هجاء الفرزدق لجرير
هجاء الفرزدق لجرير
أفحش الشعراء في الهجاء فذكروا المثالب والعيوب، ونبشوا ما حرص الإسلام على دفنه من إثارة الخصومات وبعث العداوات، وإن أشهر ضروب الهجاء في العصر الأموي كانت بين الفرزدق وجرير فقد قذفوا كل عرض، وانتهكوا كل حرمة، مما أدى ذلك لحرص الخلفاء على استماع الناس لهذا الشعر.
ومن الأمثلة على هجاء الفرزدق لجرير قوله:
ضربت عليك العنكبوت بنسجها
- وقضى عليك به الكتاب المنزل
فرد عليه جرير:
لقد ولدت أم الفرزدق فاجرًا
- فجاءت بوزواز قصير القوائمِ
يوصل حبليه إذا جنّ ليله
- ليرقى إلى جاراته بالسلالمِ
وأيضًا هناك قصيدة لجرير يهجو بها الفرزدق فيقول:
سَرتِ الهموم فبتنا غير نيام
- وأخو الهموم يروم كل مرام
ذم المنازل بعد منزلة اللوى
- والعيش بعد أولئك الأيامِ
ويقول الفرزدق بقصيدة يهجو بها جرير:
ومنا الذي اختير الرجال سماحةً
- وجودًا إذا هبّ الرياح الزعازعُ
ومنا الذي أعطى الرسول عطيةً
- أسارى تميم، والعيون دوامعُ
ومنا الذي يعطي المئين ويشتري
- العوالي ويعلو فضله من يدافعُ
التعريف بالشاعرين (الفرزدق وجرير)
الفرزدق هو همام بن غالب بن صعصعة من قبيلة تميم ، حيث نشأ الفرزدق في بيت كريم، فكان لذلك أثر كبير عليه وعميق في نفسيته إذ كان يعتد بآبائه اعتدادًا شديدًا، وعرف بفخره بعشيرته وقبيلته، حتى إنه يعد أبرز صوت لتميم في عصره، ولقب بالفرزدق؛ لأنه كان غليظ الوجه لما يعنيه الفرزدق من الرغيف الضخم.
أما عن جرير فهو جرير بن عطية الكلبي اليربوعي من قبيلة تميم، ولم يكن لآبائه وعشيرته من الأمجاد والمآثر ما كان للفرزدق وعشيرته، فكان يعرف بأن عشيرته تربي الغنم والحمير، وكان أبوه عطية بخيلًا، إلا أن أبوه وجدّه الخطفي وأحفاده كانوا من أشعر الناس.
بيئة الشاعرين
عندما يُذكر اسما الفرزدق وجرير يردُ على الخاطر الأهداف السالفة التي تحققت على أيديهما، بالافتخار بقبائلهما والانتقاص من الآخر، ومدح السلطة الأموية من الخلفاء والولاة.
عاش جرير والفرزدق في القرن الأول الهجري وعقدًا من القرن الثاني الهجري في مدينة البصرة جنوب العراق، حيث كانت تعرف بالحركات السياسية، والفرق الدينية، والعصبية القبلية في ظل بني أمية، فقاما بالبحث عن وسائل لقتل وقت فراغهما، والتعبير عما في نفسيهما من حنين لماضيهما القريب، وكان خير وسيلة لذلك وجود منبر حرّ يلتقون فيه، فيتناظران بما يدور بأذهانهما، فجعلا من سوق المربد المنبر والمكان الذي يلتقيان فيه الشعراء وكان أساس هذه اللقاءات هو الشعر.