الصيام في شهر شعبان
الصيام في شهر شعبان
حُكم الصيام في شهر شعبان
الصيام في شهر شعبان مُستحَبٌّ؛ إذ كان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يصومه، ويحرص على ذلك، وقال بعض العلماء، كأبي داود، والنسائيّ إنّه صامه كاملاً، وقال آخرون، كالحافظ، وابن باز إنّه صامه كلّه إلّا قليلاً منه.
الحِكمة في إكثار النبيّ من صيام شعبان
ذهب بعض العلماء، كابن بطّال إلى أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- إنّما كان يُكثر من صيام شهر شعبان؛ لانشغاله بسبب سفره، أو نحوه عن صيام الأيّام الثلاثة من كلّ شهر؛ فيصوم الأيّام التي فاتَته كلّها في شعبان، وقِيل إنّ صيامه شعبان كان تعظيماً لرمضان، وقِيل إنّه كان يصوم مع زوجاته اللاتي كُنَّ يقضين ما عليهنَّ من رمضان في شعبان، وفي صومه -عليه الصلاة والسلام- تنبيهٌ للناس إلى فَضل شعبان؛ حتى لا يغفلوا عنه؛ لأنّه يأتي بين رجب ، ورمضان، كما أنّ الأعمال تُرفَع في شعبان، فيُرافق عَرْضها على الله صيام العبد، وفي صيام شعبان تدريبٌ للنَّفس، وإعدادٌ لها لصيام رمضان .
حُكم صيام نهار النِّصف من شهر شعبان
إن صيام نهار النّصف من شعبان تحديداً دون غيره غير مشروع، إذ لا يُوجَد ما يدلّ على صيامه تخصيصاً دون أيّام شعبان الأخرى، لكن صيام النِّصف من شعبان يصبح مشروعاً ومندوباً إذا كان من غير تخصيص؛ فالصيام في عمومه مُستحَبّ، فيدخل صيام شعبان في ذلك أيضاً، ويتحصّل المسلم على أجر صيام يوم لله -تعالى-؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (مَن صامَ يومًا في سبيلِ اللَّهِ، عزَّ وجلَّ باعدَ اللَّهُ وجهَهُ من جَهَنَّمَ، سبعينَ عامًا)، وصيام أيّام النِّصف من شعبان داخلة في صيام الأيّام البِيض من كلّ شهر، وقد أوصى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أبا هريرة بصيامها، ويُعَدّ صيامها اقتداءً بالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-،
حُكم صيام النِّصف الثاني من شهر شعبان
يجوز للمسلم أن يصوم النصف الثاني من شهر شعبان على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من المالكيّة، والحنفيّة، وقد استدلّوا بحديث عمران بن حصين أنّ: (رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَ له، أَوْ لِآخَرَ، : أَصُمْتَ مِن سُرَرِ شَعْبَانَ؟ قالَ: لَا، قالَ: فَإِذَا أَفْطَرْتَ، فَصُمْ يَومَيْنِ)، وهذا ما ذهب إليه مَن فسّرَ السُّرَر بمعنى: الوَسط، وخالفهم في ذلك الحنابلة؛ إذ ذهبوا إلى أنّ صيام النِّصف من شعبان مكروه؛ لقول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (إذا انتصف شعبانُ، فلا تصوموا حتى يكونُ رمضانُ)، وذهب الشافعيّة إلى حُرمة صيام النصف الثاني من شعبان؛ لأنّ ذلك قد يكون سبباً في ضَعف العبد عن صيام رمضان؛ واستدلّوا بالدليل الذي استدلّ به الحنابلة نفسه.
حُكم صيام يوم الثلاثين من شعبان
يُعرَف يوم الثلاثين من شعبان بيوم الشكّ، وفي صيامه أقوال للعلماء، وبيانها فيما يأتي:
- الحنفية: ذهب الحنفيّة إلى كراهة صومه إلّا أن يكون قد جُزِمَ بصومه بلا تردُّد أو شَكّ بين صومه وصومٍ آخر، كشكّه أنّه رمضان أم لا؛ فإن كان يوم الثلاثين هو أوّل يوم من رمضان كان ما صامه قد أجزأ عنه، ولا يكون صائماً إذا تردّد فيه بين أن يكون صائماً أو مُفطِراً، ويُكرَه عندهم صيام آخر يومَين من شهر شعبان.
- المالكية: يجوز عند المالكيّة صيام يوم الشكّ في حال كان الصائم مُعتاداً على سَرد أيّام صوم، أو أن يُصادف يوم الشكّ يوم صيام مشروع، كالاثنين والخميس ، أو أن يصوم الشخص ما عليه من أيّام رمضان الفائت قضاءً، أو إن كان صيامه في ذلك اليوم صيام كفّارة يمين، أو نَذْر ، وهذه هي الأحوال التي أجاز فيها المالكيّة صيام يوم الشكّ.
- الشافعية: تحرم عندهم نيّة، وصيام يوم الشكّ، ويُستَثنى من ذلك أن يكون صيام الشخص لنَذْر في ذِمّته، أو لقضاء فَرض أو نَفل، أو اعتياده عليه، كصوم الاثنين والخميس، ونحو ذلك.
- الحنابلة: يُكرَه عندهم صوم يوم الشكّ ؛ أي يوم الثلاثين من شعبان تطوُّعاً إلّا إذا وافق هذا اليوم يوماً كان مُعتاداً على صيامه، كأن يكون مُعتاداً على صيام يوم وإفطار يوم، أو صيام يومَي الاثنين والخميس فصادف أحدهما، أو صيام كفّارة، أو نَذْر.
فضل صيام شعبان
يُعَدّ شعبان أحد الأشهر التي يغفل عنها الناس، ومن فضائل صيامه أنّه يكون مَخفيّاً؛ أي بين العبد وربّه، وذلك يُحقّق إخلاص العمل لله -تعالى-، ويُبعدُ الرياء عن ذلك، وهو أشقّ على النفس؛ لأنّ الذين يصومون هذه الأيّام ويتفطّنون لها قِلّة، وذلك يُوجِب الحصول على أجرٍ أعظم، والصيام في هذا الشهر قد يكون سبباً في دَفع عموم البلاء عن الناس، ومن أهمّ فضائل صيام شعبان أنّ فيه إحياءً لسُنّة نبويّة مهجورة، وإحياءُ الأوقات المباركة التي يغفل عنها الناس بطاعة الله -تعالى- يُعَدّ عملاً صالحاً عند الله -تعالى-؛ قالت عائشة -رضي الله عنها- عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (وما رأيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم استكمَلَ صِيامَ شَهرٍ قَطُّ إلَّا رَمضانَ، وما رأيتُه في شَهرٍ أكثَرَ منه صيامًا في شَعبانَ).
فضل شهر شعبان
يُعَدّ شهر شعبان الشهر الثامن من السنة الهجريّة، ويكون بين شهرَي رجب، ورمضان، وقِيل إنّه سُمِّي بذلك؛ لأنّه شَعَب بين شهرَي رمضان، ورجب، وهو من الشهور المباركة، ويُستحَبّ للمسلم أن يُكثر من الصوم فيه؛ اقتداءً بالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ إذ واظب -عليه الصلاة والسلام- على الصيام فيه؛ تطوُّعاً لله -تعالى-، حتى أنّه كان يصوم من أيّامه ما لا يصوم في سِواه من شهور السنة؛ قالت أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (وما رأيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم استكمَلَ صِيامَ شَهرٍ قَطُّ إلَّا رَمضانَ، وما رأيتُه في شَهرٍ أكثَرَ منه صيامًا في شَعبانَ)، ومن بركة هذا الشهر وفَضله أنّ عَمَل العبد السنويّ يُرفع إلى الله -سبحانه وتعالى- فيه؛ فكان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يُحبّ أن تُعرَض أعماله على الله -تعالى- وهو صائم، وذلك أرجى أن يُقبَل العمل، وتُرفَع الدرجات، ويُسَنُّ للمسلمين أن يقتدوا بالنبيّ -عليه الصلاة والسلام- في ذلك، وتجدر الإشارة إلى أنّ عَرض الأعمال على الله -تعالى- يكون ضمن ثلاثة أشكال، بيانها فيما يأتي:
- العَرض اليوميّ: تُعرَض أعمال العبد على الله -تعالى- مرّتَين في اليوم؛ واحدة في الليل، وأخرى في النهار؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (يُرْفَعُ إلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهارِ، وعَمَلُ النَّهارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ)؛ إذ تُرفع أعمال النهار آخر النهار، وأعمال الليل آخر الليل، والملائكة هي من تتولّى رَفع الأعمال إلى الله -تعالى-.
- العَرض الأسبوعيّ: تُعرَض الأعمال يومَي الاثنين، والخميس؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (تُعرَضُ أعمالُ النَّاسِ في كُلِّ جُمُعةٍ مَرَّتينِ: يومَ الاثنينِ، ويومَ الخَميسِ).
- العَرض السنويّ: وفيه تُرفَع أعمال العبد في السنة كلّها مرّة واحدة، ويكون ذلك في شهر شعبان؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (وَهوَ شَهْرٌ تُرفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ، فأحبُّ أن يُرفَعَ عمَلي وأَنا صائمٌ).