هل الغناء حرام
هل الغناء حرام
تعدّدت آراء الفُقهاء في حُكم الغِناء على عدَّة أقوال؛ فمنهُم من قال بكراهة الغناء كَراهة تَنزيه*، ومنهم من قال بتَحريم الغناء ، ومنهم من قال بإباحته، ومنهم من ميَّز بين الغناء القليل والغناء الكثير وأعطى لكلٍّ منهم حُكماً مُختلفاً، ومنهم من ميَّز بين جنس المُغنّي؛ ففرَّق بين غناء الرِّجال وغناء النِّساء، ومنهم من ميَّز بين الغناء المُنفرد والغناء المُقترن بأنواعٍ من الآلآت الموسيقيَّة، فليس كل الغناء مباحاً بإطلاق وتعميم، ولا حراماً بإطلاق وتعميم، ونُفصِّل آراء الفُقهاء الأربعة في حكم الغناء فيما يأتي:
- حُرمة الغناء وسَماعه ولو كان مجرّداً -أي مجرّداً عن المنكرات كآلات اللّهو والموسيقى-، وأصحاب هذا الرأي هم بعض الحنفيَّة، وبعض الحنابلة، ودليلهم قول الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (الغناءُ يُنبِتُ النِّفاقَ في القلبِ)، كما يُحرّم أصحاب هذا القول اتّخاذ الغناء حِرفةً يُرتزق منها.
- إباحة الغناء المُجرَّد ، وإباحة سَماعه من غير كراهة، وأصحاب هذا الرأي هم المالكيَّة، وبعض الحنفيَّة والحنابلة.
- كَراهة الغناء وسَماعه ولو كان مجرّداً عن اللّهو وآلات الموسيقى، ولكنّه لا يَحرم، وأصحاب هذا القول هم الشافعيَّة، ودليلهم ما رُويَ عن عائشة -رضيَ الله عنها- قالت: (دَخَلَ عَلَيَّ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وَعِندِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بغِنَاءِ بُعَاثَ، فَاضْطَجَعَ علَى الفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ، فَانْتَهَرَنِي وَقالَ: مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ! فأقْبَلَ عليه رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: دَعْهُمَا).
وتجدر الإشارة إلى تعدُّد الآراء في هذه المسألة المذهب الواحد، أو حتّى تعدّد آراء الإمام نفسه، وهذا إن دلَّ على شيءٍ فهو لا يدلُّ على التَّناقض بل يَدلُّ على اختلاف حكم الغناء بحسب حاله؛ إذ إنَّ ألوان وأصناف الغناء تَتعدَّد وتَتنوَّع، فهو حلالٌ في ذاته، لكن شأنه شأن كل المُباحات؛ تَعرض له باقي الأحكام بحسب ما يُقارنه من نوعيَّة الكلام، وكيفيَّة الأداء، والمقاصد منه، فيأخذ بناءً عليها حكم الغناء المُحرَّم بالتَّحريم، والغناء المُباح بالإباحة، والغناء المكروه بالكراهة.
وقال العديد من العلماء إِنْ كان الغناء مُجرّداً؛ وهو ما يُعرف بالنَّشيد الخالي من الكلام المنكر، فله حالتان؛ فإمَّا أن يَصدر من المَرأة للرِّجال فيكونُ عندها مُحرَّماً، وإمَّا أن يَصدر من الرَّجل؛ فعندها يُنظر إلى نوعيَّة الكلام؛ فإن كان كلاماً يدعو إلى الخير والفضيلة فهو مُباح، وقال بذلك جماعة من العُلماء، وكرِههُ آخرون خاصَّة إن كان الشّخص يأخذ عليه مُقابلاً، والصَّحيح جواز الكلام النَّافع من الشِّعر والغناء؛ لأنَّ الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- كان يَسمع لحسَّان بن ثابت -رضيَ الله عنه-، بل وأحيانا يأمره بالشِّعر، ولكنَّ هذا الجواز يكون مع عدم الإكثار من الغناء، وأمَّا إن كان الغناء فيه كلام رذيل أو يدعو إلى الرَّذيلة وتحريك الشَّهوات من خلال وصف النِّساء وغيره، فهو محرَّمٌ بلا شك.
ضوابط إباحة الغناء
حتّى يكون الغناء مُباحاً لا بدّ من وجود عدَّة ضوابط وشروط نوردها فيما يأتي:
- ألَّا يكون موضوع الغناء مُخالفاً لآداب الإسلام وتعاليمه؛ فإن احتوت أغنيَّةٌ ما على كلامٍ فيه تشجيع على أيّ فاحشةٍ من الفواحش، فيكون أداء الأغنيّة حرام، واستماعها أيضاً حرام.
- أن يكون أداء المُغنِّي وطريقته في الغناء خالية من التَّكسر والتَّميّع والإغراء وتعمُّد إثارة الشهوات، فإن كان أداء المُغني مُتضمِّنٌ لأيّ من هذه الأمور، يَحرم الغناء حينها ويَحرم الاستماع له أيضاً، حتّى إن كان موضوع الأغنيّة وكلماتها غير مخالف للأدب والشّرع.
- عدم الإكثار من الغناء ولو كان مباحاً؛ إذ إنَّ الإسلام نهى عن الإسراف والغلوِّ في كلِّ شيء، وألّا يؤدّي سماعها إلى الصدّ عن ذكر الله وأداء الفرائض.
- أن ينظر الإنسان إلى نفسه وما يُضعفه ويُغريه، فإن كان الغناء أو لوناً من ألوانه يفعل هذا به، فيكون مُحرَّماً في حقِّه.
- ألَّا يُقترن الغناء مع أيُّ محرَّماتٍ أخرى؛ من مثل مَجلس للشُّرب، أو أن يكون المُجلس الذي فيه الغناء فيه أمور محرّمة واختلاط، فهنا يكون الغناء محرَّماً لِما رافقه من المُحرَّمات، وهذا ما أنذر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بوقوعه في الحديث الشريف: (ليشرَبنَّ ناسٌ من أمَّتي الخمرَ يُسمُّونَها بغيرِ اسمِها، يُعزَفُ علَى رءوسِهِم بالمعازفِ، والمغنِّياتِ، يخسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الأرضَ، ويجعَلُ منهمُ القِرَدةَ والخَنازيرَ).
ويُباح من الغناء ما يأتي:
- يُباح الغناء المُرافق للدَّف للنَّساء في الأعراس، وذلك لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أعلنوا هذا النكاحَ واجعلوه في المساجدِ واضربوا عليه الدُّفَّ).
- يُباح الحِداء؛ وهو سَوق الإبل والغناء لها، فقد صحّ أنّ رجلاً يسمّى أنجشة كان يحدو في زمن الرسول، وكان صوته حسناً.
- يُباح الغناء في مواقع الحروب أو مواقع التَّدريب؛ لِما فيها من التّشجيع للمقاتلين وإعدادهم لملاقاة العدوّ، وذلك لحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كانَ الحَبَشُ يَلْعَبُونَ بحِرَابِهِمْ، فَسَتَرَنِي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَنَا أنْظُرُ، فَما زِلْتُ أنْظُرُ حتَّى كُنْتُ أنَا أنْصَرِفُ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الجَارِيَةِ الحَدِيثَةِ السِّنِّ، تَسْمَعُ اللَّهْوَ).
- تُباح الأشعار التي تخدم الإسلام والمسلمين وفيها مدحٌ لهم، أو ذمٌّ للبدع والمعاصي .
تعريف الغناء
يُعرَّف الغناء لغةً على أنَّه التَّطريب، ولهُ معانٍ عدَّة؛ منها أنَّه ما طرب به الصَّوت والسَّماع، ومنها رفعُ الصَّوت، أوالتَّرنُّم بالكلام المَوزون وغيره، وهو إمَّا أن يكون مُنفرداً، أو قد يصاحبه عدد من الآلآت الموسيقيَّة ، وبناءً على ذلك تعرَّف الأغنية على أنَّها ما يُترنَّم به من الكلام، وأمَّا اصطلاحاً فيُعرَّف الغناء على أنَّه ترديد الصَّوت بالشِّعر ونحوه بالألحان، أو رفع الصَّوت بالشِّعر وما قاربه على نحوٍ مخصوصٍ عند بعض الفقهاء، وعرَّفه آخرون على أنَّه رفع الصَّوت المُتوالي بالشِّعر وغيره على ترتيبٍ معين، وأمَّا التَّغني فهو التَّرنُّم.
ومُجموع التَّعريفات يُظهر أنَّ الغناء قد يكون ساذجاً؛ أي أنَّه صوتٌ مُجردٌ من غير شعر ولكنَّه يكون على ترتيبٍ خاصٍ مضبوط من أهل الخبرة، وأنَّ الغناء كما يقعُ مع الشِّعر والألحان والآلآت، يقع أيضاً دون أيٍّ من هذه الأمور بمجرَّد صوت الإنسان وترديده على نفسه أو على الآخرين، ولكنهَّ في كل أشكاله المختلفة والمتنوِّعة لا يَخلو من أن يكون بترتيبٍ معيَّن مَضبوط.
_________________________________________
الهامش
* الكراهة التنزيهيّة: هو ما نهى عنه الشّرع نهياً خفيفاً لكن ليس على وجه الإلزام بالتّرك.