إن في خلق السموات والارض
خلق السموات والأرض
إن من أعظم الأدلة والبراهين على قدرة الله سبحانه وتعالى خلق السموات والأرض، فالمتأمل في خلقهما يدرك عظمة الخالق جلّ وعلا، قال تعالى: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)، فالسماء من أعظم الآيات في علوها وارتفاعها، وسعتها وقرارها، وجعلها كالبناء المرتفع فوق الأرض، قال تعالى: (أَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا* رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا* وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا)، وكذا الأرض في جعلها منبسطة سهلة، وتذليلها وتسخيرها للناس، ليسهل العيش فيها، والانتقال من مكان لآخر، حيث قال تعالى: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا* أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا).
ورود آية (إن في خلق السماوات والأرض) في القرآن
جاءت هذه الآية في سورتي البقرة وآل عمران، فقال تعالى في سورة البقرة: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّـهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)، وقوله تعالى في سورة في سورة آل عمران: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ).
تفسير آية (إن في خلق السماوات والأرض)
التفسير الإجمالي للآية الواردة في سورة البقرة
أورد الله تعالى في هذه الآية ثمانية من الأدلة التي تشهد بوحدانية الله عزّ وجل وقدرته وحكمته؛ تشتمل على آيات ساطعات وبينات واضحات، وتهدي أصحاب العقول السليمة إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة غيره، فإن خلق السموات وإيجادها بنظام دقيق محكم، وبجمال بديع، وبتناسب محكم، وخلق الأرض، وفرشها وبسطها، وجعلها وسطاً صالحاً للعيش فيها، والانتفاع منها، وتسخيرها للناس، وامتلائها بالكنوز والمنافع، وما فيها من المعادن والنبات والحيوان، وتعاقب الليل والنهار واختلافهما.
والسفن التي تجري في البحر في نفع الناس؛ بأسفارهم وتجاراتهم ومصالحهم، بنقل البضائع، والأغراض، والمواد الثقيلة، والمنتجات، من بلد لآخر، والغيث الذي ينزله الله من السماء لتحيا الأرض به، وينعم الإنسان والحيوان، وتحريك الرياح وتقلبها في الجهات الأربع، وتوجيهها حسب الإرادة والمشيئة، وتكاثف السحاب والغيم وتجمعه في الجو، ثم نزول المطر على بقاع الأرض؛ فإن كل هذا من الدلائل والأمارات ترشد كل من يعقل ويتدبّر، ليدرك الأسرار والعجائب، ويستدل بما فيها من إحكام وإتقان، على قدرة الله ووحدانيته، وأن لهذا الكون إلهاً واحداً، قادراً حكيماً، مستحقاً للعبادة والخضوع.
التفسير الإجمالي للآية الواردة في سورة آل عمران
إن في إيجاد السموات والأرض، والإبداع في خلقهما وصنعهما؛ في ارتفاع السماء واتساعها، وانخفاض الأرض وبسطها وصلاحيتها للحياة، ونظامهما البديع، وما فيهما من الآيات المشاهدة العظيمة من الكواكب والنجوم، والمجرات والأفلاك، والبحار والأنهار، والزروع والثمار، والمعادن والثروات، وفي اختلاف الليل والنهار، وتعاقبهما، وتفاوتهما في الطول والقصر، لدلائل عظيمة وأمارات واضحة، لأصحاب العقول السليمة، والأفكار السليمة، الخالصة من ظلمة الجهل والتقليد، على وحدانية الله تعالى، وعظيم قدرته، وباهر حكمته، فإن في كل ذلك من العبر والعظات ما يحمل كل عاقل على الاعتراف بوحدانية الله، وكمال إبداعه وقدرته.