التهاب البنكرياس
التهاب البنكرياس
يتطوّر التهاب البنكرياس (بالإنجليزية: Pancreatitis) نتيجة تراكم إفرازات إنزيمات البنكرياس بحيث يترتب على ذلك بدء العضو بهضم ذاته، ويُشار إلى أنّ البنكرياس عضو إسفنجيّ البُنية يتراوح طوله بين 15-24 سنتيمتر تقريبًا، ويُشبه فاكهة الكمثرى المسطّحة أو كشكل سمكة تمتد أُفقيًا عبر البطن أو خلال البطن، وحول موضِع البنكرياس فهو يقع خلف المعدة تحديدًا في الجزء العلويّ الأيسر من البطن.
وفي الحقيقة، يُشكل البنكرياس عضوًا واحدًا ناتج عن اجتماع نوعين من الغدد معًا؛ هما الغدد خارجية الإفرازية والغدة الصّماء، ويُشار إلى أنّ الجزء الأكبر من البنكرياس يتكوّن من الخلايا خارجية الإفرازيّة التي تُنتج بدورها الإنزيمات التي تساعد على هضم الطعام، إذ يتمّ إفراز هذه الإنزيمات في قنواتٍ تُمثل سلسلة من الأنابيب التي يزداد حجمها بشكلٍ تدريجي وتتجمّع في نهاية الأمر لتُشكّل قناة البنكرياس الرئيسية (بالإنجليزية: Main Pancreatic Duct)، إذ تُصرّف هذه القناة السّائل الذي تُنتجه الخلايا خارجية الإفرازيّة في الجزء الأوّل من الأمعاء الدقيقة المعروف بالاثني عشر (بالإنجليزية: Duodenum)، أمّا المكوّن الوظيفي الثاني للبنكرياس فهو الغدد الصمّاء، ويتمثل دورها بإنتاج هرمونات عدّة، وفي هذا السّياق يُشار إلى أنّ وجود أربع أنواع من خلايا جزر البنكرياس؛ خلايا ألفا (بالإنجليزية: Alpha cells) التي تُنتج الجلوكاجون (بالإنجليزية: Glucagon)، وخلايا بيتا (بالإنجليزية: Beta cells) التي تُفرز الإنسولين (بالإنجليزية: Insulin)، وخلايا دلتا (بالإنجليزية: Delta cells) التي تُفرز السوماتوستاتين (بالإنجليزية: Somatostatin)، وخلايا متعدد الببتيد في البنكرياس (بالإنجليزية: Pancreatic polypeptide cells) التي تُنتج ببتيدات البنكرياس.
أنواع التهاب البنكرياس
يُوجد نوعان من التهاب البنكرياس؛ ألا وهما التهاب البنكرياس الحاد (بالإنجليزية: Acute) والمزمن (بالإنجليزية: Chronic)، وفيما يلي بيان لكلّ نوعٍ منهما:
- التهاب البنكرياس الحاد: تتمثل هذه الحالة بتطوّر التهاب البنكرياس خلال فترةٍ زمنيةٍ قصيرة، وعادةً ما يبدأ المُصابون بهذا النّوع من الالتهاب بالتّعافي أو التحسّن خلال أسبوع تقريبًا من الإصابة به دون أن يترتب على ذلك تطوّر مشاكل صحيّة أخرى.
- التهاب البنكرياس المزمن: يتطور التهاب البنكرياس في هذه الحالة على مدى فترةٍ زمنيةٍ طويلة، ويُمكن أن يؤدّي إلى حدوث انهيار دائم في بُنية العضو ووظيفته، ويُعزى التهاب البنكرياس المُزمن إلى تطوّر تندّب مُزمن في البنكرياس ناتج عن حدوث الالتهاب على مدار عدّة سنوات، ويتضمّن التهاب البنكرياس المُزمن أشكال عدّة؛ منها التهاب البنكرياس المناعي الذاتي (بالإنجليزية: Autoimmune pancreatitis) والتهاب البنكرياس الوراثي (بالإنجليزية: Hereditary pancreatitis).
أسباب التهاب البنكرياس
قد لا يتمّ العثور على سبب دقيق ومُحدد وراء الإصابة بالتهاب البنكرياس في بعض الأحيان، في حين تكون الأسباب واضحة في حالاتٍ أخرى، وبشكلٍ عامّ ينتج التهاب البنكرياس عند تنشيط الإنزيمات الهضميّة خلال فترة وجودها في البنكرياس، الأمر الذي قد يؤدي إلى تهيّج خلايا البنكرياس وحدوث الالتهاب، ومن الجدير ذكره أنّ تكرار حدوث التهاب البنكرياس الحادّ قد يترتب عليه إلحاق الضرر بهذا العضو، بما في ذلك تطوّر الإصابة بالتهاب البنكرياس المُزمن، أو تشكّل أنسجة ندبيّة (بالإنجليزية: Scar tissue) في البنكرياس، وقد يؤدي ذلك إلى فقدان العضو وظيفته، أو تدني قدرته على أداء وظائفه بما قد يتسبّب بحدوث مضاعفاتٍ عدّة؛ منها اضطراب عملية الهضم أو تطوّر مرض السكريّ (بالإنجليزية: Diabetes)، وفي هذا السّياق يُشار إلى احتمالية تطوّر التهاب البنكرياس نتيجة عوامل عدّة، وفيما يلي ذكر لبعض منها:
- الإصابة بأنواع مُعينة من الأمراض أو الاضطرابات، ومنها ما يلي:
- العدوى.
- سرطان البنكرياس.
- حصى المرارة (بالإنجليزية: Gallstones) (*).
- التليّف الكيسي (بالإنجليزية: Cystic fibrosis) (*).
- ارتفاع مستويات الدّهون الثلاثيّة في الدّم.
- ارتفاع مستويات الكالسيوم في الدّم؛ الأمر الذي قد يحدث بسبب فرط نشاط الغدة الجار درقية (بالإنجليزية: Hyperparathyroidism).
- استخدام أنواع معيّنة من الأدوية.
- الخضوع لجراحةٍ في البطن، أو التعرّض لإصابة في البطن.
- إدمان الكحول.
- السّمنة.
ولمعرفة المزيد عن أسباب التهاب البنكرياس يمكن قراءة المقال الآتي: ( أسباب التهاب البنكرياس ).
أعراض التهاب البنكرياس
قد تختلف الأعراض والعلامات المُرافقة للإصابة بالتهاب البنكرياس اعتماداً على النّوع الذي يُعاني منه المريض؛ حاد أم مُزمن، وفيما يلي بيان للأعراض المُصاحبة لكلّ نوعٍ منها.
التهاب البنكرياس الحاد
يترتب على الإصابة بالتهاب البنكرياس الحادّ ضرورة الخضوع للعلاج الطارئ في المستشفى، ويُشار إلى احتمالية تشابه الأعراض المُصاحبة لالتهاب البنكرياس الحادّ مع تلك التي تتطوّر مع الإصابة بحالاتٍ صحيّة أخرى؛ كحالات المغص المراري، أو حصى المرارة ، أو ثقب المعدة، أو قرحة الاثني عشر ، أو السّكتة القلبيّة، وفيما يأتي ذكر للأعراض الشائعة للإصابة بالتهاب البنكرياس الحاد:
- ألم شديد في البطن، والذي قد ينتشر ليؤثر في الظهر.
- الانتفاخ.
- الحمّى.
- زيادة التعرّق.
- الغثيان.
- تدهور الصّحة العامّة.
التهاب البنكرياس المزمن
فيما يأتي ذكر للأعراض المُرافقة لحالة التهاب البنكرياس المزمن:
- الشعور بالألم، وعادةً ما يكون الألم مستمر في طبيعته، وينتشر ليؤثر في الظهر، وقد يحول الشعور بهذا الألم دون قدرة المُصاب على ممارسة حياته الطبيعية.
- خسارة الوزن أو الإسهال المُرتبطين بسوء امتصاص الطعام، ويُعزى سوء الامتصاص في هذه الحالة إلى عدم قدرة البنكرياس على إفراز الإنزيمات التي من شأنها تحطيم جزيئات الطعام لتسهيل امتصاصها.
- تطوّر مرض السّكري، ويُعزى ذلك إلى تلف خلايا البنكرياس المُنتجة لهرمون الإنسولين .
- أعراض أخرى؛ مثل الغثيان ، أو التقيؤ، أو الحمّى ، أو تسارع ضربات القلب .
ولمعرفة المزيد عن أعراض التهاب البنكرياس يمكن قراءة المقال الآتي: ( أعراض التهاب البنكرياس ).
تشخيص التهاب البنكرياس
عند تشخيص التهاب البنكرياس يبدأ الطبيب بإجراء فحصٍ شامل وجمع المعلومات المُتعلقة بالتاريخ الطّبي، ويتضمّن التشخيص أيضًا إجراء بعض الفحوصات؛ مثل المخبرية وفحوصات التصوير، وذلك تبعًا للحالة، وفيما يأتي ذكر لأنواع الفحوصات التي تُستخدم في سبيل تشخيص الإصابة بالتهاب البنكرياس:
- فحص الدّم: يُساهم في الكشف عن عدّة عوامل، بما في ذلك ارتفاع مستويات إنزيمات البنكرياس.
- فحص البراز: يُساهم في الكشف عن مستويات الدّهون التي قد يُستدل من خلالها على مدى كفاءة الجهاز الهضميّ في امتصاص العناصر الغذائيّة .
- الفحوصات التصويرية: وتتضمّن ما يلي:
- التصوير المقطعي المحوسب (بالإنجليزية: Computerized Tomography Scan) أو تصوير البطن بالموجات فوق الصوتيّة (بالإنجليزية: Abdominal Ultrasound)، اللذان يُمكّنان من الكشف عن وجود حصى المرارة وتقييم شدّة التهاب البنكرياس.
- التصوير التنظيري بالموجات فوق الصوتية (بالإنجليزية: Endoscopic ultrasound)، إذ يُساهم في الكشف عن مدى وجود التهاب أو انسدادات في قناة البنكرياس أو القناة الصفراويّة.
- التصوير بالرنين المغناطيسي، يُمكّن هذا النّوع من التصوير من الكشف عن وجود أيّ اضطرابات في المرارة، أو البنكرياس، أو القنوات.
- تصوير البطن بالأشعة السينيّة، إذ تُتيح الأشعة السينيّة للطبيب فحص الأنسجة الدّاخلية، والعظام، والأعضاء عن قُرب.
علاج التهاب البنكرياس
يُمكن بيان الخطّة العلاجية المُتبعة في حالات الإصابة بالتهاب البنكرياس تبعًا للنوع فيما يأتي:
التهاب البنكرياس الحاد
تتطلّب الإصابة بالتهاب البنكرياس الحاد إدخال المريض إلى المستشفى لتلقي العلاج اللازم، وكما تمّت الإشارة سابقًا فإنّ معظم المصابين بالتهاب البنكرياس الحادّ يتحسّنون في غضون أسبوع من إصابتهم بالحالة، ويُمكنهم مغادرة المستشفى بعد عدّة أيام، ولكن قد يتطلّب العلاج وقتاً أطول في الحالات الشديدة وفي حال تطوّر بعض المضاعفات، وبشكلٍ عامّ يهدف علاج التهاب البنكرياس الحاد إلى السّيطرة على الحالة والتحكّم بالأعراض المُرافقة لها، وفيما يأتي ذكر لطبيعة العلاجات التي قد يُلجأ إليها في هذه الحالة:
- وصف مسكّنات الألم.
- وصف المضادّات الحيويّة في حال تعرّض البنكرياس للعدوى.
- إعطاء السوائل الوريديّة.
- إعطاء الأكسجين عبر أنبوب يتمّ إدخاله في الأنف.
- إلزام المريض بنظام غذائيّ منخفض الدّهون، أو الصيام؛ وقد يتطلّب الأمر في بعض الحالات إيقاف المريض عن تناول الأطعمة للسّيطرة على التهاب البنكرياس، وفي هذه الحالة يُعطى المريض العناصر الغذائيّة التي يحتاجها جسده عن طريق أنبوب التغذية.
- إخضاع المريض لإجراءاتٍ أخرى في الحالات الشديدة من التهاب البنكرياس الحاد، وفيما يلي بيان لأبرزها:
- إجراء تصوير البنكرياس والأقنية الصفراوية بالتنظير الباطني بالطريق الراجع (بالإنجليزية: Endoscopic retrograde cholangiopancreatography) بهدف التخلّص من حصى المرارة في حال تسبّبت هذه الحصى بانسداد في القناة الصفراويّة أو قناة البنكرياس.
- إجراء جراحة للمرارة في حالة كانت الحصوات هي المُسبّب بحدوث التهاب البنكرياس.
- إجراء جراحة للبنكرياس للتمكّن من تنظيف السوائل، أو الأنسجة الميّتة والمُمرضة.
التهاب البنكرياس المزمن
يتضمّن علاج التهاب البنكرياس المزمن اتباع عدّة إرشادات، واستخدام أنواع مُعينة من الأدوية والعلاجات تبعًا لحالة الشخص، وفيما يلي بيان لأبرز العلاجات والإرشادات التي يتمّ اتباعها في حالات التهاب البنكرياس المُزمن:
- استخدام مُسكّنات الألم.
- التقليل من كمية الدّهون التي يتمّ تناولها والامتناع عن شرب الكحول.
- تناول مكمّلات إنزيمات البنكرياس المتوافرة على هيئة حبوب فموية، ويُنصح بتناولها مع الطعام لتعزيز عمليّة الهضم.
- وصف حقن الإنسولين في حالات السكري التي تستلزم ذلك.
- اتباع الإجراءات أو الجراحات التي تُمكن من تخفيف الألم، أو المُساعدة على التصريف، أو علاج الانسداد.
الوقاية من التهاب البنكرياس
قد تتطوّر العديد من المُضاعفات والأضرار في حال إبقاء الإصابة بالتهاب البنكرياس دون علاج، وعليه يجدُر اتخاذ التدابير التي تُمكّن من الوقاية من الإصابة بالتهاب البنكرياس، خاصّة في حال وجود عوامل خطر للإصابة بهذه الحالة، أو في حال المُعاناة من أعراضه مُسبقًا، وهُناك العديد من الطرق التي تساهم في حماية البنكرياس، وتقليل خطر تطوّر الالتهاب وما يترتب عليه من مضاعفات، وفيما يأتي ذكر لهذه الطرق:
- اتباع نظام غذائي مُعين: يجب اتباع نظام غذائيّ قليل الدّهون، إذ إنّ حصى المرارة التي تُمثل سببًا رئيسيًّا لالتهاب البنكرياس الحاد يُمكن أن تتطوّر نتيجة تراكم كمية كبيرة من الكوليسترول في العصارة الصفراوية (بالإنجليزية: Bile) (*)، ويتضمّن النّظام الغذائي قليل الدّهون تناول الحبوب الكاملة، والخضروات والفواكه الطّازجة، وتجنّب الأطعمة المقلية ومنتجات الألبان كاملة الدّسم، كما يجب الحدّ من الأطعمة الغنيّة بالسكريّات البسيطة؛ كالحلويات والمشروبات مرتفعة السعرات الحراريّة؛ خاصّة في حال إصابة الشخص بارتفاع مستويات الدّهون الثلاثيّة.
- تجنّب المشروبات الكحوليّة: إذ يلعب ذلك دورًا في حماية البنكرياس من آثاره الضارة وتقليل خطر الإصابة بالتهاب البنكرياس.
- تجنّب التدخين: يُعدّ التدخين من عوامل خطر الإصابة بالتهاب البنكرياس، وبالتالي يجدُر تجنّبه، ويُمكن اتباع الوسائل والاستراتيجيّات التي تُساعد على الإقلاع عن التدخين.
- ممارسة التمارين الرياضية بانتظام وتقليل الوزن الزائد: من المُحتمل إصابة الأشخاص البُدناء بحصى المرارة بشكلٍ أكبرٍ مُقارنةً بغيرهم من ذوي الوزن الصّحي، وهذا بحدّ ذاته يزيد من خطر الإصابة بالتهاب البنكرياس الحاد، ويُساهم التقليل من الوزن بشكلٍ تدريجيّ والحفاظ على الوزن الصحيّ عن طريق تناول الغذاء المتوازن والانتظام بممارسة التمارين الرياضيّة في الوقاية من الإصابة بحصى المرارة.
- تجنّب الحميات الصارمة: يجدُر الحرص على خسارة الوزن بشكلٍ تدريجيّ إذا ما استلزمت الحاجة لذلك، إذ إنّ اتّباع الحميات الصارمة من شأنه التسبّب بخسارة الوزن بصورةٍ سريعة، وقد يترتب على ذلك تحفيز الكبد لزيادة إنتاج الكوليسترول، وبالتّالي زيادة احتماليّة الإصابة بحصى المرارة.
الهوامش:
(*) حصى المرارة: حالة صحيّة تتمثل بتشكّل جزيئات صلبة من الكوليسترول والبيليروبين في المرارة.
(*) التليّف الكيسي: اضطراب وراثي يؤثر بصورةٍ رئيسيّة في الرئتين والجهاز الهضمي، إذ يتضمّن ذلك إنتاج الجسم لمُخاط سميك ولزج من شأنه التسبّب بحدوث انسدادات أو عرقلة في الرئتين والبنكرياس.
(*) العُصارة الصفراوية: إفرازات ذات لون أخضر تلعب دورًا في المساعدة على هضم الدهون في الجهاز الهضمي، ويُشار إلى أنّ إنتاج العصارة الصفراوية يتمّ في الكبد يلي ذلك مرورها إلى المرارة ليتمّ زيادة تركيزها وتخزينها ومن ثمّ نقلها إلى الاثني عشر الذي يُمثل الجزء الأول من الأمعاء الدقيقة.