بلاد الشام في العصر العباسي
بداية الخلافة العباسية
في معركة الزاب التي حصلت شمال العراق، تمكن العباسيون في عام 750 ميلادي من إسقاط الدولة الأموية في دمشق وإنهاء الحكم الأموي، وبعد انتهاء المعركة مرّت الأحداث بشكل سريع وانتهت طاعة مدن الشام للأمويين وخضعت لسيطرة العباسيين ، وأحدث قيام الدولة العباسية تحولاً شاملاً في المنطقة، فلم تبقَ دمشق عاصمة الخلافة للعباسيين لأنها كانت المركز الأول لبني أمية، واختاروا الكوفة عاصمة جديدة لهم قامت عليها الخلافة العباسية، حيث لم يكن فيها ميول للأمويين وكانت بعيدة عن الشام الأموية، وهذا بالإضافة لحاجتهم لثروات العراق وموارده، ثم احتاجوا إلى تحويل عاصمتهم، فأقاموها في بغداد كونها تمتع بمواصفات خاصة تميزها كعاصمة لدولة فتية، فأصبحت بغداد ذات سلطة ومكانة عظيمة ازدهرت بها كل المجالات، وعُرف العصر العباسي بالعصر الذهبي للإسلام، واشتهر به حب المعرفة، واجتمع فيها العلماء، والفلاسفة، والأطباء، والمترجمون، والمفكرون حتى صارت مركزًا تجاريًا وثقافيًا كبير.
بلاد الشام في العصر العباسي
وعن بلاد الشام في العصر العباسي :
- سعى العباسيون للدخول إلى دمشق لما تتمتع به من قوة وأهمية عظيمة باعتبارها مركز الخلافة الأموية، وبعد ذلك تغيرت معالم دمشق بشكل كبير، فهُدم سور المدينة وصارت الأسواق خرابًا مما أثر على الوضع الاقتصادي في الشام كَلكُل، حيث كانت قبل ذلك المركز الرئيسي للصناعة والتجارة، ثم فرضت الضرائب العالية على الناس في بلاد الشام حتى تتم النهضة المالية للدولة، مما حرض شعور الشعب في بلاد الشام للقيام بثورات ضد الولاة العباسيين، لكنها لم تكن تستمر.
- كانت مدن الشام خاصة مقرًا للعباسيين وحصنًا لهم ولغزواتهم ضد العدو الخارجي، مما أعاد لتلك المدن الرخاء والمعيشة الهنيئة، وأنعشت التجارة فيها، ونقل لها ديوان الخلافة لبعض الوقت.
- وعند اتساع رقعة الدولة الإسلامية ودخول العديد من الناس من مختلف الأعراق والجنسيات للبلاد، ومنحهم إمكانيات وخصائص مهمة، ظهرت العديد من الحركات التي ساهمت في نهضة البلاد على مختلف المستويات، ورغم أنّ بغداد كانت أكثر المناطق وفرة في هذه الامتيازات، إلا أنها كانت منتشرة في مختلف المناطق أيضًا، ومن ضمن هذه الامتيازات:
- حركة الترجمة: شجع الخلفاء على حركة الترجمة في العصر العباسي ، وكانت ترجمة رسمية لكل الأعمال التي قامت من اليونانية للعربية، فقد أراد الخلفاء أن تكون أعمال اليونانيين متاحة للعرب، وهدفهم من ذلك الحصول على مكتبة شاملة لأنواع المعرفة، وسعوا لترجمة نصوص الفلسفة والعلوم والطب، وسعوا على تعليم القرآن الكريم كنشاط مقدس، وهذا ما ساعد على نشر المعرفة المكتوبة بسرعة، وساعد على الوصول لفكرة الطباعة التي حصلوا عليها من الصينيين.
- التجارة: نشطت حركة التجارة البحرية عبر الخليج الفارسي، وكان هناك فئة من رجال الأعمال تساعد في تلبية خدمات الطلب على السلع الفاخرة، وتم استخدام موانئ البصرة والبحر الأحمر وعدن وغيرها، كما استخدمت الطرق البرية للتجارة.
- الدواء.
- الفلك.
- العلم والعلماء.
- الاختراعات.
الاختلافات التي هيمنت على المجتمع الشامي في الخلافة العباسية
اختلفت تقسيمات المجتمع من الخلافة الأموية للخلافة العباسية، وحدثت العديد من التغيرات والاختلافات وظهرت في أكثر من جانب، ومنها:
تفاوت الطبقات
خضعت المجتمعات لتطورات هائلة، فصار هناك نظام الطبقات الغنية، والولاة، وحاشية الخليفة، بالإضافة إلى أصحاب الأملاك، وطبقة العاملين، وطبقة عامة الشعب، ولعل أكبر تحول في هذا الجانب هو دمج الفرس والعمالة الفارسية في الطبقات الشعبية، فتولوا المناصب، وتملكوا، وهذا ما لم يكن موجودًا في ظل الحكم الأموي.
الاختلافات الدينية
شكلت الهوية اتجاهًا مهمًا في الحياة في مختلف العصور، فالعلاقة بين المسلمين وغير المسلمين، وطبيعة أن كلاً منهم يتبع عبادات وتقاليد مختلفة، واتساع رقعة الدولة الإسلامية وكينونتها شاملة للكثير من الديانات والجنسيات شكلت مجموعة تجارب مختلفة، لكن بشكل عام كان غير المسلمين قادرين على ممارسة دياناتهم وفق درجات معينة من الاستقلالية، كما كان عندهم إمكانية إدارة شؤونهم الخاصة الداخلية وأنشطتهم التجارية، وتم منحهم الحرية بشرط أن يدفعوا ضريبة خاصة تسمّى الجزية .
الاختلافات العرقية
أعطت الخلافة الأموية الأولوية الأولى للعرق واستخدام اللغة العربية كلغة إدارية مهمة، لكن في العصر العباسي تم دمج المسلمين غير العرب (الفرس) في المجتمع، ومارسوا نفوذًا ثقافيًا كبيرًا، حتى قلت السلطة العربية في الخلافة العباسية، وارتفعت مكانها القوى الفارسية والبربرية.
التنظيم السياسي والاقتصادي
كان للمجتمع الإسلامي أشكالًا مختلفة من التنظيمات السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، وكانت مرحلة الحكم مرحلة حكم لا مركزية، فكانت الحكومة كيانًا بعيدًا، وكانت النخبة الحاكمة من ضمن الأسر المالكة للأراضي وأصحاب القوة والمال، كما كانت المناطق خارج المدن الرئيسية قائمة على الهياكل القبلية، كما كان العبيد مكونًا مهمًا للقوى العاملة المحلية والعسكرية، وكانت تجارة الرقيق نشطة.