نظريات العقد الاجتماعي كأساس لنشأة الدولة
نظريات العقد الاجتماعي كأساس لنشأة الدولة
إن نظرية العقد الاجتماعي تعد النظرية الرئيسية في الفلسفة السياسية في العصر الحديث، وبدونها لا يوجد تأسيس نظري لفكرة السلطة، كما أنها تدعم ضرورة تواجد ما يضمن الحقوق والواجبات بين الحاكم والمحكوم، ويجب الإشارة إلى أن فكرة العقد الاجتماعي تأثرت بالنهضة الأوروبية ، وبنتائج العلوم الطبيعية.
ولم تضع فكرة العقد الاجتماعي أساساً لسلطة ما إلا بعد أن نظرت في الطبيعة البشرية، وربطت بينها وبين النمط المناسب لها، ومن أشهر فلاسفة العقد الاجتماعي، جون لوك ، وجان جاك روسو، وتوماس هوبز.
نظرية العقد الاجتماعي عند جون لوك
أسس جون لوك مذهب الحرية الجديد، كما أنه يلقب بأبي الليبرالية، وتفترض نظريته في العقد الاجتماعي، أن الطبيعة البشرية في مرحلة ما قبل العقد، وهي مرحلة طبيعية، سميت بذلك لأن الإنسان يتصرف فيها بعشوائية، غير متوحشة، أي أنه لم يكن يتصرف وفق مبدأ البقاء للأقوى، بل كان يتصرف على نحو جيد على الأغلب.
هذه الفئة كانت السبب لتكوين العقد، ولوجود سلطة تحكم، كما أكّد جون لوك على وجود حقوق طبيعية، وهذه الحقوق مُطلقة، ولا يمكن التنازل عنها تحت أي ظرف من الظروف، ومن هذه الحقوق الحريات، فوظيفة الدولة في العقد الاجتماعي هو ضمان عدم التفريط بالحرية، باعتبارها قيمة إنسانية عليا.
أما الفئة التي تتصرف بما يفسد الطبيعة البشرية فهي تؤثر على حريّة باقي المجتمع في مرحلة ما قبل العقد، لذلك وجب التدخل لحماية حرية المجتمع من سوء تصرف هذه الأقلية، ومن حق الناس في العقد الاجتماعي تنمية الحرية والدفاع عنها، وعدم السماح لمن يفرط فيها لتحقيق مصالح شخصية أن يسلبهم إياها بحجج واهية.
كما يلاحظ وجود حقوق أخرى إلى جانب الحق في الحرية عند لوك، ومن أهم هذه الحقوق الحق في الملكية، وله أيضًا أهمية قصوى بالنسبة له، فبما أن الإنسان يعمل وينمي، فهذا يعني أنه له الحق في أن يتملك وفقًا لعمله، كما أن لوك يعد من أهم مؤسسي العلمانية ، ودعا إلى فصل السلطة الدينية عن السلطة المدنية، حيث عدّ هذا النوع من التعددية من سمات المجتمع المدني، وأسهب في هذا الأمر في كتبه، منها "رسالة في التسامح"، ومقالاته السياسية الأخرى.
نظرية العقد الاجتماعي عند توماس هوبز
إن نظرة توماس هوبز إلى الطبيعة البشرية تفترض أن الإنسان مجبول بالبقاء، والبقاء لا يكون إلا للأقوى، ونظرًا لقلة الموارد الطبيعية، فالنزاع أمر حتمي، فالسلطة ضرورة لا بد منها لإنهاء حالة النزاع، ودعا هوبز إلى أن تكون السلطة ملكية مُطلقة، ولا يجوز الثورة عليها مهما حصل، فهي ضمان لحالة السلم وعدم الرجوع إلى مرحلة ما قبل العقد. [2]
أضاف هوبز إلى أن أساس العقد أن يتنازل الأفراد باتفاق بينهم عن حياتهم الطبيعية، ويتم الإجماع على طرف خارجي يحكمهم، ويلاحظ أن هذا الطرف ليس من ضمن الأفراد، مما يعني أنه ليس جزءًا من العقد، وهذا ما يميز نظرية هوبز عن باقي النظريات السياسية، كما أنه على من يستلم زمام الأمور، ويمنح السلطة، أن يحفظ حقوق الأفراد، وأن يلتزم بما نص عليه العقد، ويعمل بإخلاص وأمانة، كما عليه الحكم بين الحكومات والمواطنين، فيفض الخلافات بالتحكيم والعدل، ولا يجور على المواطنين، ومن جهة أخرى، كان للعقل ونتائج العلوم الرياضية دور كبير في وضع معالم نظرية العقد الاجتماعي عند هوبز، فالإنسان يقوده عقله في مرحلة ما بعد العقد، ويتخلى عن غرائزه، أما البديهيات فقوامها العلوم الرياضية والهندسة.
نظرية العقد الاجتماعي عند جان جاك روسو
تم الاستدلال على نظرية روسو في العقد الاجتماعي من خلال عدة كتب، أهمها كتاب "نظرية العقد الاجتماعي"، وأصبح يُعرف لاحقًا بإنجيل الثورة الفرنسية، أما الكتاب الثاني فهو "أصل التفاوت بين الناس"، استدل من خلاله على الطبيعة البشرية التي ذهب إلى أنها بريئة، وذكر محاسن الحياة الطبيعية، لكن تجدر الإشارة إلى أن أساس بحث روسو هو إمكانية التأسيس لقاعدة إدارية تدير شؤون الناس بما يصلح حالهم.
كما أكد على ضرورة إنهاء العهد الاستبدادي وبداية عهد جديد أساسه الحرية، والمساواة، والعدالة الاجتماعية، وهذه شعارات الثورة الفرنسية ، ويقول في الحرية: "يولد الإنسان حرًا، ويوجد الإنسان مقيداً في كل مكان، وهو يظن أنه سيد الآخرين، لكنه يظل عبدًا أكثر منهم، وكيف وقع هذا التحول؟ أجهل ذلك، وما الذي يمكن أن يجعله شرعيًّا؟ أراني قادرًا على حل هذه المسألة".