أين ذهب اليهود بعد طردهم من المدينة
أين ذهبت يهود بني قينقاع بعد طردهم من المدينة
خرج يهود بني قينُقاع من المدينة إلى أذرعاتٍ في بلاد الشام، وكان ذلك الإجلاء لهم بإجماع المؤرّخين بعد غزوة بدر الكُبرى، وقال الزُّهري: "إنها كانت في شهر شوال من السنة الثانية للهجرة"، وذكر الواقديّ أنّها كانت يوم السبت في النصف من شهر شوال، وذلك بعد أن أظهروا الحسد، والحقد، والعداء للمُسلمين بعد انتصارهم على المُشركين في غزوة بدر ، وفي بداية الأمر اجتمع بهم النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- ونصحهم بالإسلام قبل أن يحدُث معهم كما حدث مع قُريش، مع أنهم كانوا تحت لواء المُسلمين بموجب المعاهدة التي بينهم، وكان سببُ إجلائهم إلى أذرعات؛ لِما أظهروه من العِداء للإسلام والمُسلمين، وإخلالهم بأمن المدينة، فكانت بني قِينُقاع القبيلة الأولى التي نقضت العهد وغدرت بالنبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-. وأمّا سبب نقضهم للعهد وعداوتهم للإسلام وأحداث حصارهم فبيانه فيما يأتي:
- سبب نقض يهود بني قينقاع عهدهم مع النبي: ذكر ابنُ هِشام في سبب نقضهم أن امرأةً من العرب ذهبت إلى سوق بني قينُقاع لبيع شيءٍ لها، فطلب منها الصائغ الكشف عن وجهها، فرفضت ذلك، فقام إلى طرف ثوبها وربطه إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سَوْءَتها، وضحك من كان في السوق على الموقف، فصرخت، فسمعها أحد المُسلمين ووثب على الصائغ فقتله.
- واجتمع اليهود على المُسلم فقتلوه، فنادى أَهْلُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَهُودِ، فغضب المُسلمون لذلك ووقع الشر بينهم وبين يهود بني قينُقاع، فقام النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- بِحصارهم خمسة عشر يوماً، فقام إليه عبد الله بن أُبي بن سلول وقال: "يَا مُحَمّدُ أَحْسِنْ فِي مُوَالِيّ".
- حقد يهود بني قينقاع وعداوتهم للإسلام، ومحاصرة الرسول لهم: ذُكر سبب حقدهم وبغيهم وحسدهم للإسلام في قوله -تعالى-: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ)، فأبدى النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- حرصه وحذره منهم، وأخبر المسلمين بالآية، واستخلف على المدينة أبا لُبابة بن عبد المُنذر العمري، وحاصر بني قينقاع خمسةَ عشر ليلة حتى قذف الله -تعالى- في قُلوبهم الرُعب.
- فنزلوا على حُكم النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، فحكم فيهم أن أموالهم للمُسلمين، ويبقى لهم النِساء والذُرية، وجاء عبد الله بن أُبي بن سلول وكلّم النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- فيهم حتى تركهم وأجلاهم عن المدينة، وولّى على إخراجهم عُبادة بن الصامت حتى أوصلهم إلى أذرعات، وكان من أثر هذا الجلاء تماسُك المُجتمع في المدينة، وضعف اليهود؛ لتأثير هذا الجلاء على نُفوسهم.
أين ذهبت يهود بني النضير بعد طردهم من المدينة
انقسم يهود بني النضير بعد إجلائهم؛ فذهبت طائفةٌ منهم إلى الشام، وذهب آخرون نحو الشمال واستقروا في خيبر؛ كزُعمائهم، فكان لذلك الأثر الكبير في ازدياد عداوتهم للإسلام والمُسلمين في قُلوبهم، مع ازدياد أعدادهم في خيبر، فقاموا بتحصين موقعة خيبر تحصيناً جيداً، وقيل: إنّه خرج بعضهم إلى بلاد الشام إلى أريحا وأذرعات، وبعضهم إلى خيبر، وقسمٌ آخر إلى الحيوة، وأنزل الله -تعالى- فيهم سورة الحشر ، قال -تعالى-: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ)، كما تُسمى أيضاً بسورة بني النضير؛ لذكر قصة إجلائهم في غزوة بني النضير، وذكرت السورة الحشر الأول؛ وهو الجمع الأول الذي حُشروا فيه، وطُردوا في عهد النُّبوة إلى الشام. وكان ذلك في السنة الرابعة من الهِجرة ، أما أسباب إجلائهم فبيان ذلك فيما يأتي:
- تآمر يهود بني النضير على الرسول: تآمر يهود بنو النضير على قتل النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- عندما جاء إلى حُصونهم ومعهُ عددٌ من الصحابة الكِرام؛ ليستعين بهم في دفع دية قتيلين من بني عامر وِفْق ما اتّفقوا عليه في عُهودهم ومواثيقم مع النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، فلما رأوا النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، قالوا: "نعم يا أبا القاسم، نعينك على ما أحببت مما استعنت بنا عليه"، فاتفقوا خفيةً على وضع أحدهم على أعلى البيت، وأن يرمي بصخرةٍ على رأس النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، فصعد عمرو بن جحاش بن كعب لتنفيذ الخُطّة.
- فنزل جبريل -عليه السلام- وأخبر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بما خطّطوا له، فغادرهم النبيّ وعاد إلى المدينة، وأرسل إليهم وأخبرهم بضرورة مُغادرتهم المدينة خلال عشرة أيام، وبعد انتهاء المُدة سيقوم بقتل من يجدهُ منهم، فلم يستجيبوا لذلك وهيّؤوا أنفسهم للحصار، فأمر النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- بالتوجّه نحو حُصونهم للقِتال، فلجأ بنو النضير للاختباء في بيوتهم، فأمر النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- بقطع نخلهم وتحريقها؛ ليُجبرهم على الاستسلام.
- فاستنجد اليهود، فاستجاب لهم زعيم المُنافقين عبدُ الله بن أُبي بن سلول ولكن دون فائدة، حتى دبَّ الرُعب في قُلوبهم، ووافقوا على الجلاء أُسوةً ببني قينُقاع، بشرط أن يسمح لهم النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- بحقن دمائهم، وأخذ معهم ما تحملهُ إبلهم من غير السلاح، فوافق على ذلك، فحملوا على إبلهم الكثير من الأموال والمتاع، وأخذ المُسلمون ما تبقّى وراءهم من الأموال، وأعطاها النبي للمُهاجرين، ولرجُلين من الأنصار؛ لشدة فقرهم.
- نقض العهد مع النبي: وكان هذا الإجلاء لهم بعد نقضهم العهد والميثاق، وخيانتهم للنبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، ومُشاققتهم لله ورسوله ، لِقولهِ -تعالى-: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّـهِ فَأَتَاهُمُ اللَّـهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ* وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّـهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ* ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّـهَ فَإِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
- تحريض القبائل ضدّ المسلمين: فمن أسباب إجلائهم أيضاً دورهم في غزوة الأحزاب في تحريضهم لِقُريش وباقي قبائل العرب على الإسلام والمسلمين، فحاصرهم النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- خمسةَ عشر يوماً، ونزلوا تحت حُكم المُسلمين، وحملوا ما تقدِر عليه إبلهم من الأموال والمتاع، وذهب بعضهم إلى خيبر، وذهب آخرون إلى الشام.
حال اليهود في المدينة
عاش الكثير من اليهود في المدينة في عهد النبي، وفيما يأتي بيان أحوالهم فيها:
- إسلامُ بعض اليهود: كعبدُ الله بن سلام -رضي الله عنه-، وكان يُسمى الحُصين بن سلام، وذلك بعد قُدوم النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- إلى المدينة، ورؤيتهُ له، والاستماع إلى كلامه، وأمّا باقي اليهود فبقوا على كُفرهم، وأمّا بنو النضير وبنو قُريظة فلم يُسلم منهم أحد.
- قيام النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- بعمل المُعاهدات والمواثيق مع اليهود: وقد كفل لهم الحُرية في البقاء على دينهم وعقائدهم، وأن يعيشوا في المدينة في سلامٍ وأمان، وأن يتصدّوا مع المُسلمين لأي عدوٍ يغزو المدينة، وحثّهم على الوفاء بذلك، وحذّرهم من الغدر والخيانة، فحافظ المُسلمون على تلك المُعاهدات، ولكن بعض قبائل اليهود غدرت وخانت، وكان أول من غدر يهود بني قينقاع بعد غزوة بدر بشهرٍ واحد، ثُمّ بني النضير بعد غزوة بدر بستةِ أشهُر.
وكانت هذه المُعاهدات بعد رفض اليهود الإسلام، وهم: بنو قينقاع، والنضير، وقُريظة ، وتعامل معهم النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- كُلاً بحسب طبيعته، أما هم بشكلٍ عام فقد كانوا من أشدّ الأعداء للمُسلمين، لِقولهِ -تعالى-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا)، وكانوا يكيدون لهم المكائد، وحاول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- عند هجرته وبداية دُخوله المدينة تأليف قُلوبهم؛ كالصّلاة نحو بيت المقدس، وكأنّه يقول لهم أننا فريقٌ واحد، والصيام معهم في يوم عاشوراء، حيث كانوا يصومونه قبل الهجرة، بالإضافة إلى أنه كان يقوم بتجميعهم ودعوتهم للإسلام، فأسلم القليل منهم، وبقي الكثير منهم على دينه.