بحث عن غزوة حنين
تاريخ غزوة حنين وسببها
خرج النبي -عليه الصلاة والسلام- بالصحابة إلى وادي حُنين الذي يقع قُرب الطائف ، ويبعُد عن مكة مسيرة ثلاثَ ليالٍ، وذلك في يوم السبت السادس من شهر شوّال في السنة الثامنة من الهجرة، من أجل القضاء على ما تبقّى من القبائل الوثنيّة والشركيّة، وهما قبيلتي هوازن وثقيف القريبة من مكة المُكرمة، فلمّا سمعت هذه القبائل بفتح مكة عزمت على قتال المُسلمين ومُباغتتهم قبل أن يُهاجموهم، فسارع النبي -عليه الصلاة والسلام- في وضع الخُطّة المُناسبة للمعركة بعد معرفة أعدادهم وعُدّتهم، وقام مالك بن عوف بجمع هوازن وثقيف، والتحقت به قبائل نصر، وجُشم، وسعد بن بكر، وعددٌ قليلٌ من بني هلال.
مجريات غزوة حنين
بداية غزوة حنين
علِم النبي -عليه الصلاة والسلام- باجتماع القبائل تحت راية مالك بن عوف في وادي أوطاس الذي يقع قُرب حُنين بين مكة والمدينة ، فخرج في اثني عشر ألفاً من الصحابة الكرام، وحَمَل راية المُهاجرين عليّ، وسعد بن أبي وقاص، وعُمر بن الخطاب -رضي الله عنهم-، وحمل راية الأنصار الحبّاب بن المُنذر -رضي الله عنه-، وولّى النبيّ على مكة عتاب بن أُسيد -رضي الله عنه-، وجعل معه مُعاذ بن جبل -رضي الله عنه-؛ ليُعلِّم من تبقّى من الناس السُّنن والفقه والقُرآن، ووصل المُسلمون لوادي حُنين وعسكروا فيه، فبعث المُشركون رجالاً؛ لاستطلاع أخبار المُسلمين، فرجعوا بحالةٍ من الخوف والرُعب، ونصحوهم بالرُجوع.
وتجمّع الصحابة المُهاجرين بالرايات السّود والبيض، والأنصار بالرايات الخضراء والحمراء حول النبي -عليه الصلاة والسلام-، فأعجبتهم كثرتُهُم، فقالوا: "لن نُغلب اليوم من قلّة"، ولبس النبي -عليه الصلاة والسلام- لباس الحرب، وركب بغلته البيضاء، وسار بهم نحو وادي حُنين، وحثّهم على القتال، وبشّرهم بالنصر والفتح، وأرسل عبد الله بن أبي حدرد لاستطلاع أخبار المُشركين، فذهب ورجع وأخبرهم بما سمع وشاهد، وبدأ القتال بهجومٍ من قبيلة هوازن على المُسلمين قُبيل مطلع الشمس، فانكشف بعض المُسلمين للمُشركين، فولّوا الأدبار، فنادى النبي -عليه الصلاة والسلام- يشجّع المسلمين على القِتال، ثمّ تقدم بحربته، فانهزم المُشركون، ثمّ نادى العباس على الصحابة بالتجمّع حول النبي -عليه الصلاة والسلام- للهجوم على المُشركين، فاشتدّت المعركة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يتكلّم ويُبشّر الصحابة، ورمى الحصى في وجوه المُشركين وهو يقول: (شَاهَتِ الوُجُوهُ).
نهاية غزوة حنين
ثَبَت مع النبي -عليه الصلاة والسلام- مئة مُقاتلٍ، وبدأ الصحابة بالمُناداة على بعضهم ليجتمعوا، وقالت أُمّ سليم بنت ملحان للنبي -عليه الصلاة والسلام- أن لا يعفو عن الهاربين، وبدأ الصحابة بقتل المشركين، ومنعهم النبي -عليه الصلاة والسلام- من قتل الذريّة، وقذف الله -تعالى- الخوف في قُلوب المُشركين، وقُتل منهم قُرابة مئة رَجُل، وهربت قبيلة ثقيف، وبعد أن هرب المُشركون تَبِعهم النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى الطائف، وكانت امتداداً لغزوة حُنين.
وكان من أحداث غزوة حُنين بعد هُجوم هوازن على المُسلمين انشغال بعضهم بجمع الغنائم، فهاجمهم المُشركون بالسّهام، ففرّ أهل مكة، ومن كان قريبُ عهدٍ بالإسلام ، وبقي النبي -عليه الصلاة والسلام- ثابتاً على بغلته، ويقول: (أنا النَّبيُّ لا كَذِبْ، أنا ابنُ عبدِ المُطَّلِبْ)، وأُشيع خبر مقتله، ففرّ بعض المسلمين وثبت بعضهم، ولما علموا بحياة النبي -عليه الصلاة والسلام- عادوا إليه، وانقلبت المعركة لصالح المُسلمين، وبعد انتهاء المعركة وُزّعت الغنائم على المؤلّفة قلوبهم من حديثي الإسلام، ولم يأخذ الأنصار منها شيئاً؛ لتمكُّن الإيمان في قلوبهم، وأنزل الله -تعالى- قوله: (لَقَد نَصَرَكُمُ اللَّـهُ في مَواطِنَ كَثيرَةٍ وَيَومَ حُنَينٍ إِذ أَعجَبَتكُم كَثرَتُكُم فَلَم تُغنِ عَنكُم شَيئًا وَضاقَت عَلَيكُمُ الأَرضُ بِما رَحُبَت ثُمَّ وَلَّيتُم مُدبِرينَ* ثُمَّ أَنزَلَ اللَّـهُ سَكينَتَهُ عَلى رَسولِهِ وَعَلَى المُؤمِنينَ وَأَنزَلَ جُنودًا لَم تَرَوها وَعَذَّبَ الَّذينَ كَفَروا وَذلِكَ جَزاءُ الكافِرينَ).
نتيجة غزوة حنين
كانت غزوة حُنين المعركة التي استنفدت قوة المشركين وفرّقت جمعهم، وكانت الخاتمة في مواجهة الوثنيّة العربيّة، كما أنّها تربيةٌ من الله -تعالى- للصحابة الكرام ببيان مصدر نصرهم، وإبعادهم عن الانخداع بالكَثرة، وأنّ العبرة بالمعارك تكون بالخواتيم، لقوله -تعالى-: (ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ)؛ فالنهاية هي العذاب للكافرين، والنصر للمؤمنين، بالإضافة إلى أنها نتاج انتصارات المسلمين المُتتالية على القبائل الأخرى، وبلغ عدد الذين استُشهدوا من الصحابة فيها أربعة، وهم: أَيمن بْن عبيد، وَيزِيد بن زَمعَة بن الْأسود بن الْمطلب بن أَسد، وسراقة بن الْحَارِث بن عدي، وَأَبُو عَامر الْأَشْعَرِيّ، في حين بلغ عدد القتلى في صُفوف المُشركين أكثر من سبعين قتيلاً.
العبر المستفادة من غزوة حنين
إنّ لغزوة حُنين العديد من الدُروس والعبر المُستفادة، ومنها ما يأتي:
- تعليم الصحابة درساً في العقيدة والأخذ بالأسباب، وأن النصر بيد الله -تعالى- وحده، وليس بالكثرة أو القِلّة، حيث اغترّ المُسلمون بكثرتهم فلم تُغنِ عنهم شيئاً، لقوله -تعالى-: (لَقَد نَصَرَكُمُ اللَّـهُ في مَواطِنَ كَثيرَةٍ وَيَومَ حُنَينٍ إِذ أَعجَبَتكُم كَثرَتُكُم فَلَم تُغنِ عَنكُم شَيئًا وَضاقَت عَلَيكُمُ الأَرضُ بِما رَحُبَت ثُمَّ وَلَّيتُم مُدبِرينَ* ثُمَّ أَنزَلَ اللَّـهُ سَكينَتَهُ عَلى رَسولِهِ وَعَلَى المُؤمِنينَ وَأَنزَلَ جُنودًا لَم تَرَوها وَعَذَّبَ الَّذينَ كَفَروا وَذلِكَ جَزاءُ الكافِرينَ* ثُمَّ يَتوبُ اللَّـهُ مِن بَعدِ ذلِكَ عَلى مَن يَشاءُ وَاللَّـهُ غَفورٌ رَحيمٌ).
- تعليم النبي -عليه الصلاة والسلام- للصحابة جواز بعث من يتحسّس أخبار العدو وشأنهم، كبعثه لعبد الله بن أبي حدرد؛ لمعرفة أخبار المُشركين، بالإضافة إلى تعليمهم جواز استعارة الأسلحة من غير المُسلمين لقتال أعداء الإسلام، كاستعارته لأسلحةٍ من صفوان بن أُميّة عندما كان مُشركاً.
- جُرأة وشجاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- وثباته في المعركة بعد تفرُّق المُسلمين عنه.
- جواز اشتراك النساء في الجهاد، من خلال سقي العِطاش، ومُداواة الجرحى، بالإضافة إلى تحريم قتل النساء والأطفال والعبيد في الجِهاد، حيث إنّ المقصود من الجهاد ليس الحقد على المُشركين، وإنّما نشر الدعوة .
- بيانُ سياسة الإسلام مع الذين أسلموا حديثاً في عام الفتح، فقد اختصّهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بمزيدٍ من الغنائم عن غيرهم؛ لتأليف قلوبهم.
- بيانُ فضل الأنصار ومحبة النبي -عليه الصلاة والسلام- لهم.
عوامل انتصار المسلمين في غزوة حنين
يعود السبب في انتصار المُسلمين في غزوة حُنين للعديد من الأسباب، ومن أهمّها ما يأتي:
- ثبات النبي -عليه الصلاة والسلام-، واللجوء إلى الله بالدعاء بالنصر.
- رُجوع الصحابة إلى المعركة بعد فرارهم، وذلك عندما رأوا ثبات النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعندما سمعوا نداء الرجوع.
- تأييد الله -تعالى- للنبي -عليه الصلاة والسلام- ومن كان معه من المسلمين بِجُندٍ من جُنده.
- انتصار المُسلمين يكون بقوّة عقيدتهم، وليس بعددهم وعُدّتهم.
- عبقرية قيادة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتميّز الصحابة الكرام، وتردّي الحالة العسكرية لأعدائهم.
عدد المسلمين والمشركين في غزوة حنين
بلغ عدد المُسلمين في غزوة حُنين اثني عشرَ ألفاً؛ عشرة آلافٍ من المُهاجرين والأنصار والقبائل المُجاورة للمدينة أو التي في طريقها، وألفين ممن أسلموا بعد فتح مكة ، في حين بلغ عدد المُشركين قُرابة العشرين ألفاً، وقد أخرج قائدهم مالك بن عوف نساء المُقاتلين، وأطفالهم، وأموالهم، وجعلهم خلفهم؛ لتشجيع الجنود على القتال.