بحث عن سلوكيات وقيم العمل
العمل
يُعدّ العمل بشكلٍ عام من الأمور المُهمّة في حياة الإنسان؛ حيث ظَهرت أهميته مع وجود حياة بشريّة على سطح الكرة الأرضيّة، وعُزّزت فكرته عندما حَرص الإنسان على التأقلم مع الطبيعة المُحيطة به، والاستفادة منها لخدمته؛ ممّا ساهم لاحقاً في تطور العمل مع زيادة عدد الناس وانتِشارهم في مُختلف أنحاء الأرض، كما نتج عن ذلك تطوّرٌ في الفكر البشريّ الذي أدّى إلى تطوّر وسائل العمل من أجلِ المحافظة على توفير عيشٍ كريم للإنسان في مُجتمعه.
سلوكيات العمل
سلوكيّات العمل أو كما تُعرّف باسم ( أخلاقيّات العمل )؛ هِي عبارة عن مجموعةٍ من المعايير والقيم الأخلاقيّة التي تُساعد الأفراد على التمييز بين الأمور الصّحيحة، والخاطِئة في سلوكِهم داخل بيئة العمل ، واهتَمّ المُفكّرون الإداريّون بمَفهوم السلوكيّات في العمل، وظهرت لها عدّة تعريفاتٍ ومنها: هي مجموعة من القيم والقواعد الأخلاقيّة التي تتحكّم في سُلوكيّات الجَماعات والأفراد. يَعتمد تَطبيقُ سلوكيّات العمل على استخدام مَجموعةٍ من العناصر، وهي:
- الثقافة التنظيميّة : هي عبارة عن الإطار السلوكيّ، والأخلاقيّ الذي تَستخدمه المُنشأة في التعامل مع كافة الأطراف في بيئة العمل، وتشمل الثقافة بشكلٍ عام مجموعةً من الرموز، والمُعتقدات، والقيم، والأعراف التي تسود في منشأة مُعيّنة، وتتأثر هذه الثقافة بقضايا رئيسيّة، وهي:
- بيئة العمل التي تعمل المنشأة فيها.
- المُديرون الاستراتيجيون الذين تؤثّر أفكارهم على كافّة أقسام المنشأة والموظّفين فيها.
- الخبرة الخاصّة بالمديرين الناتجة عن تجاربهم السابقة.
- أخلاق الموظف: هي منظومة سلوكيّة وأخلاقيّة تُساهم بتشكيل عناصر الشخصيّة القياديّة والإداريّة في العمل، وتُعتبر الأخلاق هي الجَوهر الخاص في الإنسان، ويُعدّ التزام المديرين والموظّفين بالقواعد السلوكيّة والأخلاقيّة المُحدّدة في المنشأة صفةً من صفات المنشآت الصحيّة، ويؤدّي ذلك إلى نموّ المنشآت والأفراد العامِلين فيها، ويُحافظُ على استقرار وضعِها الماليّ.
- الأنظمة الخاصة في المنشأة: هي السياسات والمبادئ الأخلاقيّة التي تُعدّ جميعها قوى تُساهم في بناء الأخلاقيّات الإداريّة، وتُساعد على توجيه سُلوكيّات العمل باتّجاهٍ مُحدّد، كما يمتلك كلُّ نظامٍ من أنظمة المنشأة تأثيره الخاص الذي يضعف أو يُعزّز من سلوكيّات العمل.
- الجمهور الخارجيّ: هو العُنصر الرابع من عناصر سلوكيّات العمل، ويتكوّن من العملاء، والنظام الحكوميّ، وتأثير السوق ، وتُساهم جميعها في بناء الأخلاقيّات الخاصّة في الإدارة، وتُساعد على توجيهها نحو اتّجاه مُحددٍ؛ وخصوصاً مع زيادة المُنافسة في الأسواق، وظهور التطوّرات التكنولوجيّة.
قيم العمل
قيم العمل هي عبارة عن الضوابط المهنيّة، والأخلاقيّة، والتعاليم، والمبادئ التي تُساهم في تحديد سلوك المُوظّفين، وتساعد على تأسيس الطريق الصحيح الذي يُشجّع كلّ موظفٍ على تطبيق أدائه الوظيفيّ، ودوره في بيئة العمل الإنتاجيّ التي يتبع لها، كما تُعدّ قيم العمل الجدار الذي يمنع الموظّفين من الوقوع في الأخطاء، وتفصل بينهم وبين ارتكابهم أيّ مخالفاتٍ لا تتوافق مع ضمائرهم ومبادئهم.
تشهد قيم العمل اختلافاً بين المجتمعات بشكلٍ عام، والأشخاص بشكلٍ خاص، ولكن يتفق الجميع على مدى أهميّتها وضرورتها لأيّ منشأةٍ إداريّة؛ وتحديداً في الدول التي تهتمّ ببناء وتطوير نفسها، ومُؤسّساتها، وشركاتها، وبيئاتها الاقتصاديّة والاجتماعيّة؛ لأنّ قيم العمل تُعتبر الضمان للوصول إلى أعلى مُعدّلات الإنتاج ، وتُساهم في وجود جيلٍ مُخلصٍ للعمل ومُحبٍ لوطنه.
مكانة وتطور العمل
مع مرور السنوات اختلفت مكانة العمل بين الشعوب البشريّة؛ حيث كانت لكلِّ حضارةٍ تاريخيّة نظرتها الخاصة حول العمل والمهن؛ فالحضارات البشريّة القديمة لم تظهر دون سبب، بل كانت نتيجةً لعملٍ مُستمرٍ من الأفراد الذين ساهموا في بنائها، فمثلاً الحضارة المصريّة القديمة اعتمدت على العمل الزراعيّ والصناعيّ؛ ممّا ساهم في ازدهار مصر القديمة التي عَرفت صناعة الزجاج، والخشب، والإسمنت، والأسلحة، وغيرها من أنواع الصناعات الأُخرى، أمّا حضارة بابل القديمة فاهتمّت باستخراج المعادن والصيد، وحرصت الدولة البابليّة على تحديد الأجور والأسعار للأفراد الذين يعملون في المهن المتنوعة.
ظهرت في أوروبا خلال العصور الوسطى مجموعةٌ من الجمعيّات التجاريّة والصناعيّة؛ ممّا أدّى إلى ظهورِ العَديد من المُصطلحات في ذلك الوقت؛ حيث ظهر في عام 1120م مصطلح عامل، ومن ثمّ ظهرت العديد من المُصطلحات الأُخرى مثل تاجر؛ ممّا أدّى إلى زيادة تعزيز مفهوم العمل، أمّا في مرحلة الفكر الاقتصاديّ الحديث فاعتبر علماء الاقتصاد أنّ العمل هو المصدر الرئيسيّ للإنتاج، وارتبط مع ظواهر الحياة الاجتماعيّة التي ظهرت نتيجةً لنموّ الإنتاج الصناعيّ، فأصبح معنى العمل عند الأفراد هو كافّة الأساليب والوسائل التي تُساعد على تَحقيق الدخل؛ عن طريق تنفيذ نشاط أو تطبيق سلوك أو استخدام طاقة تعتمدُ على خُطّةٍ مُعيّنة، وتسعى إلى تطبيق وظائف مُحددة؛ من أجل تحقيق هدف إنتاجيّ مُحدد.
مكانة العمل في الإسلام
حصل العمل على مكانةٍ مُهمّة في الإسلام؛ حيث ذكرت العديد من الآيات القرآنيّة الكريمة والأحاديث النبويّة الشريفة أهمية ومكانة العمل، ويُستدل على ذلك بقول الله تعالى (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). كما اهتمّ الإسلام في الحث على السعي للعمل؛ حتى يستطيع الإنسان كسب قوت عيشه، وجَعَل له درجات من الجزاء على الإخلاص والإتقان فيه، ويُستدلّ على ذلك بقول الله تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). وهذه الآيات الكريمة تُعدّ دليلاً على المَكانة التي حصل عليها العمل في الإسلام؛ فالإنسانُ الذي يَحرص على العمل سيعيش حياةً كريمةً، ويحصل على أجرٍ في الدنيا وثوابٍ في الآخرة، أمّا في السنة النبويّة الشريفة توجد العديد من الأحاديث التي ذُكرت حول أهميّة ومَكانة العمل، ومنها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ما أَكَلَ أَحَدٌ طعامًا قطُّ، خيرًا من أن يأكلَ من عملِ يدِه، وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ عليهِ السلامُ كان يأكلُ من عملِ يدِه).