التعريف بفن الخطابة
الخطابة
تعريف الخطابة لغةً: الخطابة لغةً هي علم البلاغة والبيان، وفنّ الخطابة هو فنٌّ يُعنى بإقناع الناس وإدهاشهم إما بالكلام وإما بالكتابة، ويمكن تعريف الخطابة أيضاً بأنها كلّ ما يشتمل على كلام أو كتابة يتمّ التفنّن بها لتغمر وجدان السامع، وعندما يُقال خَطَبَ الناس وفيهم وعليهم، أي ألقى عليهم خُطْبة، وخَطب خَطابة، أي أنّه صار خطيباً، أما الخَطَّاب فهي صيغة مبالغة وتدلّ على الشخص كثير الخُطبة ، والخطيب هو حسن الخُطبة، أو هو من يخطب في المسجد أو يتحدث عن قومه، والخَطْب والمخاطبة والتخاطب جميعها تعني المراجعة في الكلام، والخَطْب أيضاً هو ما يعني العظيم من الأمور والذي يكثر فيه التخاطب.
تعريف الخطابة اصطلاحاً: ورد في الخَطابة العديد من التعريفات، ومن أقدمها تعريف أرسطو، الذي يعرّفها بأنّها قوة تنطوي على إقناع الناس ما أمكن في كلّ أنواع الأمور. والخطابة هي نوعٌ من أنواع المحادثات التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالجمهور الذي يسمعها، والذي يتأثر بها، لذلك كان من أكمل التعريفات وأشملها للخطابة هو أنها: (فنّ مخاطبة الجماهير للتأثير عليهم واستمالتهم)، فالخطابة هي فنّ يقوم بشكل أساسيّ على التحدّث بشكل شفهيّ مع المستمعين لإقناعهم واستمالتهم لما يُقال.
وبذلك يمكن القول إنّ من أساسيات الخطابة المشافهة، ووجود جمهور مستمع، ولا بد من توفّر عنصري الإقناع واستمالة الجمهور؛ فلا بدّ للخطيب من أن يوضّح رأيه للجمهور ويقنعهم به، كما أنّ عليه أن يقدّم الأدلّة والبراهين التي تثبت ما يقوله، أما الاستمالة فيُقصد بها إمّا تهدئة نفوس السامعين وإمّا تهييجهم اتجاه ما يُقال، كما يجب على الخطيب أن يمسك بزمام الأمور ويكون قادراً على التصرف بعواطف المستمعين كيف يشاء، وفنّ الخطابة هو الفعل الذي ينطوي على ممارسة الخطابة بذاتها.
تاريخ الخطابة
تعدّ الخطابة من وسائل التعبير التي استعملها الإنسان في حياته منذ القدم، فقد خُلق الإنسان باستعداد فطريّ للتعبير عن رأيه وإقناع غيره به، وقد كان الأنبياء والرسل أكثر من اعتمد أسلوب الخطابة في دعوتهم إلى طاعة الله عز وجل، وقد بقي من خطب الأنبياء والرسل خطب التوراة، كما عُثر على العديد من الخطب في كتابات الأشوريين، وآثار المصريين الهيروغليفية، ويمكن إجمال تاريخ الخطابة بما يأتي:
الخطابة في العهد اليوناني والروماني
اهتم اليونانيون بالخطابة ، وكان أهم من درسها هو أرسطو زعيم الفلاسفة اليونان، وقد قسم اليونانيون الخطابة إلى ثلاثة أقسام هي القضائية، والاستشارية والاستدلالية، ويمكن القول إن الخطابة في عهد الرومان واليونان قد تحسنت كثيراً، حيث ظهرت عند اليونانيين في حروبهم ونقاشاتهم السياسية، ففي القرن العاشر قبل الميلاد وردت الخطابة في إلياذة هوميروس وعلى ألسنة الآلهة والأبطال، وتطورت بشكلٍ أكبر في أواخر القرن الخامس قبل الميلاد في عهد برقليس زعيم أثينا، ثم ظهر خطباء عدة منهم إيسوقراطيس، وديمستينيس والذي كان في أثينا رجلاً ضعيفاً وخافت الصوت، إلّا أنه عندما قرر أن يصبح خطيباً بدأ بتحسين صوته وتقوية حنجرته من خلال صراخه من على قمة الجبال، ومن الجدير بالذكر أنّه أصبح من أهمّ الخطباء في عصره.
وقد تم تدوين الخطابة في اليونان في أواخر القرن الخامس وبداية القرن الرابع قبل الميلاد، وكان ممن دوّنها بروديكوس، وبرتاغوراس وغروجياس، أما أرسطو فقد اهتم اهتماماً شديداً بهذا العلم، ولم يترك أمراً متعلقاً به إلّا وقد درسه ودوّنه، وقد ظهرت الخطابة عند الرومان بعد فترة من ظهورها عند اليونان، وذلك بسبب انشغالهم بالحروب، وكان الخطيب كاتون من الخطباء المشهورين عند الرومان، والذي كان يعرف بالنقاد، وكان يوليوس قيصر قائد الرومان خطيباً مشهوراً أيضاً، واشتهر من بعده شيشرون إمام الخطابة اللاتينية، كما ظهر العديد من الخطباء الرومان من الأساقفة والقسيسين وخاصة بعد ظهور المسيح عليه السلام.
الخطابة في العصر الجاهلي
اهتم العرب في العصر الجاهلي بالخطابة أيضاً، وقد تجلى اهتمامهم فيها باستخدام السجع، وقد اشتهر العرب في الجاهلية بدفاعهم عن أنفسهم من خلال المفاخرة والاستعراض بما كانوا يشتهرون به، وهو الفصاحة والبيان، فقد كانت الخطابة عندهم صفةً فطريةً في طبيعتهم، وكانوا يستخدمون الخطابة في مجادلاتهم وحواراتهم الشديدة حتى في حروبهم، وكانت الخطابة أسلوبهم الذي يستخدمونه للدفاع عن كرامتهم وأعراضهم بل وعن أموالهم أيضاً.
وبالرغم من أنّ العرب الجاهليين قد اعتنوا بالخطابة بشكل كبير، إلّا أنّ اهتمامهم بالشعر كان أكبر، ولعلّ هذا هو أحد هذه الأسباب المعنيّة بعدم وصول أخبار خطبائهم وخطبهم، فقد بدأت أخبار الخطابة في العصر الجاهلي تنتقل وتشتهر عندما ارتفعت منزلتها إلى مكانة أعلى من مكانة الشعر عندهم، وذلك لأنّ الشعر أصبح وسيلة يتعاطاها العامّة والسفهاء من القوم، بالإضافة إلى استخدامه في الطعن والخوض في الأعراض، الأمر الذي أدى إلى علوّ منزلة الخطابة بالنسبة للشعر، وأصبح لكلّ قبيلةٍ خطيب، وقد اشتهر أشراف القبائل بالخطابة، وكثر استخدامها في الحثّ على القتال، والإصلاح، وفي الوفادة على الأمراء والملوك بقصد الاستمالة والتأثير في النفوس.
الخطابة في الإسلام
أولى الإسلام الخطابة أهمية كبيرة، حيث استخدمها الرسول عليه الصلاة والسلام في دعوته إلى الإسلام وفي مختلف المناسبات الدينية، وقد جاء الإسلام ليهذب مبدأ الخطابة عما كانت عليه في الجاهلية من أسلوب يتباهون من خلاله بأنسابهم إلى التباهي باتباع الدين الإسلامي الحنيف، وأصبحت الخطبة جزءاً من العبادة، فهناك خطبة الجمعة ، وهناك الخطبة في العيدين الفطر والأضحى، كما أصبحت لها أهمية أكبر من الشعر.
ويعود الفضل في علوّ قيمة الخطابة في الإسلام إلى القرآن الكريم، والحديث النبويّ الشريف، فأصبحت الخطب في ظلّ الإسلام تدعو إلى اتباع الدين والتمسّك به، وتدعو إلى العمل للآخرة، وتهدف إلى إعلاء كلمة الحق، كما أنها أصبحت تحذر المسلمين من الانحدار والانزلاق في طرق الشهوات والزلات، وقد وصلت الخطابة في ظل الإسلام إلى أسمى مكانة، وأعلى طبقات البلاغة، وكانت أسلوباً مؤثراً ومتيناً ومقنعاً، وخاصة خطب الصحابة والخلفاء الراشدين والتابعين، مثل زياد بن أبيه، والحجاج بن يوسف، وأبي حمزة الشاري.
أنواع الخطابة
تتعدد أنواع الخطابة، ومنها:
- الخطبة الدينية: هي الخطب التي تخص رجال الدين، ومن الأمثلة عليها خطب الأعياد.
- الخطب القضائية: وتشتمل على المرافعات، والاتهامات والادعاءات، وغالباً ما يكون مصدرها المحامين.
- الخطب العسكرية: وغالباً ما يلقيها رؤساء الأنظمة العسكرية وقادة الجيوش.
- الخطب الجدلية: وهي ما تشتمل على التفاخر والتنافر.
- الخطب السياسية: وهي الخطب التي يلقيها القادة ورجال السياسة.
- الخطب العلمية: وهي ما تشتمل على الأمور العلمية والمناظرات.
آداب الخطيب وصفاته
لا بد للخطيب من أن يتحلى بالعديد من الآداب والصفات التي يجب أن يوظفها في خطبته لكي يستميل نفوس السامعين ويقنعهم بسداد رأيه، ومن هذه الصفات والآداب:
- القدرة على التودد للناس لاستمالتهم وإقناعهم، والتحلي بصفة الوقار، والأمانة، والصدق، والهمة العالية والوفاء، وذلك ليُقبل الناس على سماع الخطيب والاقتناع بكلامه.
- طلاقة اللسان وامتلاك موهبة التحدث بلباقة ودون التمتمة والفأفأة، والبعد عن الثرثرة والكلام الذي لا داعي له.
- الرأي السليم والقدرة على تمييز الأمور وحل المشكلات.
- السيرة الحسنة، واللهجة الصادقة في الحديث، بالإضافة إلى الاستقامة والإخلاص في الأعمال.
- سرعة البديهة والقدرة على المجاراة في الحديث واستدراك الأمور.
- الاطلاع على مختلف الأمور المرتبطة بالدين والدنيا، وسعة المعرفة وتشعبها والإلمام بالعلوم.
- الهيئة الحسنة وارتداء الملابس المناسبة والعناية بالمظهر.
- القدرة على إثارة مشاعر وعواطف الآخرين، واستمالة قلوبهم لما يقول ويخطب به.
- المعرفة بالقرآن الكريم وأحكامه وبالحديث النبوي الشريف والسنة.
- الصوت الحسن والمريح والمقبول بالنسبة للسامعين.
- الجرأة في الكلام وعدم الخجل أو ضعف القلب.
- الذكاء والفطنة والعقل السليم.
أركان الخطابة
تشتمل الخطابة على أركان ثلاثة وهي:
- الخطيب: وهو الذي يتحدث إلى الناس ويحاول إقناعهم برأيه بشتى الوسائل.
- الخِطاب: وهو ما يلقيه الخطيب على الجمهور، وعادةً ما يكون قد أعدّه وجهزه من قبل.
- المخاطب: ويأتي المخاطب على ثلاثة أجزاء وهي:
- المخاطب: وهو الشخص أو الأشخاص الذين يتمّ توجيه الخطاب إليهم، ويكون إمّا جمهوراً مستمعاً، أو خصماً.
- الحاكم: وهو الذي يحكم على أهليّة الخطيب في امتهان الخطابة وممارستها.
- النظارة: وهم الأشخاص الذين يستمعون للخطيب ويقومون على تشجيعه بالهتافات وغيرها من الأساليب.