أين مات صلاح الدين الأيوبي
صلاح الدين الأيوبيّ
اسمه يوسف بن الأمير نجم الدين أيّوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدوينيّ، وهو تكريتيّ المولد، إذ وُلِد في عام 532هـ، ولم يكن صلاح الدين عربيّ الأَصْل، بل كان ينتمي إلى عائلة كُرديّة، وكان يُكنَّى بأبي المُظفّر، أمّا صلاح الدين الأيوبيّ فهو لَقَبه، وقد كان والده نجم الدين رجلاً صالحاً، حيث كان يتولّى قلعة تكريت ، ثمّ انتقل منها إلى بعلبك، وقِيل بأنّ والده خرجَ من تكريت ليلة مولده مُكرَهاً، فتشاءم لذلك، فقِيل له لعلّ ذلك خيرٌ له وهو لا يعلم، ولعلّ أن يكون للمولود صِيتٌ عظيم عندما يَكبُر.
وقد نشأ صلاح الدين عند عماد الدين زنكي، حيث إنّه عندما انتقل مع والده من تكريت، نزلوا عند عماد الدين زنكي، فتربّى عنده، وتعلَّم ركوب الخيل ، وتدرَّب على السِّلاح، كما تعلَّم الكثير من اللغة العربيّة وقراءة القرآن الكريم، وحِفْظ الحديث النبويّ الشريف، كما تلقّى صلاح الدين عِلْمه أيضاً من أبي طاهر السلفيّ، والفقيه علي بن بنت أبي سعد، وسَمِعَ من الطاهر بن عوف أيضاً، وفي وَصْف صلاح الدين ذَكَر المُوفَّق عبد اللطيف أنّه أتى إليه وهو في القدس، وجلس في أحد مجالسه، فرأى فيه مَلِكاً يملأ العيون روعة، ويملأ القلوب مَحبَّة، كما أنّ أصحابه يقتدون به، ويتسابقون إلى المعروف، وكان مجلسه آنذاك يَحفلُ بأهل العِلم والمعرفة، وهم يتحاورون، ويتناقشون، وهو يستمعُ إليهم، ويُشاركهم أحاديثهم في مختلف الأمور، مثل: كيفيّة بناء الأسوار، وحَفر الخنادق، حيث إنّه كان مُهتمّاً أشدّ الاهتمام ببناء سور لبيت المَقْدِس وحَفْر خندق له، وكان يريد أن يبنيَهما بنفسه.
خاتمة صلاح الدين الأيّوبي
تُوفِّي صلاح الدين في قلعة دمشق عن عُمر يناهز السابعة والخمسين عاماً، بعد أن عانى من المرض الشديد، فقد خرج صلاح الدين في 14 صفر من عام 589هـ؛ للقاء الحُجّاج عند عودتهم من مكّة ، وقد كان لقاءً مُؤثِّراً؛ إذ تأثَّر السلطان صلاح الدين وبكى حينها، وعندما رجع إلى دمشق بعد استقبال الحُجّاج، أصابَته حُمّى صفراويّة، واشتدّ المرض عليه حتى أصبحت حالته خطيرة، ويئس الأطبّاء من حالته ومن علاجه، وعندما انتشر خبر مرض صلاح الدين في دمشق، خاف الناس وحزنوا حزناً شديداً، وأصبحوا يزورونه في قلعة دمشق، ويدعون له بالشفاء العاجل، إلّا أنّه لم يدخل عليه سوى القاضي ابن شدّاد، والقاضي الفاضل، حيث لازمه كلاهما طوال أيّام مرضه.
ومن المواقف التي حدثت أيّام مرضه أنّه كان يجلس في اليوم السادس عند القاضي ابن شدّاد، وعندما أراد شُرْب الدواء أحضروا له ماءً ليشربَه، فشكا من شِدّة حرارته، فأحضروا له كوباً آخر، فشكا من شِدّة برودته، ثمّ قال: (سبحان الله، ألا يمكن أحداً تعديل الماء)، ولم يكن صاخباً أو غاضباً، وعندها خرج القاضِيان من عنده، واشتدّ بهما البكاء؛ حزناً وألماً على فراقه، وعلى سماحة أخلاقه ، وفي اليوم العاشر من مرضه، حُقِن بالدواء، وتناول مقداراً من ماء الشعير، فارتاح قليلاً، ففَرِح الناس، واستبشروا بشفائه، وفي اليوم الحاديَ عشر من مرضه، قِيل بأنّ العَرَق قد أفرطَ من جسده، وبلّلَ الفراش حتى تأثَّرت الأرض به، وقد احتار الأطباء في أمره، وعندما رأى الملك الأفضل، وهو أكبر أبناء صلاح الدين أنّه لا أمل في شفاء والده، استأذن الناس أن يكون الأمر لوالده طيلة حياته، وله بعد مماته.
وفي دمشق، في ليلة الأربعاء في 27 من شهر صفر سنة 589هـ، تُوفِّي صلاح الدين الأيّوبي، وقد كانت هذه الليلة الثانية عشْرة من مرضه، حيث ساءت حالته، وكان نائماً طوال الوقت، فلم يُفِق إلّا ما نَدَر، كما أنّهم أحضروا له أحد المقرئين؛ ليقرأ عنده القرآن الكريم ، وعندما قرأ الآية الكريمة: (لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) تبسَّم صلاح الدين، وفاضت روحه إلى بارئها، وكانت وفاته بعد صلاة الفجر، وقد فَزِع الناس لموته، وأصابهم حزنٌ شديدٌ، وكان دَفْنه حيث مات في قلعة دمشق، في يوم وفاته نفسه، قريباً من وقت صلاة العصر، وقِيل في صراخ الناس وبكائهم عليه إنّه يُخيَّل للسامع أنّ الدنيا تَصرُخ في صوت واحد.
أهمّ أعمال صلاح الدين الأيّوبي
كان صلاح الدين رجلاً بأمّة، حيث إنّه رجلٌ من رجال الأُمّة الإسلاميّة البارزين بأعمالهم التي خدمَت الأُمّة الإسلاميّة، وخدمت الجهاد الإسلاميّ، ومن أهمّ أعماله:
- تولّى صلاح الدين الأيّوبي وزارة العاضد سنة 564هـ، وكانت حينها كالسَّلطنة.
- حَكَم صلاح الدين مِصر بعد وفاة شيركوه، وانتصر على الرافضة فيها وهم بنو عُبيد، وسيطرَ بعدها على القاهرة بما فيها، حيث أقام الدعوة العباسيّة بعد أن أخلى القصر من أهله.
- أنشأ صلاح الدين سوراً على القاهرة ومصر.
- بعث صلاح الدين أخاه شمس الدين ليفتح بُرقة في عام 568هـ، ومن بعد بُرقة فَتح اليمن ، وأخذ دمشق من ابن نور الدين زنكي.
- حاصرَ عزاز سنة 571هـ.
- سيطرَ على حلب واستولى عليها سنة 579هـ.
- فَتَح طبريّا سنة 583هـ، وحاربَ الفرنجة في معركة حطِّين، وهزمَهم، وأَسَر ملوكَهم، وأخذ عكّا وبيروت، وتوجَّه إلى القدس ، فحاصرَها، وأخذها بأمان أهلها.
- فَتَح صلاح الدين بلاد الفرنجة عام 583هـ وقَهرَهم، وكاد ينوي قَتْل أرناط صاحب الكرك، وبالفعل أَسرَه وقَتلَه بعد ذلك؛ لأنّه استخفَّ بالنبيِّ -عليه الصلاة والسلام-، وكان قَتْله بعد عَرْض الإسلام عليه، ورَفْض أرناط له.
أسباب انتصار صلاح الدين ونجاحه
أمّا الأمور التي ساعدت صلاح الدين على التفوُّق في حركاته الجهاديّة وانتصاره، وخاصّة في فَتْح بيت المَقْدِس، فهي كالآتي:
- التقوى واجتناب المعاصي: حيث قِيل في صلاح الدين إنّه كان خاشع القلب، وغزير الدموع، فإذا سمع القرآن الكريم يُقرَأ، خَشعَ قَلبُه سريعاً، ودمعَت عيناه، وكان يَقمَع كلّ من يأتي ببدعة ، بالإضافة إلى التزامه بالصلوات على وقتها.
- العُدّة الكاملة للغزوات: حيث كان يُعِدُّ جيشه بشكل كامل، ويهتمّ أشدّ الاهتمام بأمور الغزوات، والفتوحات، وتحريرالبلاد، فأبدى اهتمامه ببناء السُّفن، وصناعة الأسلحة، وحَفْر الخنادق، وغيرها.
- وحدة البلاد: فقد كان من أقصى اهتمامات صلاح الدين، أن يُوحِّد البلاد منذ أن تولَّى حُكْم مصر.
- وضوح الأهداف: حيث إنّ هدف صلاح الدين من القتال تمثّل في إعلاء كلمة الله تعالى، وليس لإعلاء صِيته وسمعته.