وسائل الاتصال في مجال التعليم
وسائل الاتصال في مجال التعليم
أظهرت العديد من الدراسات والتقارير التي صدرت في السنوات الأخيرة الماضية مدى أهمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مجال التعليم، حيث اعتبرتها اليونسكو أداةً أساسيةً لنشر المعارف في المجتمعات، كما أنّ اعتمادها في المنظومة التعليمية يُساعد على تحسين جودة التعليم ، إذ تستخدم المدارس وسائل الاتصال لإيصال المعلومات، ونشرها، وتخزينها، وإدارتها، وتحقيق مبداً التعليم التفاعلي من خلال استبدال ألواح الطباشير بالألواح الذكية، أو استخدام الطلاب هواتفهم الذكية في التعلّم، وتحقيق إمكانية التعلّم عن بعد.
أظهرت العديد من الأبحاث على مستوى العالم أنّ تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تُساهم في رفع مستوى تعلّم الطلاب وتحسين جودة أساليب التدريس، وقد أظهر تقرير أعدّه المعهد الوطني لتعليم الوسائط المتعددة في اليابان أنّ استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم له آثار إيجابية على الطلاب من حيث زيادة كمية المعارف التي تصلهم، وتحسين مهاراتهم في عرض وتقديم المعلومات، ورفع مستوى قدراتهم مقارنةً مع الطلاب الذين لا يستخدمون التكنولوجيا في التعليم.
أهمية وسائل الاتصال في مجال التعليم
يُمكن توضيح أهمية وسائل الاتصال في مجال التعليم من خلال النقاط الآتية:
- التعلّم عن بعد: أتاحت وسائل الاتصال إمكانية التعلّم عن بعد ، فقد تمكّن الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة من مواصلة تعليمهم من بيوتهم أو من المستشفيات، كما تمكّن أهالي المناطق الأقل حظاً من الحصول على التعليم دون مغادرة مناطقهم، ممّا أدّى إلى زيادة عدد المتعلمين، فالكثير من الجامعات لم تعد تشترط حضور المحاضرات في مقرّها للحصول على شهادتها، واتجهت إلى إصدار شهادات إلكترونية من خلال حضور المحاضرات عن بعد، ممّا ساعد الأشخاص في أيّ مكان في العالم على التسجيل في مثل هذه الجامعات، مثل: الموظفون الذين يعملون لساعات طويلة ولا يُمكنهم مغادرة مكان عملهم للتعلّم، والأمهات اللواتي يُربّين أطفالهنّ ولا يستطيعون تركهم ومغادرة المنزل للتعلّم، كما سهّلت وسائل الاتصال الوصول للمعلومات من خلال البحث عنها عبر الإنترنت بدلاً من الذهاب إلى المكتبات وإضاعة الوقت في البحث عن موضوع البحث بين الكتب، وتصوير العديد من الصفحات، والاضطرار إلى الذهاب إلى أكثر من مكتبة.
- تعزيز مهارات التفكير: حيث إنّ الاستخدام الفعّال لوسائل الاتصال في التعليم يُحفّز مهارات التخطيط والتفسير والتبرير التي تُساعدهم على حلّ المشكلات، ويُتيح لهم مناقشة الحلول وتجريبها.
- تحسين عملية تأسيس الطلاب: حيث أثبتت وسائل الاتصال فعاليتها في تعليم الطلاب المهارات الأساسية، مثل: القراءة ، والكتابة، وإجراء العمليات الحسابية البسيطة.
- تحقيق الاستخدام الفعّال للتكنولوجيا: حيث يُتيح استخدام وسائل الاتصال في مجال التعليم تحقيق الاستفادة القصوى لمعرفة التعامل مع الأدوات التكنولوجية من خلال تفعيل دورها في النشاطات والمواد التعليمية.
- تحقيق التعاون بين الطلاب: فبمجرّد استخدام جهاز حاسوب أو جهاز لوحي في الصف سيُلاحظ المعلم تجمّع الطلاب حوله وتعاونهم ونقاشهم.
- تحفيز الطلاب على التعلّم: فالأطفال يُحبّون التعامل مع الأجهزة التكنولوجية، فمجرّد إدخالها في المنظومة التعليمية يزيد من حبّهم للدراسة، فقد قضى استخدام الوسائط المتعددة لشرح المواد للطلبة على رتابة التعليم، إذ أشارت جمعية علم النفس الأمريكية إلى أنّ استخدام الطلاب للحواسيب والأجهزة التكنولوجية أتاح لهم التواصل مع معلمين وطلاب من ثقافات مختلفة ممّا أثار فضولهم وألهمهم لتعلّم المزيد من الثقافات المختلفة.
- زيادة مدّة الاحتفاظ بالمعلومات: فقد تبيّن أنّ التفاعل الذي تُحققه وسائل الاتصال بين الطلاب ومع الأجهزة الإلكترونية في الغرفة الصفية يجعل المعلومات التي يتلقونها ممتعةً بالنسبة لهم، وهذا يُساعد على الاحتفاظ بالمعلومات بكفاءة وفعالية أكثر على المدى الطويل.
- التوافق مع أنماط فهم الطلاب: فلكلّ طالب طريقة ونمط محدد في تعلّمه المعارف المختلفة، وقد وفّرت وسائل الاتصال كافة أنماط التعليم الممكنة، كما راعت الفروقات الفردية في مهارات الطلاب وأتاحت إمكانية إيصال المعلومة لهم بالشكل الذي يُحقّق لهم الاستفادة القصوى.
- دعم الإبداع والتعبير عن الذات: فالطلاب يتمكّنون من نشر إنجازاتهم العلمية على الملأ والحصول على ردود فعل إيجابية من الناس حول العالم ممّا يزيد من ثقتهم بأنفسهم، كما أنّ المعلمين قد يشجّعوا الطلاب على الاشتراك بمنتديات أكاديمية في المجال الذي يبدعون فيه.
- ربط المحتوى النظري بالتطبيق العملي: فقد وفّرت وسائل الاتصال إمكانية دمج الجوانب العملية والنظرية للمادة التعليمية باستخدام التعلمّ المعزّز بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وذلك من خلال محاكاة الكمبيوتر ما علّمه المعلم نظريّاً.
- تحسين عملية التواصل: يكون التواصل باستخدام التكنولوجيا أسرع من النمط التقليدي، إذ يتمكّن الطالب من تسليم أبحاثه واختباراته من منزله والحصول على نتيجتها عن بُعد، وبذلك يتمّ استغلال الأوقات الضائعة في انتظار النتائج في تعلّم مزيد من المعلومات، كما سهّلت التكنولوجيا تواصل الإدارة مع معلّمي المدرسة وأولياء الأمور ممّا جعل المنظومة التعليمية أكثر سلاسة.
- تسهيل عملية التقييم: وفّرت التكنولوجيا أدوات تقييم تُغني المعلّمين عن استخدام سجلات ورقية كثيرة، كما أنّها أتاحت تخزين سجلات الطلبة بشكل دقيق في قاعدة بيانات خاصة بالمدرسة، واستخدامها لاتخاذ قرارات بشأن المناهج ونماذج التدريس .
- تسهيل تدريب المعلمين: أتاحت وسائل الاتصال للمعلمين إمكانية التسجيل في دورات تدريبية في مجالات تخصصهم دون الحاجة إلى أخذ مغادرة أو إجازة من العمل.
- دعم الاقتصاد المعرفي: وذلك من خلال تعزيز القدرات على إنتاج المعارف التي تُمثّل رأس المال الفكري، واستخدامها ونشرها من خلال أدوات ووسائل متطورة.
التقنيات ووسائل الاتصال التعليمية المستخدمة
زاد عدد الدورات الضخمة المفتوحة عبر الإنترنت (MOOC) بشكل كبير في الآونة الأخيرة، إذ يعكس ذلك زيادة الطلب على التعلّم خارج الغرف الصفية، فمستقبل المؤسسات التعليمية أصبح يعتمد على مدى قدرتها على مواكبة التكنولوجيا في المستقبل، وذلك من خلال استخدام أجهزة الحاسوب، والأجهزة اللوحية، ومشغّلات الصوت، وغيرها لشرح المواد المختلفة، وقدرتها على تقديم المناهج الدراسية بنسخ إلكترونية، وتوفيرها للمكتبات الرقمية والمحاضرات المُسجّلة مسبقاً، واعتمادها أنظمة إدارة تعليمية عبر الإنترنت، إلى جانب تطبيق نظام الغرف الصفية عن بعد (بالإنجليزية: Flipped Classroom)، وهو مفهوم يعكس نظام التعليم التقليدي أيّ يجعل إيصال المعلومات في المنزل وأداء الواجبات في المدرسة، بحيث يحصل الطلاب على المعلومات من خلال تعلّم مهارات التفكير النقدي من بعضهم البعض بدلاً من تلقّيها من قِبل المعلم، وقد أظهرت عدد من الدراسات نجاح هذا النظام وفعاليته.
تحديات وسائل الاتصال في مجال التعليم
أصبحت وسائل الاتصال جزءاً أساسياً لنقل المعلومات والمعارف خلال العقدين الماضيين، كما أنّ المهارات الحاسوبية غدت متطلباً رئيسياً للتوظيف ولبّ المنظومة التعليمية في العديد من الدول حول العالم تماماً كالقراءة والكتابة والمهارات الحسابية، إلّا أنّ استخدام وسائل الاتصال في مجال التعليم يواجه عقبات وتحديات تجعل من الصعب الاستفادة منها بشكل كامل، ومن هذه التحديات ما يأتي:
محدودية الاتصال
أظهرت عدّة دراسات بحثية أنّ صعوبة الوصول إلى مصادر وأدوات الحصول على المعلومات الرقمية من المنزل يُشكّل عقبةً أمام استخدام المعلمين لوسائل الاتصال في مجال التعليم ، فقد أشارات دراسة أوروبية أُجريت عام 2006م إلى أنّ ذلك يُشكّل أكبر تحدًّ لاستخدام وسائل الاتصال في مجال التعليم، ووفقاً لوكالة الاتصالات والتكنولوجيا التعليمية البريطانية (Becta) فإنّ محدودية وسائل الاتصال في مجال التعليم يعود إلى تدنّي مستوى النظام التعليمي، أو سوء نوعيات المعدّات، أو استخدام برامج غير مناسبة.
وضّحت دراسات أُجريت عام 2001م أسباب أخرى لعدم اعتماد وسائل الاتصال في مجال التعليم تتعلّق بعدم كفاية الحواسيب والوحدات الطرفية ونسخ البرامج وصعوبة الوصول الفوري للإنترنت، ففي بعض البلدان لا يتوافر لكلّ معلم جهاز حاسوب خاص به، إذ يُشترط حجز جهاز الحاسوب قبل مدّة من تحضير الدرس، وقد لا يتمكّن المعلمّ من حجزه لمدّة طويلة إذا كان بحاجة للتحضير لأكثر من موضوع بسبب وجود حجوزات أخرى، وفي عام 2007م وجد أنّ ثلث المدارس الأوروبية تواجه ضعفاً في البنية التحتية في تحقيق الوصول إلى النطاق العريض (بالإنجليزية: Broadbandaccess) ممّا يُصعّب من استخدام وسائل الاتصال في مجال التعليم.
محدودية الدعم التقني
أبدى معلمو المدارس الإعدادية والثانوية استياءهم من محدودية الدعم التقني في دراسة استقصائية أُجريت عام 2001م، معتبرين ذلك سبباً رئيسياً يحدّ من اعتمادهم على وسائل الاتصال في التعليم، وفي دراسة استقصائية أخرى أجرتها وكالة الاتصالات والتكنولوجيا التعليمية البريطانية أبدى معظم المشاركين من المعلمين أنّ ضعف الدعم التقني المقدّم يُثبّط عزيمتهم لاستخدام وسائل الاتصال في مجال التعليم خوفاً من ضياع الوقت وعدم التمكّن من ختم المنهج الدراسي في الوقت المحدد.
تتسبّب محدودية الدعم التقني في اضطرار المعلّمين لانتظار تحميل مواقع الويب، وعدم التمكّن من الاتصال بشبكة الإنترنت ، وتعطّل الطابعات وأجهزة الحواسيب، ممّا يُعيق سير الحصة الدراسية بسلاسة ويسر وفقاً لدراسة أجريت في صقلية عام عام 2005م، كما أشارت الدراسات إلى أهمية الصيانة الدورية لوسائل الاتصال في المدارس لتقليل الوقت الضائع لإصلاح العيوب الفنية خلال الحصص المدرسية، ففي حال عدم إجراء صيانة دورية لوسائل الاتصال فإنّ احتمالية حدوث الأعطال تزيد بشكل واضح وتؤثّر سلباً على سير العملية التعليمية.
ضعف تأهيل المعلمين
أثبتت دراسات في العامين 2000م و2001م أنّ أحد أهم ثلاث عقبات تواجه استخدام وسائل الاتصال في مجال التعليم هي ضعف تدريب المعلمين على استخدامها، وحسب دراسات أُجريت عامي 2006م و 2007م تبيّن أنّ عدم تلقّي المعلّمين التدريب المناسب لاستخدام وسائل الاتصال يُعدّ سبباً رئيسياً في تجاهلهم لها، وبحسب وكالة الاتصالات والتكنولوجيا التعليمية البريطانية فإنّ تدريب المعلّمين يجب أن يتضمّن جوانب متعددة تشمل التدريب التربوي، وتدريب على المهارات الحاسوبية وطريقة استخدام وسائل الاتصال، وتوجيههم إلى مدى أهميتها في العملية التعليمية؛ ليكون التدريب فعّالاً.
تواجه العديد من الدول صعوبةً في اعتماد وسائل الاتصال في مجال التعليم بسبب ضعف تدريب المعلمين على استخدام الحواسيب، واعتمادهم على طرق التعليم التقليدية، وعدم إدخال التكنولوجيا في المنظومة التعليمية، وقلّة عدد المعلمين المؤهّلين أصلا للتعامل مع الأجهزة التكنولوجية؛ ممّا يُثبّط من حماسهم لاستخدامها.
محدودية الوقت
لوحظ في أنحاء عديدة من العالم محدودية استخدام وسائل الاتصال في مجال التعليم على الرغم من أهليّة المعلمين لذلك وتوافر البنية التحتية اللازمة لذلك، إلى أن أظهرت عدّة دراسات صعوبة التخطيط لحصص تعتمد على استخدام وسائل الاتصال وعدم وجود الوقت الكافي لهذا التحضير، كما وضّحت دراسة مدى ضيق الوقت اللازم للتخطيط لحصص تكنولوجية، عن طريق تصفّح مواقع الويب الموثوقة المتعلقة بموضوع الدرس أو البحث عن البرامج التعليمية الملائمة، وتلقّي التدريب على استخدام هذه الوسائل، والتعامل مع الأعطال والمشاكل الفنية للأجهزة، كما بيّنت وكالة الاتصالات والتكنولوجيا التعليمية البريطانية عام 2004م أنّ مهام المعلمين تكون متعددةً ومتشابكةً ممّا لا يوفّر لهم الوقت الكافي للتدرّب على استخدام وسائل الاتصال والتعامل معها في حال حدوث أعطال فنية.