بحث عن إعجاز القرآن الكريم
تعريف الإعجاز القرآني
الإعجاز لفظٌ مأخوذٌ في اللغة العربية من الفعل عجزَ؛ أي عدم القدرة والاستطاعة، والمعجزة : هي أمرٌ خارق للعادة، مقترن بالتحدّي، والإعجاز القرآني في الاصطلاح هو: تفرّد القرآن الكريم وتميّزه بأعلى درجات الفصاحة والبلاغة والبيان ، بحيث يعجز البشر جميعهم عن الإتيان بحرفٍ من حروفه.
وقد تحدّى الله -تعالى- العرب عندما أنزل عليهم هذا القرآن، وقد كانوا يشتهرون بفصاحتهم وبلاغتهم، فجاء القرآن معجزاً لهم، وإنّ الله -تعالى- لما تحدّى العرب بالإتيان بمثل القرآن الكريم؛ تحدّاهم على ثلاثة مراحل، نذكرها فيما يأتي:
- التّحدّي بالقرآن كاملاً
قال الله -تعالى-: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا).
- التّحدّي بإتيان عشر سور من سور القرآن الكريم
قال الله -تعالى-: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).
- التحدّي بإتيان سورة واحدة من سور القرآن الكريم
قال الله -تعالى-: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)، ولكنهم عجزوا عن ذلك جميعاً ولم يستطيعوا أن يأتوا بشيء من ذلك.
أنواع الإعجاز القرآني
إنّ القرآن الكريم معجز من عدة وجوه وعدة جوانب، وفيما يأتي بيان لأنواع الإعجاز القرآني:
الإعجاز البياني أو اللغوي
يُقصد به: إعجاز القرآن بكلماته وبألفاظه، وجمال أسلوبه ونظمه، وبلاغة تراكيبه، وترابط آياته، وتنوع أساليبه ما بين التقديم والتأخير ، والنفي والإثبات، والحقيقة والمجاز، والتخصيص والتعميم، وغير ذلك مما جعله كتاباً خالداً لا يتّسم بِسِمات كلام البشر أبداً.
وقد أعجز الكتّاب والأدباء و شعراء العصر الجاهلي وم ن بعدهم إلى زماننا هذا وحتى قيام الساعة، وخير شهادة على فصاحة وبلاغة القرآن الكريم عندما تأتي الشهادة من عدوّ، فهذا الوليد بن المغيرة يقول في القرآن الكريم: "فو الله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني، ولا برجزه، ولا بقصيده، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، والله إن لقوله الذي يقول حلاوة وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يُعلى عليه".
و الأمثلة على الإعجاز البياني واللغوي كثيرة لا حصر لها، ومنها: الاختلاف في المعنى في كلمتي الرؤيا والأحلام التي يَظنّ البعض أنها كلمتان مترادفتان، ولكن يتّضح أن هناك ثمة فرق بينهما عندما قال الله -تعالى-: (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ* قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ)، فالحلم: هو ما يراه النائم مُشوّشا غير واضح، أمّا الرّؤيا فهي الواضحة الثابتة ولا تشويش فيها وتكون صادقة.
الإعجاز التشريعي
المراد به هو: إعجاز القرآن الكريم بتشريعاته وأحكامه التي جاءت على نحو شامل كامل لا نقص فيها ولا خلل ولا تعارض، وتشمل جوانب الحياة جميعها، فهي تنظّم حياة الأفراد والجماعات والدول، مراعية الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والفقير والغني، والحاكم والمحكوم، في شتى المجالات الدينية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية.
ومن الأمثلة على الإعجاز التشريعي: تشريع الزواج لتنظيم العلاقة بين الذكر والأنثى، ولاستمرار بقاء النسل وديمومة الحياة، فشرع الله -تعالى- جملة من الحقوق والواجبات تجب على الزوج والزوجة كليهما؛ لتنظيم سير الحياة بينهما، قال الله -تعالى-: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ).
الإعجاز العلمي
وهو إخبار القرآن الكريم عن حقائق وظواهر كونية وعلمية ثبتت في العلوم التجريبية، ولم تكن مدركة في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- بالوسائل البشرية، وأثبتها العلم الحديث، ممّا أكّد صدق القرآن الكريم، وأنّه ليس من صنع البشر.
وآيات القرآن الكريم المشتملة على هذا النوع من الإعجاز كثيرة، منها قول الله -تعالى-: (وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ)، فقد أثبت العلم الحديث قانون الجذب الكوني بين الكواكب الكونية، ممّا يفسّر حركة الأجرام والكواكب السّماوية، وأنّ الله -تعالى- في نهاية الزّمان سيُعطّل هذه القوانين بإذنه، ويختلّ توازن الكون.
الإعجاز الغيبي
وهو إخبار القرآن الكريم عن أمور غيبية لم تكن وقت نزول الآيات، سواءً كان إخباره عن أخبار الأمم السابقة، أو إخباره عن أمور مستقبلية لم تحدث، أو إخباره عن أمور في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يشهدها النبي، ولمّا وقعت فيما بعد ثبت صدق القرآن الكريم، ومثال ذلك: سورة المسد التي أخبر الله -تعالى- فيها عن مصير أبي لهب وزوجته، وموتهما على الكفر، وقد كان ما نزلت به الآيات.