الإسلام وبناء المجتمع
الإسلام
أنعم الله على عباده بنعم كثيرةٍ وعظيمةٍ، ومن هذه النعم نعمة الإسلام ، فهو دينٌ شاملٌ لكلّ ما في حياة المسلم من جوانبٍ، وقد عرّف الإسلام الأستاذ فتحي يكن فقال: (يجمع إلى رقة التوجيه دقة التشريع، وإلى جلال العقيدة جمال العبادة، وإلى إمامة المحراب قيادة الحرب، وبذلك يكون منهج حياةٍ بكلّ ما في هذه الكلمة من معنى)، وحتى يكون الإسلام ديناً واقعياً لا بدّ ألّا يبقى عبارةً عن كلماتٍ مسطّرةٍ، بل يُطبّق ويصبح حركةً واقعيةً، كما يجب أن يتعدّى حدود الشعائر التعبدية، وممّا يصل بالإسلام لهذه المرحلة فهم الحياة الواقعية والخوض فيها، وعدم ترك كلّ الأمور لغير المسلمين ليفعلون ما يشاؤون، وهذا يتطلّب من المسلمين تسخير كلّ أمور الدنيا لخدمة الإسلام وعدم الخوض فيها وترك الغاية الكبرى وهي الآخرة ، وقد وعى الصحابة هذه المبادئ فساروا عليها، حتى كان كلٌّ منهم نموذجاً حيّاً للإسلام، ففتحوا البلاد الإسلامية، ودخل الناس في دين الله أفواجاً.
الإسلام وبناء المجتمع
لا يُقصد بالمجتمع المثالي أنّه المجتمع الخالي من كلّ أنواع الأخطاء، والذي يتصف بصفات المثالية، فحتى عصر النبوة والذي كان يتميّز بوجود رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وهو على قيد الحياة في مجتمعه كان هناك وجود للسرقة وشرب الخمر، وما إلى ذلك ممّا قد يقع فيه كلّ ضعيف الإيمان ، ثمّ كان بعد ذلك تطبيقٌ للعقوبات حتى لا يصل المجتمع لمرحلة الانحطاط الديني والأخلاقي، وبالتالي فإنّ المقصود بالمجتمع المثالي هو المجتمع الذي يسير وفق مبادئ وقيم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة التي تجمع بين الدين والدنيا، وتحثّ كل من يتبعها على تقوى الله والتعاون والمساواة والرحمة والعطف، فقد قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّـهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ)، وفي نفس الوقت لا بدّ من المجتمع أن يلّبي حاجات الفطرة السليمة، من غير إفراطٍ ولا تفريطٍ، وكلّ ذلك بعيداً عن التعصّب الذي ذمّه الإسلام.
ركائز المجتمع المسلم
للمجتمع المثالي علاماتٍ وأماراتٍ لا تخفى على ذوي البصيرة والفهم، وقد جاءت هذه العلامات في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وهي بعيدةٌ كلّ البعد عن هوى الإنسان الذي قد يصدّه عن الحق، وهذه المرتكزات كثيرةٌ ومتعددةٌ، وفيما يأتي بيانٌ لبعضٍ منها:
- إقامة الشريعة الإسلامية بحذافيرها، وتطبيقها كمنهج حياةٍ للأمة الإسلامية؛ والشريعة الإسلامية تشمل ما جاء في نصوص الوحيين من الأوامر والنواهي والحدود وغيرها، وواجب المسلمين تجاهها تطبيقها والعمل بها والدفاع عنها، وهذه الشريعة عامةٌ لكلّ زمانٍ ومكانٍ لا تتغير ولا تتبدل بتغيّر الأحوال أو الظروف أو الأزمان، وهي الكفيلة بتنظيم حياة الإنسان وعلاقته مع غيره ومع خالقه إن قام المسلم بتطبيقها ولم يُبقِها مجرّد نظرياتٍ وأوامرٍ ونواهٍ وقصصٍ تُتلى عليه.
- تعظيم المسؤولية العامة والخاصة وعدم التفريط بها؛ والمقصود بالمسؤولية الخاصة هي مسؤولية كلّ فردٍ في المجتمع، وقدرته على تحمّل نتائج أفعاله وقراراته، ومن الأمثلة على المسؤولية الخاصة الأسرة، فهي اللبنة الأساسية لبناء المجتمعات وهي المسؤولة عن تنشئة أفرادها تنشئةً صالحةً وفق تعاليم الإسلام ومبادئه وأخلاقه، أمّا المسؤولية العامة فهي مسؤولية الدولة والقائمين عليها، ومن أمثلتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو واجبٌ على كلّ مسلمٍ مع الحرص على الالتزان بشروطه وآدابه، فقد قال الله تعالى: (ادعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجادِلهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبيلِهِ وَهُوَ أَعلَمُ بِالمُهتَدينَ)، وذلك حسب استطاعة المسلم وقدرته.
- التكافل والتعاون بين أفراد المجتمع؛ فيكفل المسلم أخاه المسلم بما أعطاه الله من النعم، ويعطف عليه ويواسيه ويعاونه، وقد شرع الله تعالى في كتابه الكثير من صور التكافل والتعاون بين أفراد المجتمع المسلم، ومن ذلك الزكاة الواجبة من الأغنياء تجاه الفقراء، وإطعام الطعام وإفشاء السلام ، وكفّ الأذى، ونصرة المظلوم وإرجاع حقّه له.
- حفظ الحقوق والحريات ضمن حدود الشريعة؛ فهي التي تنظّم علاقة المسلمين بأنفسهم وبخالقهم، ومن الأمثلة عليها ما يتعلّق بحقوق المرأة وتحرّرها ضمن المجتمع المسلم، وكذلك الحقوق التي يتمتع بها أهل الكتاب في الدولة المسلمة.
مقومات المجتمع الإسلامي في عهد رسول الله
كان المجتمع قبل بعثة الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- يعاني من الظلم والفساد، فالقوي يأكل حقّ الضعيف، وله السلطان عليه، ولمّا جاء رسول الله كان لزاماً عليه أن يضع حدوداً لذاك المجتمع الذي تملؤه الهجمية، فوضع مجموعةً من الأسس والمقومات التي قام عليها المجتمع الإسلامي، ومن هذه المقومات:
- الإيمان بوحدانية الله؛ فبعد أن كان المجتمع مشتت بعبادة الأوثان وغيرها ممّا لا يضرّ ولا ينفع، اجتمعت قلوبهم على عبادة الله الواحد الأحد، الذي ليس كمثله شيءٌ، فهذا التوحيد نقل شخصيات المجتمع من التشتت والضياع إلى عالم ظهرت فيه معالم الشخصية المسلمة.
- التضامن بين أفراد الأمة الإسلامية؛ وقد قام هذا الأساس على مبادئ التعاون والصفاء والإخاء، ممّا أدّى إلى اندماج أفراد المجتمع فيما بينهم، والقضاء على الفوارق التي كانت قد تفشّت فيما بينهم بناءً على جوانبٍ متعددةٍ، كالعصبية للقبيلة والفوارق الاجتماعية.
- الآداب الأخلاقية والسلوكية وضوابطها؛ وذلك حتى يسير الفرد في مجتمعه سيراً هادفاً ومهذباً، فوضع الإسلام آداباً للاستئذان والدخول على الغير، ووضع الحدود على الجرائم التي تقع في المجتمع، فشرع من أجل ذلك الحدود والقصاص وغيد ذلك.
- الشورى بين أفراد المجتمع؛ فلما كانت غاياتهم واحدة ومشاكلهم مجتمعة، كان لا بدّ من إيجاد الحلول لهذه المشاكل بروح الجماعة واليد الواحدة، ومعبرةً عن روحها الواحدة والإرادة الواعية التي تمثّلها.