هل يجوز تهنئة المسيحيين بأعيادهم
حكم تهنئة المسيحيين عند الفقهاء المتقدمين
يرى فُقهاء المذاهب الأربعة حرمة مشاركة المسيحيين بأعيادهم وتهنئتهم، وقد نقل الإمام ابن القيّم الاتّفاق على ذلك، وبيان ذلك فيما يأتي:
- مذهب الحنفيَّة: ذهبوا إلى تحريم تهنئة غير المسلمين في أعيادهم، لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من تشبَّهَ بقومٍ فَهوَ مِنهم).
- مذهب المالكيَّة: حيث قال ابن القاسم: "لا يحل للمسلمين أن يبيعوا للنصارى شيئاً من مصلحة عيدهم؛ لا لحماً، ولا إداماً، ولا ثوباً، ولا يعارون دابة، ولا يعانون على شيء من دينهم..."، ثم قال: "وهو قول مالك وغيره لم أعلم أحدا اختلف في ذلك".
- مذهب الشافعيَّة: قالوا بمعاقبة من يُهنِّئ غير المسلمين بأعيادهم بالتعزير.
- مذهب الحنابلة: قالوا بحرمة تهنئتهم في أعيادهم؛ لأنَّ ذلك يعتبر تعظيماً لهم كالسّلام.
حكم تهنئة المسيحيين عند الفقهاء المعاصرين
الرأي الأول: المبيحون لتهنئة المسيحيين بأعيادهم
ذهب عددٌ من العلماء المعاصرين إلى جواز تهنئة المسيحيين بأعيادهم، ومنهم:
- دوائر الإفتاء:
- دائرة الإفتاء الأُردنيّ: ذهبت دائرة الإفتاء الأردني إلى القول بجواز تهنئة المسيحيّين في أعيادهم بشرط أن يكونوا مُسالمين غير مُقاتلين، فالشريعة الإسلاميَّة دعت المُسلمين إلى مُعاملة غيرهم بالعدل والإحسان، والبُعد عن الإساءة لهم إذا كانوا مُسالمين، لِقولهِ -تعالى-: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَم يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، ومن صور الإحسان إليهم؛ مُشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم، وتهنئتهم بأعيادهم.
- واستدلّ الإفتاء الأردني على ذلك بفعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قبوله لدعوة غير المُسلمين؛ كقبوله دعوة المرأة اليهوديّة إلى الطعام، كما أنَّ الإسلام يدعو إلى الأُلفة والمودة والصلة بعيداً عن اللون أو العِرق أو الدين، وتهنتهم من باب حسن التعامل معهم، والتعايش والتراحم الذي أقرّه الإسلام لهم، ولا يعني ذلك الموافقة على عقيدتهم.
- دائرة الإفتاء المصرية: قالت دائرة الإفتاء المصريّة بجواز ذلك؛ لأنّ تهنئة المسيحيّين من باب ردِّ التحيَّة عليهم، وبدليل حسن تعامل النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- معهم، والإحسان إليهم، وزيارة مرضاهم، وقبول هديّتهم.
- دائرة الإفتاء الإماراتية: حيث قال الشيخ عبد الله بن بيه -رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي- بجواز التهنئة بأعياد المسيحيين، واستدلَّ على ذلك بعدةِ أدلة منها: القواعد الفقهيّة القائمةُ على التيسير، ورفع الحرج عن المُسلمين، وأنَّ التهنئة من المسائل الفرعيّة في الاجتهاد، ولا ترقى إلى الحرام الواضح، كما أنّها من المسائل الاجتهاديّة والتي لم يرد دليلٌ صريحٌ بشأنها، واستدلَّ بالقياس في سماح الإسلام لهم ببناء دور عبادتهم، ومُمارسة طُقوسهم الدينية.
- الشيخ يوسف القرضاوي: ذهب الشيخ يوسف القرضاوي إلى جواز تهنئة غير المُسلم؛ كالمسيحيّ بِعِيده، ما لم يكُن مُقاتلاً، وهم المُسالمون، وخاصة لمن تربطه بالمسلم صلة؛ كأن تكون زوجته، أو صديقه في الدراسة، أو قريبه، وغير ذلك، فذلك من حُسن الخُلق معه، واستدلَّ بقوله -تعالى-: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَم يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، والبرّ يشمل الإحسان.
- كما استدلّ بفعل النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- في حُسن خُلقه مع غير المُسلمين في مكة على الرغم من إيذائهم له، وتتأكّد مشروعية تهنئتهم إذا كانوا يبادرون بتهنئة المسلم في أعياده، واستدلّ بِمُجازاة الحسنة بالحسنة في قوله -تعالى-: (وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا)، وممّا يؤكّد ذلك مؤاكَلَتِهِم ومُصاهرتهم، ووجوب برِّ الوالدين إن كانوا مسيحيين، والإحسان إلى الزَّوجة إن كانت مسيحيةً.
- الشيخ محمد رشيد رضا: يرى الشيخ محمد رضا جواز تهنئة المسلم للمسيحيِّين في أعيادهم، واستدلَّ على ذلك بفعل النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- عندما زار غُلاماً يهودياً ودعاه إلى الإسلام فأسلم، كما أجاز ذلك الشيخ مُصطفى الزرقا، فهي من باب المُجاملة وحُسن العِشرة، كمُشاركة المُسلم لجاره أو صديقه أو زميله المسيحيّ ذلك، كما أنّ تهنئتهم لا تعني اعتناق عقيدتهم، أو الدخول في دينهم.
الرأي الثاني: المانعون من تهنئة المسيحيين بأعيادهم
ذهب الشيخ ابنُ باز إلى حُرمة تهنئة المسيحيين بأعيادهم بأيِّ طريقةٍ كانت، سواءً كانت عن طريق الهاتف، أو مُشافهةً، وسواءً في بلاد الإسلام أو غير بلاد الإسلام ؛ فالمسلم لا يؤمن بعقيدتهم، فكيف يهنّئهم على ما جاء فيها من الأعياد، كما ذهب إلى حُرمة التهنئة الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين والشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل؛ لأنَّ أعيادهم فيها شعائر دينيّة مخالفة للإسلام، وفي تهنئتهم ومشاركتهم تشبهٌ بهم، كنقل احتفالاتهم إلى بلاد المُسلمين ومشاركتهم فيها، بالإضافة إلى القول بعدم جواز إهدائهم في أعيادهم أو إعانتهم عليها بأيِّ شكلٍ من الأشكال.
أمّا الإمام ابن القيِّم -رحمه الله- فقد نقل الاتّفاق على تحريم تهنئة غير المسلمين بأعيادهم في كتابه (أحكام أهل الذمَة)، حتى وإن لم يتلفَّظ بالتهنئة، فإن شاركهم أو أعانهم على الاحتفال بأعيادهم فحكمه التحريم؛ لأنه يهنئهم بالشعائر التي يؤمنون بها والتي تخالف دين المسلم.