هل جزاء الإحسان إلا الإحسان
مفهوم الإحسان المذكور في الآية القرآنية
قال الله -تعالى-: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)،في هذه الآية استفهام استنكاري ، وتعني هل جزاء الإحسان بالطاعة إلا الإحسان بالنعيم؟
وقد يختلف معنى الإحسان بالسياق الذي يرد فيه، فإن ورد مقروناً بالإيمان والإسلام كان بمعنى المُراقبة، كما فسره النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث جبريل: (فأخبرني عن الإحسانِ؟ قال: أن تعبد اللهَ كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
أما إذا ورد مُطلقاً، فالمراد به فعل ما هو حسن؛ أيّ أن الشيء ملائم للطبع، وضده القبح بمعنى كونه منافراً للطبع، أو كون الشيء صفة كمال، وضده القبح وهو كونه صفة نقصان وذلك مثل؛ العلم والجهل، أو كون الشيء يلزم المدح وضده القبح بمعنى كونه يلزم الذم، وقيل أيضاً إنّ الإحسان هو فعل ما ينبغي فعله من المعروف، وهو نوعان:
- أحدهما: الإنعام على الغير.
- الثاني: الإحسان في فعله، وذلك إذا علم علماً محموداً، وعمل عملاً حسناً.
وهذا فيما ورد في الإحسان الأولى في الآية، أما الإحسان الثانية فقد قيل فيها؛ إنها إحسان الله للعبد؛ وهي كل ما يسر من نعمة تنال الإنسان في نفسه، وبدنه، وأحواله، هذا في الدّنيا، أما في الآخرة هي ما يعطيه الله للعبد من جزاء على فعله الذي أحسن فيه في الدنيا من جنة وما فيها من نعيم وثواب ومغفرة للذنوب وبعد عن النار واستجابة للدعاء وغيرها مما يُكرم الله به العبد.
جزاء المحسنين يوم القيامة
كما أحسن في الدنيا، سيجزيه الله فضلاً وكرماً ورحمةً، وله ما تشتهيه نفسه في الجنة ومغفرةً وأجراً، قال الله -تعالى-: (لهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّـهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ).
أي لهم عند ربهم يوم القيامة ما تشتهيه أنفسهم، وتلّذ به أعينهم، جزاء من أحسن في الدنيا فأطاع الله فيها، وعمل بأوامره، وانتهى عما نهاه فيها عنه، وليكفر عنهم ذنوبهم التي اقترفوها بطبيعتهم الإنسانية، أسوأ الذنوب والخطايا إن تابوا وأنابوا إلى الله كأنها لم تكن، ويجزيهم على أعمالهم الحسنة التي كانوا يعملونها خالصةً لله .
أنواع الإحسان وصوره
إنّ للإحسان صوراً كثيرة ومتنوعة، تتنوع بحسب أنواع الطاعة والبر التي أمر الله بها، ولكل منها جزاؤه وأجره الذي وعد الله به، ومنها:
الإحسان مع الله
أعظم الإحسان وأفضله هو الإحسان مع الله في العبادة؛ وهو الإيمان بالله ، وتوحيده، وطاعته، والإنابة إليه، واتّباع شرعه، وأن تعبد الله كأنك تراه، وبذلك تحصل للعبد معية الله -عز وجل- واليقين به سبحانه، وهذا نهاية الإيمان وهو مقام الإحسان، فاليقين من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وهو روح أعمال القلوب، التي هي روح أعمال الجوارح كلها.
وكلما زاد اليقين في القلب امتلأ ب محبة الله ، والأُنس به، والإنابة إليه، والرضا به، والتوكُّل عليه، والخوف منه، والشكر له، والرضا به، والاستعانة به، وعدم الالتفات إلى غيره، واليقين لا يسكن قلبا فيه سكون لغير الله أبداً. والإحسان في العبادة درجتان:
- الأولى: أن يعبد الإنسان ربه بقلبٍ حاضر كأنهّ يراه، وهي عبادة طلب وشوق، ورغبة ومحبة، وهذه أعلى المرتبتين.
- الثانية: إذا لم يعبد ربه كأنّه يراه، فليعبده كأنه هو الذي يراه، عبادة الخائف منه، الهاربٌ من عقابه.
الإحسان إلى الوالدين
أمر الله بالإحسان للوالدين وذلك لمكانة الوالدين العظيمة في ديننا، بعد أمره بتوحيده -تعالى-، وإفراده بالعبادة، حيث قال -تعالى-: (وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا)، أي الإحسان إليهما بوجوه البر والصلة، وعدم التقصير في حقهما، ولهذا الإحسان صور كثيرة، ومنها:
- طاعتهما فيما يأمران به.
- خفض الصوت عندهما ومخاطبتهما بلين.
- توقيرهما والتذلّل لهما.
- الإنفاق عليهما وسد حاجتهما.
- الدعاء لهما، سواء في حياتهما أو بعد موتهما.
الإحسان إلى الأقارب
وهذا النوع من الإحسان؛ هو صلة الرحم الذي أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بها، فالإحسان إلى الأقارب يكون بوصلهم، والسؤال عنهم، وتفقّد أحوالهم، ويكون على حسب حال الواصل والموصول: فتارة تكون بالمال، وتارة بالخدمة، وتارة بالزيارة، وتارةً بالسلام، وتارةً بطلاقة الوجه، وتارة بالنّصح، وتارةً برد الظلم، وتارة بالعفو والصفح وغير ذلك من أنواع الصلة على حسب القدرة والحاجة والمصلحة.
الإحسان إلى الجار
هذا الإحسان يحقق مبدأ التعاون والتواصل والتوادّ، ويحقق الشعور بالسعادة، وقد حثّ الإسلام على الإحسان في معاملة الجار ولو كان غير مسلم، فقد عاد النبي -صلى الله عليه وسلم- ابن جاره اليهودي، وإكرام الجار له مظاهر عديدة منها مواساته إن كان فقيراً، ومنها حسن العشرة وكفّ الأذى عنه، ومنها إرسال الهدايا إليه، ودعوته إلى الطعام، وزيارته وعيادته عند المرض.
الإحسان إلى الفقراء واليتامى والمساكين
أما هذا النوع من الإحسان، فهو يحقق مبدأ التكافل في المجتمع، فالغني يعطي الفقير فلا يجعله بحاجة سؤال الناس، واليتيم يكفله وليه من بعد أبيه يرعاه ويحفظ ماله، والمسكين وهو الذي لا شيء له، يكرمه؛ مما أكرمه الله به، صدقة تغنيه في آخرته، وتعين المسكين على حوائج دنياه.
قال -تعالى-: (كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ* وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ)، وكلا هنا عائدة على إنكار ما سبقها، وهو أنه ليس كما تدعون، أن الإكرام بكثرة المال والنّعيم، وأنّ قلة المال والفقر إهانة، والمقصد من قوله تعالى: "إني لا أكرم من أكرمت بكثرة الدنيا، ولا أهين من أهنت بقلتها، ولكن إنما أكرم من أكرمت بطاعتي، وأهين من أهنت بمعصيتي"، فأنتم حينما تكرمون اليتيم وتحرصون على إطعام المسكين أنتم مكرمون.
الإحسان إلى الناس عامة
أما عن وجوه هذا النوع من الإحسان فهي كثيرة لا حصر لها، فإعانة المحتاج منهم، وعيادة مريضهم، والدعاء لهم كلها وغيرها وجوه لهذا النوع من الإحسان، وهناك من الأحاديث الكثيرة التي تبين هذه الوجوه.
ومنها حديث صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)، فسلامة الناس من بطش اليد إحسان، وسلامة الناس من غيبة اللسان إحسان.
الإحسان إلى النفس
جميع أعمال الإحسان وصوره تصب في الإحسان إلى النّفس، فالمحسن بوالديه محسن لنفسه ومن يحسن للفقير واليتيم والمحتاج محسن كذلك لنفسه، ومن يحسن بأي وجه من وجوه الإحسان فلنفسه حيث قال الله -تعالى-: (إِن أَحسَنتُم أَحسَنتُم لِأَنفُسِكُم وَإِن أَسَأتُم فَلَها).
حيث إنّ البعد عن الحرام و تزكية النفس وتطهيرها، وفعل الواجبات والإكثار من الصدقات، والابتعاد عن الشبهات، وفعل الطاعات، وأداء الصلاة، وكل ما يُرضي الله -سبحانه وتعالى- هو إحسان إلى النفس، فجزاؤه جميعه سيلقاه في آخرته عند الله -سبحانه وتعالى-.
الإحسان في القول
هو قول أنفع الكلام؛ الكلام اللين، والقول المعروف، ومنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمعروف، والحلم، والعفو والصفح، فجميع هذه الأفعال من القول الحسن حيث أمر الله صراحة بالقول الحسن في قوله -تعالى-: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا).
الإحسان في العمل
الإحسان في العمل بإتقان العمل، وفعله خالصاً كاملاً لله كما أمر، فلا يدخل فيه رياء ولا طلبا للسُّمعة، ولا طلبا للأجر من الناس، فإذا قام بالعمل، فعله على أكمل حالاته وأجملها، وهذه هي أحب الأعمال إلى الله -تعالى-، حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللهَ تعالى يحبُّ إذا عملَ أحدُكمْ عملًا أنْ يتقنَهُ).
الإحسان إلى الحيوان
إنّ من الإحسان الإحسان إلى الحيوان، ومن الحيوان ما خلقه الله ليؤكل لحمه، وعند ذبحه يكون الإحسان إليه بإتقان ذبحه، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته)، فمن الإحسان إليها استعجال الراحة لها بحد السكين المذبوح بها حتى لا تتألم أو تتعذب بالذبح وخروج روحها.