الفلسفة الرواقية
مفهوم الفلسفة الرواقية
هي مدرسة فلسفية ، انتشرت في إطار الثقافة اليونانية، في القرن الرابع قبل الميلاد، تحت تأثير الأفكار التي تدعو إلى المواطنة العالمية، وتحت تأثير الأفكار التي تدعو إلى النزعة الفردية، وتأثير التطورات التقنية التي نتجت عن تطور المعرفة الرياضية، وقد تحدد دور المنطق والفيزياء والأخلاق عند الرواقيين بأن المنطق هو السور، والفيزياء هي التربة الخصبة، والأخلاق هي ثمرة لهما، وهي المهمة الرئيسة للفلسفة ، أما المعرفة فمهمتها هي إكساب الفرد الحكمة ومهارات الحياة.
أكد الرواقيون على أن الحياة يجب أن تُعاش وفق الطبيعة، وهذا أنموذج الإنسان، فما يميز الإنسان هو العقل الذي يجعله قادرًا على التحكم في انفعالاته وتصرفاته، وتقوم السعادة على التحرر الانفعالي تجاه الأمور التي لا تقع ضمن سيطرة الإنسان، فلا حكم على أمر لا يمتلك سلطة تجاهه، أما مفهوم السلام، فيعد مبدأ من أهم المبادئ الرواقية، فالإنسان يجب أن يعيش في حالة سلام عقلي، وداخلي، كنوع من التصالح مع الذات، فالقدر هو الذي يحدد كل شيء في الحياة، وعلى الإنسان أن يتقبله، وإلا سيشقى.
أما عن تصور الرواقيين للعالم، فكانوا يتصورونه على أنه مادي، وكل جسم في العالم، يتكون من ذرات له كثافة، أما نظرتهم إلى الوجود بمجمله، فقد عدوا الموجود هو المتجسم فقط، وما هو غير ذلك فلا وجود له، وهذا انعكاس للتفكير المادي، والتجريبي في فلسفتهم، ورأوا بأن الحواس تؤدي إلى فهم جزئي، بينما العلم يؤدي إلى الفهم العام.
مؤسس الفلسفة الرواقية
وفيما يلي نستعرض أهم الفلاسفة المشاركين في تأسيس الفلسفة الرواقية:
زينو القبرصي
يعد زينو مؤسس المدرسة الرواقية سنة 342 ق.م، في مدينة سيتيوم، وقد كانت من المدن اليونانية التي ظهرت فيها النزعة الدينية بشكل كبير خاصة في فكر مثقفيها، والتي تميزت بالجنس السامي، وكان ينتمي إلى هذا الجنس عدد كبير من سكان تلك الجزيرة، ودرس زينو الفلسفة الكلبية، وكان من تلاميذ سقراط، وتأثر بكتب أكزنوفون و أفلاطون فأسس فلسفة جديدة، وأنشا مدرسة لتعليمها في رواق مزخرف وأنشأ التيار الرواقي الذي كان مزيجًا من تيارات سابقة، وأنهى حياته بيده بدون أن تصيبه أي علة أو مرض.
تطور الفلسفة الرواقية عبر التاريخ
تطورت الفلسفة الرواقية على مر العصور، ومن أهم المحطات التي مرت بها:
الفترة المبكرة
- لم تصلنا معظم كتابات الرواقيين المبكرة، ويصعب تحديد آراء مفكريهم والتمييز بينها، على الرغم من أن المصادر ذكرت أن كتابات الفلاسفة الرواقيين كانت غزيرة، تتجاوز المئات.
الرواقية الجديدة
- تطورت الفلسفة الرواقية بشكل كبير في الإمبراطورية الرومانية، وظهر ما يعرف بالرواقيين الجدد، وعلى الرغم من أن الفلاسفة الرواقيين المتأخرين لم يأتوا بأفكار جديدة، إلا أنهم نالوا شهرة كبيرة، وكان السؤال المحوري لفلسفتهم، هو "كيف أعيش"، ودعوا إلى سمو النفس والترفع عن لذائذ الحياة.
الرواقية المتأخرة (فترة ما بعد الميلاد)
وهي آخر مراحل تطور الفلسفة الرواقية، وأشهر الرواقيين المتأخرين هو إبيكتيتوس وهو من أكبر أساتذتهم عاش بين (50–130م)، ويُذكر أنه كان عبدًا، عذبه سيده وبتر ساقه، استطاع توظيف مبادي الرواقية التي تدعو إلى التصالح مع الواقع، وتقبُّل القدر، ومن أشهر تعاليمه أن أخلاق الإنسان هي سعادته التي تعتمد على قوة مقاومته، وكل ما نتعرض له في الحياة ليس سوى تمارين ل ترويض النفس وتدريبها.
الفلاسفة الرواقيون
هنالك العديد من الفلاسفة الرواقيين، والذين نالوا شهرة كبيرة في تاريخ الفلسفة، وأهمهم:
- خريسبوس: وهو من الفلاسفة الرواقيين المتأخرين، عمل على دراسة مؤلفات زينو، وقام بإعادة صياغتها، وتقديمها بشكل جديد، أثرت آراؤه على الفلاسفة اللاحقين، وعرف بصعوبة كتاباته؛ لذلك لم يكن مقروءا بشكل كبير، ولم تصلنا معلومات دقيقة عن مؤلفاته؛ لأنها اندثرت.
- سينيكا: ويعد من أهم الفلاسفة الرواقيين في عصر الإمبراطورية الرومانية، كتب باللغة اللاتينية، وله العديد من الكتابات، فهو يؤمن بثلاثة أنواع للحياة: حياة النظرية وحياة المتعة وحياة السياسة ، وكان في كتابته يهتم بتقديم العزاء للإنسان على ما يصيبه من نوائب الدهر.
- ماركوس أوروليوس: وهو فيلسوف، وشاعر وإمبراطور روماني، كتب أهم كتاب في الفلسفة الرواقية، وهو التأملات، وهو عبارة عن مجموعة من الشذرات الفلسفية، الموجهة إلى النخب الفكرية في زمنه، بالإضافة إلى أنه كان يخاطب نفسه فيها.
الخلاصة
نستنتج أن الفلسفة الرواقية هي من أشهر الفلسفات، نادت بالعديد من المبادئ الهامة؛ فهي تسعى إلى اصطناع الفضيلة بهدف تقويم سلوك الإنسان، وترويضه على ضبط نفسه، وانتشرت بشكل كبير في حقبة الإمبراطورية الرومانية، ومن أشهر الفلاسفة الرواقيين سينيكا، وماركوس أوروليوس.