الخطاب الشعري عند الشريف الرضي
موضوعات القصيدة عند الشريف الرضي
تناول الشريف الرضى، مختلف موضوعات الشعر في قصائده، أهمها:
المديح
المديح هو إظهار المزايا، والمسائل الكريمة في الطرف الآخر، وتناول الشاعر الشريف الرضي المديح، بخاصة المديح النبوي، ويقول في قصيدة: لأنتم آل خير الناس كلهم:
لأَنتُمُ آلُ خير النَّاسِ كلِّهِمُ
المنهلُ العَذْبُ والمستوردُ الغَدَقُ
وليس للّهِ دينٌ غير حبّكُمُ
ولا إليه سواكمْ وحدَكمْ طُرُقُ
وَإِنْ يَكُن من رسول اللَّه غيركُمُ
سوى الوجود فأنتمْ عنده الحدَقُ
رُزِقتُمُ الشّرفَ الأعلى وقومُكُمُ
فيهمْ غضابٌ عليكمْ كيف ما رُزقوا
وأنتمُ في شديداتِ الورى عُصُرٌ
وفي سواد الدّياجي أنتمُ الفَلَقُ
ما للرّسول سوى أولادكمْ وَلَدٌ
ولا لنَشْرٍ له إلّا بكمْ عَبَقُ
الرثاء
الرثاء شكل من أشكال الحنين ، لوجود شخص متوفى، وتعبير عن الحزن الكبير لفقدانه، ويكون على عدة أشكال، مثل: الندب، والتأبين والعزاء، ومن أهم الأمثلة على شعر الرثاء عند الشريف الرضي قصيدة أأسقى نمير الماء التي يقول فيها:
أأُسقى نميرَ الماءِ ثمَّ يَلذُّ لي
ودورُكُمُ آلَ الرّسولِ خَلاءُ
وَأَنتم كَما شاءَ الشَّتاتُ وَلَستُمُ
كَما شِئْتُمُ في عيشَةٍ وَأَشاءُ
تُذودنّ عَن ماءِ الفُراتِ وكارعٌ
بِهِ إِبلٌ لِلغادرين وشاءُ
تَنَشّر مِنكم في القواءِ معاشرٌ
كَأنّهُمُ لِلمُبصرينَ مُلاءُ
أَلا إِنَّ يَومَ الطفّ أَدمى مَحاجرًا
وأَدوى قُلوباً ما لَهُنَّ دواءُ
وَإِنّ مُصيباتِ الزمانِ كَثيرةٌ
وَرُبّ مُصابٍ لَيسَ فيهِ عَزاءُ
الغزل
الغزل هو فن شعري، يعبر فيه الشاعر عن أحاسيسه، ومشاعره، بصورة صادقة، ويكون هذا الإحساس نابع من تجربة شخصية خالصة، ومن أهم الأمثلة على شعر الغزل عند الشريف الرضي، قصيدة أتنسين يا لمياء، التي يقول في مطلعها:
أَتَنسيْن يا لَمياءُ شملكِ جامعًا
وَإِذْ أَنا في صبغ الدُّجى منك أقربُ
وَقد لفّنا ضيقُ العناقِ وَبيننا
عِتابٌ كعرفِ المسكِ أو هو أطيبُ
وَإِذ علّنِي مِن ريقهِ ثم علّنِي
عَلى ظمأ مُستعذَبُ الرّيق أشنبُ
كَأنّ عليهِ آخرَ اللّيلِ قهوةً
مُعتّقةً نجودُها يَتصوّبُ
أُحبّكِ يا لَمياءُ مِن غَيرِ رِيبةٍ
وَلا خَيرَ فيما جاءَهُ المتريبُ
وَيُطرِبُني إِنْ عنَّ ذكرُك مرّةً
وَلَستُ لِشيءٍ غير ذكراك أطربُ
الفخر
هو تعداد الصفات الحسنة، والشمائل النبيلة، وهو من أهم أغراض الشعر ، وتباهى الشريف الرضي، بنسب آل البيت في قصيدته: أما الطريق من الفخار، وبقول فيها:
أمّا الطّريفُ من الفخار فعندنا
ولنا من المجد التّليد سنامُهُ
ولنا من البيت المحرّم كلّما
طافتْ به في موسم أقدامُهُ
ولنا الحَطِيمُ وزَمْزَمٌ وتراثنا
نِعْمَ التّراثُ عن الخليل مَقامُهُ
ولنا المشاعر والمواقفُ والّذي
تهدي إليه من مِنىً أنعامُهُ
الوصف
اهتم الشريف الرضي بوصف الحياة عامة، وكان ذلك من خلال تأملاته لها، وأسهب في وصف الشباب، والشيب، وبيان البون الشاسع بينهما، ومن أهم أمثلة على وصف حياة الشباب والمشيب، قصيدته فضح الشيب شبابي، التي يقول فيها:
فَضحَ الشّيب شبابي فَاِفتَضَحْ
ونَكا قلبي به ثمّ جَرَحْ
جدَّ لِي من بعد مزحٍ صبغُهُ
ورَكوبُ الجِدِّ من كان مَزَحْ
فَاِشتَفى منِّي عَدوِّي وَاِكتَفى
وَرَأى كلَّ الَّذي كانَ اِقتَرحْ
وَذنوبٌ كُنَّ لِي مغفورةً
عاد فيها كلُّ من كان صَفحْ
كُلّما ناديتُهُ نَحوي مضى
وَإِذا قلتُ دنا مِنِّي اِنتَزحْ
والّذي طيّر عنِّي غُمَيمي
حين وافى حَلَّهُ بعدُ جَلَحْ
فَاِعجَبوا كُلّكُمُ مِنّي إذنْ
أَعشقُ اللّيلَ ولا أهوى الصُّبُحْ
بناء النص الشعري عند الشريف الرضي
اعتمد الشريف الرضي في ديوانه الذي ضم كل قصائده: على ثلاثين قافية متعددة، وهذا يدل على حبه لتجديد في النص الشعري ، واستحداث ما هو جديد، كما اهتم بإبراز الجانب الموسيقى، في مطلع القصيدة، أو مقدمتها، وهذا ما عده النقاد من أكثر ما يميز قصائد الشريف الرضي.
أما في عرض القصيدة، فقد ركز على تهذيبها، وتركيز المعنى، وتكثيفه، وتثقيف القارئ بالموضوعات المختلفة أخيرًا فقد اهتم الشريف الرضي في إنهاء القصيدة بخاتمة، تدل على مدى رصانة لغته، وحسن سبكها، ومن أهم الأمثلة على حرص الشريف الرضى، على حسن سبك قصائده، قصيدة ومستهلات: كصوب الحيا، التي يقول فيها:
وَمُستَهِلّاتٍ كَصَوبِ الحَيا
تَبقى وَأَقوالُ الفَتى تَفنى
مُنتَصِباتٍ كَالقَنا لا نَرى
عَيّاً مِنَ القَولِ وَلا أَفنا
قَد حَرَمَ الناظِرَ مِن حُسنِها
قائِلُها ما رَزَقَ الأُذنا
لا يَفضُلُ المَعنى عَلى لَفظِهِ
شَيئاً وَلا اللَفظُ عَلى المَعنى
الأسلوب واللغة عند الشريف الرضي
استخدم الشريف الرضي العديد من الأساليب، التي كان لها دور كبير، في إثراء القصائد، منها :
الشرط
يظهر أسلوب الشرط، في العديد من أبيات قصائد الشريف الرضي مثل:
إذا لحقت أذني به من لسانه
فليس عليها للمخاض سبيل
أسلوب النداء
يعدّ من أكثر الأساليب، التي استخدمها الشريف الرضي في شعره، ومن أهم الأمثلة عليها، قصيدة فيا صارمًا، يقول فيها:
فيا صارماً أغمدته يدٌ
لنا بعدكَ الصّارم المُنتضى
ويا رُكناً ذَعْذَعتهُ الخطوبُ
لنا بعد فقدكَ ركنٌ ثوى
ويا خالداً في جنانِ النعيمِ
لنا خالدٌ في جنانِ الدُّنا
أسلوب الأمر والنهي
استخدم الشريف الرضي أسلوب الأمر والنهي للتعبير؛ عن حالة وجدانية، وعقلية، ومثال أسلوب الأمر والنهي:
وقُلْ لحسّاد ما خُصصتُ بهِ
ردّوا زمانِي وَاِستَأنفوا حَسَدِي
وَاِبقَ لَنا في ظِلالِ مَملكةٍ
أَعزَّ عزّاً مِن جانبِ الأسدِ
وَليهنِك المِهْرَجانُ متَّئداً
بما ترجّى وغير متّئِدِ
الصورة الشعرية عند الشريف الرضي
أثرى الشريف الرضي قصائده، من خلال العديد من الأساليب، أهمها:
الاستعارة
استخدم الشريف الرضي مختلف أنواع الاستعارة ، أهمها: الاستعارة التصريحية، وهي شكل من أشكال الاستعارة، تتسم بالتجريد، والغموض إلى حد ما، ومن أهم الأمثلة على الاستعارة التصريحية في شعر الشريف الرضي، قوله:
شَيمي لَحاظَكِ عَنّا ظَبيَةَ الخَمَرِ
لَيسَ الصِبا اليَومَ مِن شَأني وَلا وَطَري
واستخدم الشريف الرضي الاستعارة المكنية في قوله:
عَضَّت بِبازِلِها المَنونُ وَلَم تَزَل
تَقرو طَريقَ النابِ بِالأَظفارِ
التشخيص
هوأحد الأساليب، التي يستخدمها الشعراء في قصائدهم؛ لإضفاء صفة بشرية على جماد، ومن أهم الأمثلة على التشخيص، في شعر الشريف الرضي، قوله:
سَأَبذُلُ دونَ العِزِّ أَكرَمَ مُهجَةٍ
إِذا قامَتِ الحَربُ العَوانُ عَلى رِجلِ
وهنا يضفي صفة الوقوف، كالإنسان المنتصب القامة، على الحرب، وهو تشخيص للحرب.
الموسيقى الشعرية عند الشريف الرضي
تعد الموسيقى الشعرية، من أهم العناصر التي يتشكل منها البيت الشعري، وأكثرها تأثيرًا على المستمع، ومن المعروف أن الشعر: هو قول موزون، ومقفى، يدل على معنى، فالوزن من أهم عناصر الموسيقى الخارجية، ومن خلالها، يتم ترابط الكلمات.
إضافة إلى القوافي، التي تميز الشعر العربي المنتظم، أما الموسيقى الخارجية، فيكون في التصريع الذي يعرف أن يكون مصراع الشطر الأول، مثل آخر بيت في الروي، وكل هذه العناصر، اجتمعت في قصائد الشريف الرضي.
ومن أهم الأمثلة عليها، قصيدة، وقد علموا، التي يقول فيها:
وَقَد عَلِموا أنّي عَلى غيرِ ريبةٍ
تُلَطُّ سُجوفي ثمّ يُغلَق بابي
وإنّي وأَدناسُ الزّمان كَثيرةٌ
مَررتُ فَلم تَعلقْ بهنّ ثِيابي
وَما كانَ جاري وَالقِرى يستفزّه
مَروعاً وقد وافى بِنَبحِ كلابي
وَلا طارِقِي يرجو ثوابِيَ عائداً
بعسرٍ ولا يُسرٍ بغير ثوابِ
فَقلْ للعدى كونوا جميعاً بنجوَةٍ
إذا ماج تيّاري وجُنّ عُبابي
وقصيدة، ألا بكها أم الأسى، ويقول فيها:
أَلا بَكِّها أُمَّ الأسى والمَصائبِ
بِدَمعك سَحّاً بينَ سارٍ وساربِ
وَعاصِ الّذي لم يُهمِ ماءَ جفونِهِ
على فقدِ ماضٍ أو على إِثْر ذاهبِ
ولا تُغرِني بالصَّبْرِ وَالصَبرُ ما لَه
طَريقٌ إِلى ما في الحَشا والتّرائبِ
تَلومُ عَلى ما بي وأنتَ مُسَلَّمٌ
وَقد جبَّ هَذا الرُّزءُ دونَك غاربي
الفكر السياسي في الخطاب الشعري عند الرضي
ظهر الجانب السياسي، في شعر الشريف الرضي في عدة قصائد، ناقش من خلالها العديد من القضايا السياسية، التي كانت تتعلق بحكم الدولة العباسية، فبعد أن استشرى الفساد فيها، دعا إلى ثورة اجتماعية سياسية، وصرح في إحدى قصائده، على ضرورة الإصلاح السياسي، ومن أهم القصائد التي دعا الشريف الرضي من خلالها إلى الإصلاح، قصيدة، أخط بأطراف القنا، ويقول فيها:
أَخُطُّ بِأَطرافِ القَنا كُلَّ بَلدَةٍ
وَأُملي جَلابيبَ المَلا مِن نُدوبِهِ
وَكُنتُ إِذا خَوّى نَجيبٌ تَرَكتُهُ
أَسيرَ عِقالٍ مُؤلِمٍ مِن لُغوبِهِ
رَجاءً لِعِزٍّ أَقتَنيهِ وَحالَةٍ
تَزيدُ عَدوّي مِن غَواشي كُروبِهِ
وَبَزلاءَ مِن جُندِ اللَيالي لَقيتُها
بِقَلبٍ بَعيدِ العَزمِ فيها قَريبِهِ
نَصَبتُ لَها وَجهي وَلَيسَ كَعاجِزٍ
يُوَقّيهِ حَرَّ الطَعنِ مَن يَتَّقي بِهِ
وَخَيلٍ كَأَمثالِ القَنا تَحمِلُ القَنا
عَلى كُلِّ عُنقٍ عاقِدٍ مِن سَبيبِهِ
حَمَلتُ عَلَيها كُلَّ طَعّانِ سُربَةٍ
كَما نَهَزَ الساقي بِجَنبَي قَليبِهِ