بماذا يشعر الميت في قبره
القبر
ترك الله -سبحانه وتعالى- مرحلة دخول القبر غامضةً غير معلومة الأحوال؛ لحكمةٍ له في ذلك؛ فهي من الغيبيّات التي لا عِلم لأحدٍ فيها إلا الله ورسوله، وقد ذكر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بعض الأمور عن حياة القبر التي رُبّما تكشف جزءاً من حياة الناس بعد الموت ودخول القبر، وسيتطرّق هذا المقال إلى بعض تلك النّصوص التي صحّت في هذا الخصوص، وتُعنى بالذّات بذِكر ما يمرُّ به الميت، أو يشعر به حالَ دخولِه القبر.
ما يشعر به الميت في قبره
ما يسمعه الميت في قبره
هذه المسألة من المسائل الجليّة التي تباحث فيها العلماء ؛ فقد اختلفوا فيما إذا كان الموتى يشعرون بالأحياء ويسمعون كلامهم وهم في القبور أو لا؛ فمن العلماء من قال بذلك، ومنهم من نفاه، وبيان ما ذهبوا إليه فيما يأتي:
- ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الميت يشعر بمن يزوره ويعوده في القبر، وقد استدلّ أصحاب هذا القول بما ذهبوا إليه بالأدلة الآتية:
- ما ورد في الصّحيحَين: أنّ النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال عن الميت إذا تركه أهله بعدما دفنوه: (إنَّ الميتَ إذا وُضِعَ في قبرِهِ، إنّهُ ليسمَعُ خَفقَ نِعالِهمْ إذا انصَرفوا، وفي روايةٍ: إنَّ العبدَ إذا وُضِعَ في قبرِهِ، وتَولّى عنهُ أصحابُهُ). وفي هذا الحديث إشارةٌ واضحةٌ ومعلومةٌ صريحةٌ أنّ الميِت بعد أن يوضَع في قبره ويُهال التّراب عليه، ثمّ يغادر أهله وأحبابه قبره، فإنّه يسمع صوت نِعالهم وهم يغادرون القبر.
- ما ورد في حديث خِطاب النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لِقتلى بدر من المشركين؛ فقد ورد في الصّحيح: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ترك قتلى بدرٍ ثلاثًا، ثمّ أتاهم فقام عليهم فناداهم، فقال: يا أبا جهلِ بنَ هشامٍ! يا أميّةَ بنَ خلفٍ! يا عتبةَ بنَ ربيعةَ! يا شيبةَ بنَ ربيعةَ! أليس قد وجدتم ما وعد ربُّكم حقًّا؟ فإنّي قد وجدتُ ما وعدني ربي حقّاً، فسَمِع عُمَرُ قول النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال: يا رسولَ اللهِ: كيف يسمعوا وأنّى يُجيبوا وقد جِيفوا؟ قال: والذي نفسي بيدِه ما أنتم بأسمعَ لِما أقول منهم، ولكنّهم لا يقدرون أن يُجيبوا، ثمّ أمر بهم فسُحِبوا، فأُلقوا في قليبِ بدرٍ)، فالنّاظر إلى كلام رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يجد صريحاً منه قوله بسماع الموتى كلامَ الأحياء، حين قال لعُمَر: (ما أنتم أسمع لِما أقول مِنهُم)، ولكنّه نفى عنهم صفة القدرة على الردّ على ما يسمعون، فأثبت السّماع لهم ونفى الكلام عنهم.
- ثبت أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كان يأمر الصّحابة بالسّلام على أهل القبور، ممّا يدلُّ على أنّهم يسمعون كلام الأحياء؛ إذ لو كانوا لا يسمعون لما أمر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بذلك، وإن أمر به في حال كونهم لا يسمعون كلام الأحياء لكان أمرُه لَغواً وحاشى أن يكون في أمر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لغوٌ أو شيءٌ بلا معنىً أو هدف.
- أنكرت السيّدة عائشة أمّ المؤمنين -رضي الله عنها- مسألة سماع الموتى لكلام الأحياء، وقد وافقها في ذلك جماعةٌ من الحنفيّة وبعض العلماء المُعاصرين، مثل: ابن باز، وابن عثيمين، وغيرهما، وقد استدلّت السيّدة عائشة على ما ذهبت إليه بقوله تعالى:(إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ)، وبقوله تعالى: (وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ)، أمّا سماع أهل القليب للنبيّ عندما خاطبهم بعد معركة بدر فيرَون أنّه معجزةٌ خاصّةٌ بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأنّ ذلك لا يصدق على غيره من الخَلق، وأمّا حديث (يسمع خَفق نِعالهم حين يولّون عنه)، فقالوا: بأنّ هذا الأمر خاصّ بالميت عندما يوضع في القبر مباشرةً، فإنّ الرّوح تعود إليه حتّى يُحاسِبه المَلَكان.
ما يحدث للميت في القبر
ثبت في القرآن الكريم والسُّنة النبويّة الصّحيحة أنّ الميت إذا ما دخل قبره فسيتنقّل بين عدّة مراحل بين النّعيم والعذاب؛ حسب ما كان منه في حياته من العمل الصّالح والطّاعة لله، أو المعصية والكفر بالله والعياذ بالله، وفيما يأتي بيان بعض ما يمرُّ به الميت في قبره من النّصوص الصّحيحة في القرآن والسُّنة:
- ثبت أنّ الله -سبحانه وتعالى- يُثبِّت من آمن به على الحقّ والإيمان إذا مات ودخل قبره، فإذا أتاه الملكان الموكَلان به ليُحاسِباه، نطق بما كان عليه من الإيمان والتّقوى، قال الله تعالى:(يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ).
- بعد أن يُنزَل الميت في القبر ويُطمَر بالتراب، يأتيه ملكان من عند الله سبحانه وتعالى، فيُقعدانه ويُهيِّئانه للحساب، فيسألانه عن ربّه ودينه، وعن سيّدنا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- هل يؤمن به أم لا؟ فأمّا المؤمن الصّادق في اعتقاده فيُجيب بثقةٍ وثبات على جميع ما يسألانه، أمّا المنافق أو الكافر فإنّه لا يجد إجابةً لأيّ سؤالٍ سألاه عنه فيقول: هاه لا أدري؛ وذلك لضعف إيمانه وتعلُّقه بالدُّنيا، ولأنّه لم يُعِدَّ لهذا اليوم من صالح عملٍ أو علمٍ في الدّين، ولم يتَّق الله في نفسه وعياله وماله، وبعد هذه الأسئلة يبيّن له موقعه حسب إجابته، فإمّا إلى الجنّة وإما إلى النّار، ويبدأ بعدها عقابه في القبر تمهيداً لعرضه على الله يوم القيامة.
- وقد ثبتت في ذلك عدّة أحاديث نبويّة؛ منها ما جاء في الصّحيحين عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن ّرسولَ اللهِ -عليه الصّلاة والسّلام- قال: (إنّ العبدَ إذا وُضِعَ في قَبرِه، وتولّى عنه أصحابه، وإنّه ليسمعُ قَرْعَ نعالِهم، أتاه ملكانِ، فَيُقعَدانِه فيقولانِ: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ، لمحمّدٍ صلى الله عليه وسلم؟ فأمّا المؤمنُ فيقولُ: أشهدُ أنّه عبدُ اللهِ ورسولُه، فَيُقالُ له: انظرْ إلى مقعدِكَ من النارِ، قد أبدلك اللهُ به مقعدًا من الجنّةِ، فيراهما جميعاً. قال قتادَةُ وذكر لنا: أنّه يُفْسحُ في قبرِه، ثمّ رجع إلى حديثِ أنسٍ، قال: وأمّا المنافقُ والكافرُ فَيُقالُ له: ما كنتَ تقولُ في هذا الرّجلِ؟ فيقولُ: لا أدري، كنتُ أقولُ ما يقولُ النّاسُ، فَيُقالُ: لا دَريتَ ولا تَليتَ، ويُضْرَبُ بِمَطارِقَ من حديدٍ ضربةً، فيصيحُ صيحةً، يَسمعُها مَن يليِه غير الثقلين).
- يبدأ عذاب أهل القبر مِمّن استحقّ العقوبة بعدّة مراحل، ومن تلك المراحل أنّه يرى في كلّ يومٍ مقعده من النّار، فيعلم مصيره الذي آل إليه ببُعده عن الله وإقباله على ما يُرضي هواه، قال تعالى: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا) ، أمّا المسلم الحقّ فإنّه يتعذّب بقدر ما أذنب في الدُّنيا حتّى تزول ذنوبه، فإن زالت عنه ذنوبه زال عذابه، وكما إنّ للقبر عذاباً فإنّ لأهل الإيمان والتّقوى نعيماً؛ فكما يكون القبر حفرةً مِن حُفَر النّار فإنّه للمؤمن روضة من رياض الجنّة؛ إذ يتّسع له قبره، ويرى منزِلَته من الجنّة ، فيستبشر بالنّعيم.
المنجيات من عذاب القبر
إن عذاب القبر ثابت بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية والشريفة، ويعد من المعلومات من الدين بالضرورة، وهو أول منازل الدار الآخرة، وينبغي على كل مسلم أن يحرص في حياته على الأعمال الصالحة التي تنجيه من فتنة القبر وأهواله، ومن الأسباب التي تنجي من عذاب القبر؛ الإكثار من ذكر الموت هادم اللذّات، حتى يدفعه ذلك إلى البعد عن الذنوب، والتوبة ومحاسبة النفس دائما، ومن الأسباب كذلك أن يحافظ المسلم على الأعمال الصالحة والإيمان والاستقامة، وأن يتقي الله في كل أحواله، ومن الوسائل المنجية من عذاب القبر؛ الرباط في سبيل الله، والشهادة، والمحافظة على قراءة سورة الملك .