الطفولة المبكرة
الطفولة المبكرة
تبدأ مرحلة الطفولة المُبكِّرة بالاعتماد على الآخرين، وتتدرَّج نحو الاعتماد على النَّفس، وهي تُشكّل أهمّية كبيرة في حياة الفرد؛ إذ يزداد فيها اتّكاله على نفسه، ويبدأ فيها تفاعُله مع ما يحيط به، فيغدو قادراً على التعامل مع بيئته، كما تتشكَّل فيها اتّجاهاته، وقِيَمه ، وعاداته، ويصبح قادراً على تمييز الخطأ من الصواب، وبشكلٍ عام، فإنّ هذه المرحلة تًعتبَر أساساً للشخصيّة، حيث تُؤثِّر فيها إيجاباً، وسَلباً.
ومن هنا، فإنّه يجدر بنا تعريف الطفولة بشكل عامّ، والطفولة المبكِّرة بشكل خاصّ؛ حتى نتمكَّن من فهم ماهيّتها، وبالتالي فَهمها، حيث إنّ الطفولة مصدر للفعل (طَفْل)، وهي تعني لغة: المرحلة من الميلاد إلى البلوغ، أمّا الطفولة اصطلاحاً، فقد وردت عدّة تعريفات تتعلَّق بها، ومن أبرز هذه التعريفات ما يأتي:
- أشار قاموس (أكسفورد) إلى أنّ الطفل هو: "الإنسان حديث الولادة، سواء كان ذكراً، أو أنثى"، واشار أيضاً إلى أنّ الطفولة هي: "الوقت الذي يكون فيه الفرد طفلاً، ويعيش طفولة سعيدة".
- عرَّفت المادّة الأولى من مشروع اتّفاقية الأُمم المُتَّحِدة الطفل على أنّه: "كلُّ إنسان لم یتجاوز الثامنة عشرة، ما لم یبلغ سنَّ الرُّشد قَبل ذلك، بمُوجب القانون المُنطبِق علیه"، كما عرَّفت الطفولة على أنّها: " مرحلة لا یتحمَّل فیها الإنسان مسؤولیّات الحیاة، مُعتمداً على الأبوین، وذوي القُربى في إشباع حاجته العضویّة، وعلى المدرسة في الرعایة للحیاة، وتمتدُّ زمنیّاً من المیلاد، وحتى قُرب نهایة العقد الثاني من العُمر، وهي المرحلة الأولى لتكوین، ونُموّ الشخصیّة، وهي مرحلة للضبط، والسیطرة، والتوجیه التربويّ".
أمّا الطفولة المبكِّرة بمفهومها الخاصّ، فهي تعني: المرحلة العُمريّة التي تمتدُّ منذ سنّ العامين، وحتى سنّ الخامسة، حيث تتكوّن فيها المهارات الأساسيّة للطفل، مثل: اللغة، والمشي، كما أنّه يصبح فيها قادراً على الاعتماد على نفسه.
العوامل المؤثرة على النمو في مرحلة الطفولة المبكرة
تتنوّع العوامل التي تؤثِّر في نموّ الطفل، إلّا أنّها تُشكِّل كُلّاً مُتكامِلاً معاً، وهي تتشكّل على النحو الآتي:
- عوامل داخليّة: وهي تتمثّل بالوراثة التي تنتقل عبرها الصفات من الوالدين إلى أبنائهما، حيث يتشابه الأطفال مع آبائهم في بعض الخصائص الجسديّة، إلّا أنّ بعضهم يمتلكون اختلافات جوهريّة؛ ناتجة عن جينٍ مُتنحٍّ من جيل سابق، وبهذا فإنّه من غير الضروريّ أن يكون الطفل مُشابهاً لوالديه دائماً.
- عوامل خارجيّة: وهي تتمثّل بما يأتي:
- البيئة: حيث إنّ لها دوراً كبيراً في تشكيل شخصيّة الفرد، وتحديد أساليبه، وسلوكيّاته في الحياة، وتتمثّل هذه البيئة في عدّة أنواع، من أبرزها: البيئة الاجتماعيّة للطفل، كالأسرة ، والروضة ، والبيئة الجغرافيّة، والظروف الاقتصاديّة، والبشريّة، والطبيعيّة، والبيئة الحضاريّة، والثقافات المختلفة.
- التعلُّم: حيث يمثِّل التعلُّم تغيُّراً في السلوك؛ وذلك بسبب الممارسة، والخبرة، ممّا يعني ممارسة الفرد للنشاطات العقليّة التي من شأنها إنتاج العديد من المعارف، والاتّجاهات، والمهارات، والقِيَم ، وغيرها، وبالتالي التأثير في عمليّة النموّ، وتطوُّره.
- الغذاء: يُعَدُّ الغذاء أمراً ضروريّاً؛ لتوليد الطاقة في الجسم، وبناء أنسجته، وإمداده بالعناصر الأساسيّة اللازمة لنُموّه، والحفاظ على صحّته، علماً بأنّ الغذاء غير الكافي، وغير المتوازن، يتسبَّب في الأمراض، ويؤدّي إلى ضعف مقاومتها لدى الطفل ، كما يؤثِّر في تحقيقه لإمكانات النموّ لديه.
- النُّضج: حيث إنّ النُّضج امر ضروريٌّ لأداء السلوكيّات؛ إذ إنّ أيّ سلوك هو مرتبطٌ بالنُّضج الجسديّ الكافي لأدائه، ممّا يؤثِّر في عمليّة النموّ .
بعض جوانب النموّ في مرحلة الطفولة المُبكِّرة
ممّا يجدر ذكره أنّ النموّ في مرحلة الطفولة المُبكِّرة يمرُّ بعدّة جوانب، هي: النموّ الجسميّ، والنموّ الفسيولوجيّ، والنموّ الحسّي، والنموّ الانفعاليّ، والنموّ اللغويّ، والنموّ العقليّ ، والنموّ الحركيّ، والنموّ الاجتماعيّ، وفي ما يأتي تركيزٌ على ثلاثة جوانب مهمّة منها، وهي: النموّ الاجتماعيّ، والعقليّ المعرفيّ، واللغويّ.
النموّ الاجتماعيّ
يكون الطفل في هذه المرحلة مرتبطاً بشكل وثيق بأمّه، حيث إنّها تشكِّل مصدراً لإشباع احتياجاته، ورغباته، إلّا أنّه يزداد اعتماداً على نفسه بشكل تدريجيّ مع التقدُّم في العُمر، حتى يصبح قادراً على المشي، ممّا يساعد على زيادة تحقيقه لاستقلاله الاجتماعيّ، وبالتالي يسهّل عليه عمليّة التواصل الاجتماعيّ، حيث يهتمّ باللعب الجماعيّ، فيقضي وقتاً أطول معهم، إلّا أنّه لا يحقِّق الاستقلال الذاتي بشكلٍ كامل في هذه المرحلة ؛ لأنّه يظلُّ في حاجة لأمّه في ما يتعلَّق ببعض الأمور، علماً بأنّ اللعب يشكِّل أهمّية كبيرة لدى الطفل؛ لأنّه يتمكّن من خلاله من تنمية علاقات جديدة مع الآخرين.
النموّ المعرفيّ والعقليّ
حيث يتَّصف التفكير لدى الطفل في هذه المرحلة بالبساطة، بحيث لا يمكنه التركيز على أكثر من جانب واحد، كما أنّ الطفل يعتقد أنّ إدراك الآخرين لعالَمه مشابهٌ لكيفيّة إدراكه له، وبهذا يُعَدُّ تفكيره أنانيّاً، إلّا أنّ هذا التمركز حول الذات يقلّ تدريجيّاً مع تقدُّمه في السنّ، بالإضافة إلى أنّ مقدرة الطفل على تبرير إجاباته تزاد، وهذا يدلُّ على النموّ المعرفيّ لديه، وتظهر خاصّية الشفافيّة لديه، والتي تتمثّل برسوماته؛ حيث إنّه لا يرسم ما يراه، بل ما يُفكِّر فيه، فيرسم الجدران وكأنّها شفّافة تُظهرُ ما خلفها.
ومن الجدير بالذكر أنّ تفكير الطفل يصبح أكثر تطوُّراً، وتحرُّراً، فيدرك الأشياء بما يتوافق مع ما يراه من ناحية واحدة فقط؛ أي أنّ تفكيره يعتمد على حدسه، وليس على المنطق، كما أنّه يصبح قادراً على التفسير. بالإضافة إلى أنّ مرحلة الطفولة المبكِّرة هي المرحلة التي تكثُر فيها الأسئلة، فمن خلالها ينمو التفكير العقليّ، والمعرفيّ لدى الطفل، حيث إنّ هذه الأسئلة كلّما زادت، دلّ ذلك على ذكاء الطفل، أو قلقه النفسيّ ، ويظهر النموّ العقليّ هنا عن طريق اللعب الإيهاميّ التخيُّلي، وسردالقصص الخياليّة، فيكون الطفل ذا خيالٍ خَصْبٍ، ممّا ينعكس إيجاباً على حصيلته اللغويّة، أمّا في ما يتعلَّق بالذاكرة لديه، فهي تتميَّز بكونها آليّة؛ تهتمّ بحفظ الشيء دون تأثُّرٍ بمعناه، وما لم تكن الذاكرة قادرة على حفظ الكعلومات بشكلٍ جيّد، فإنّ النموّ المعرفيّ العقليّ لا يتمّ.
النموّ اللغويّ
يتميَّز النموّ اللغويّ في مرحلة الطفولة المبكّرة بالسرعة، من حيث الفهم، والتحصيل، والتعبير ، كما أنّ مقدرة الطفل على المشي كلّما زادت، زادت معها مقدرته على الكلام؛ وذلك للارتباط الوثيق بينهما، بالإضافة إلى أنّ الطفل تنمو لديه دقّة التعبير، والوضوح، والمقدرة على فهم كلام الآخرين، واستخدام الضمائر، وغيرها من المظاهر. ومن الجدير بالذكر أنّ الطفل يصبح قادراً على تكوين جمل قصيرة تتألَّف من 3-4 كلمات بحيث تعبِّر عن معنىً مُعيَّن، إلّأ أنّها ليست صحيحة من حيث التركيب اللغويّ، وعلى الرغم من ذلك، فإنّه ينتقل إلى مرحلة تأليف الجمل الكاملة التي تتألَّف من 4-6 كلمات، بحيث تُعَدُّ جملاً مفيدة، وممّا يجدر التنويه إليه أنّ المقدرة لدى الطفل على التواصل مع غيره في هذه المرحلة تظلّ قاصرة، رغم وجود المقدرة اللغويّة لديه.