماعة
توجد الكثير من الفضائل المُترتِّبةِ على أداء صلاة الجماعة، ومنها ما يأتي:
- صلاة الجماعة شعيرةً من شعائر الإسلام ، وأداؤها طاعةٌ لله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وابتعادٌ عن النِّفاق، كما أنَّها تزيد في الأجر والثَّواب عن صلاة الفرد لوحده، لِقول النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (صَلَاةُ الرَّجُلِ في الجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ علَى صَلَاتِهِ في بَيْتِهِ، وفي سُوقِهِ، خَمْسًا وعِشْرِينَ ضِعْفًا).
- صلاة الجماعة سببٌ لتكفير الذنوب والخطايا، واجتماع المُسلمين، وإبعاد الشَّيطان عنهم، وذلك لحديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (ما مِن ثلاثةٍ في قريةٍ ولا بدوٍ لا تقامُ فيهمُ الصَّلاةُ إلَّا قدِ استحوذَ عليْهمُ الشَّيطانُ فعليْكم بالجماعةِ فإنَّما يأْكلُ الذِّئبُ القاصيةَ).
- البراءة من النَّار، والبراءة من النِّفاق، كما أنّ صلاةُ الفجر في جماعةٍ سببٌ ليبقى الإنسان في أمان الله -تعالى- وضمانه، لِقول النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (من صلَّى الصبحَ في جماعةٍ فهو في ذمَّةِ اللهِ). والبقاء بعدها إلى طُلوع الشَّمس تعدلُ أجر الحج والعُمرة، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (مَن صلى الفجرَ في جماعةٍ، ثمّ قَعَد يَذْكُرُ اللهَ حتّى تَطْلُعَ الشمسُ، ثمّ صلى ركعتينِ، كانت له كأجرِ حَجَّةٍ وعُمْرَةٍ تامَّةٍ، تامَّةٍ ، تامَّةٍ)،
- صلاةُ العِشاء والفجر في جماعةٍ تعدلُ قيام الَّليل، لِقول النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (مَن صَلَّى العِشَاءَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّما قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَن صَلَّى الصُّبْحَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّما صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ).
- صلاةُ الرَّجل في جماعةٍ في الصفِّ الأوَّل أفضل من غيره من الصُّفوف، لِقول النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ ما في النِّدَاءِ والصَّفِّ الأوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أنْ يَسْتَهِمُوا عليه لَاسْتَهَمُوا، ولو يَعْلَمُونَ ما في التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إلَيْهِ، ولو يَعْلَمُونَ ما في العَتَمَةِ والصُّبْحِ، لَأَتَوْهُما ولو حَبْوًا).