الاحترام بين الزوجين في الإسلام
الاحترام بين الزوجين في الإسلام
قال تعالى : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ، حثّ الإسلام كِلا الزوجين على مراعاة كل منهما الآخر، بإظهار مشاعر الحب والاحترام أمام الجميع، وأن يجعل كل منهما الآخر في المقدمة من حيث الاهتمام -بعد الوالدين- وأن يكون أهم شخصية في الحاضرين.
وإظهار هذا الاحترام أمام الآخرين يديم الحياة الهانئة السعيدة بين الزوجين، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن خديجة رضي الله عنها: (إنِّي قدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا)، وعندما سُئل: (أيُّ النَّاسِ أحَبُّ إلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ).
وإن من آكد الحقوق بين الزوجين حق الاحترام والمعاشرة بالمعروف، فمن مظاهر احترام المرأة لزوجها طاعتها له، وتزينها له وتبسمها في وجهه وحفظها له، أما عن مظاهر احترام الزوج لزوجته فتتجلى في إحسانه إليها، وتجاوزه عن هفواتها.
والاحترام بين الزوجين من أصل الدين، ويعتبر من القربات التي يتقرب بها الزوجين إلى الله عز وجل، حيث يساهم في حسن سَير الحياة الزوجية المستقرة للأسرة المسلمة، فالزواج مؤسسة اجتماعية بالغة الأهمية في حياة كل رجل وامرأة.
أهمية الاحترام والمودة والرحمة بين الزوجين
إن المفتاح الأساسي للسعادة الزوجية هو الاحترام المتبادل بين الزوجين، والزوجان أقرب الناس لبعضهما، ولا تستمر الحياة الهانئة إلا بحسن المعاشرة، فالعلاقة الزوجية هي أكثر العلاقات تشابكاً وتعقيداً، والزواج لا يعني رجل وامرأة وأبناء فقط، بل إن أسرتا الزوج والزوجة ستتداخلان في الأحوال الطبيعية كتداخل الأصابع عند تشابكها.
ولننظر في هذه الآية التي عادة ما تتلى في خطبة النكاح، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، وهذه الآية هي البداية التي تبنى عليها الأسرة المسلمة التي هي نواة المجتمع الإسلامي، فالزواج آية من آيات الله تعالى، خلق لنا من أنفسنا أزواجا؛ تجمع بيننا علاقة لا تشبهها علاقة وهي تشاركية يكلّلها الحب والاحترام.
ثم قال تعالى "لتسكنوا إليها"؛ حيث يسكن الزوج وزوجته في سكن واحد تظلله السكينة، وجعل الله بين الزوجين مودة ورحمة لا تكون إلا بهذه العلاقة الطاهرة البعيدة عما لا يرضي الله، وبما أن هذه الأسرة هي نواة المجتمع الإسلامي، فقد كان لها نصيب كبير من الاهتمام في الشريعة الإسلامية، سواء في القرآن الكريم، أو السنة النبوية الشريفة.
أهمية حفظ غيبة الزوج والزوجة
يجب على كل من الزوجين حفظ أحوال الآخر حاضراً كان أم غائبا، والغَيبة في هذا المقام أولى لأن المسلم مطلوب منه أن يذب عن عرض أخيه فكيف إن كان هذا العرض عرضه.
وينتج من هذا التصرف الاستقرار النفسي الذي يطمئن به كل واحد من الزوجين أنه مصون حتى وإن كان غائبا، وهذا هو الاحترام في أرقى درجاته في كل الأوقات وكل الظروف، فليس من المنطق أن يهين أحد الزوجين شريكه بأي صورة حتى لا تنهار الحياة الأسرية لأتفه الأسباب.
مظاهر الاحترام المتبادل بين الزوجين
هناك كثير من مظاهر الاحترام المتبادل بين الزوجين وأهمها:
- ما يكون داخل البيت: ومنه الأدب المتبادل في النقاش، وحل ما يستجد على الزوجين من مشاكل الحياة اليومية، إضافة إلى إظهار الحب والمشاعر الحميمة التي لا تظهر إلا داخل البيت، وإبراز كافة مظاهر الاحترام -وما يتناسب من المشاعر- أمام الأبناء، فتنمو عندهم المشاعر الأصيلة فيفهموها صغارا، ويعيشوها مع أزواجهم كباراً.
- ما يكون خارج البيت: ومنه ما يكون في حال الاجتماعات الخاصة للرجال أو النساء، فلا يذكر أحدهما الآخر أمام الآخرين إلا بخير، ولا يذكر عيوبه فالكمال لله، وإذا كانا في مجلس عائلي مجتمعين فيظهران أعلى درجات الاحترام وما يصلح إظهاره من مشاعر الحب.
ومن ذلك أيضا إظهار الاشتياق للغائب منهما خاصة عند عودته من سفر، لأن الكثيرين وللأسف يستقبلون الغائب بالأحضان ويبخلون به لأزواجهم، فمن الرائع أن يشرق الاحترام من كل منهما للآخر في أبهى صورة.
الاحترام حال الخلاف
لا يخفى على أحد أن الحياة الزوجية لا تخلو من المنغصات أحياناً، ومع ذلك لا يجب أن يُرى من أي من الزوجين أي ردود فعل تنمّ عن قلة الاحترام للآخر، فلا بد أن يفرض الاحترام بين الزوجين نفسه في كل المواقف وتحت أي ظرف، لقوله تعالى: (وَلَا تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إنْ كَرِهَ منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَرَ، أَوْ قالَ: غَيْرَهُ) ، فإذا اعتاد الزوجين احترام بعضهما البعض ولم يُرى منهما إلا ذلك الخلق الحميد حتى في حال الخلاف، كان هذا أحد مظاهر الدعوة الإسلامية بالقدوة الحسنة، وسمة من سمات البيت المسلم السائر على هدي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.