نص إنشائي عن التعاون (لطلاب الثانوي)
المقدمة: التعاون أثر طيب ومستمر
التعاون من الأخلاق المجتمعية السامية التي ترقى بالأفراد في كلّ مكان، وهو خلقٌ حثّت عليه الأديان والمجتمعات، وذلك لما فيه من خير على الفرد والمجتمع، إن التعاون له أثر كبير ومستدام، فهو يصفي النفوس ويمتن العلاقات، وتستمر نتائجه إلى أمد بعيد، والقصد بذلك هو أن الأفراد المتعاونين الذي يتبادلون الخبرات والمعارف ستبقى آثار هذا التعاون في حياتهم، وتفيدهم في كثير من مناحي الحياة، وكل ذلك يعود بالأجر والثواب والخير العميم على الجميع، فما أعظم التعاون وما أبهى آثاره!.
العرض: التعاون تناقل للمعرفة
تشمل كلمة التعاون مجالات الحياة المختلفة، وتفاصيلها المتعددة، فلا يقتصر التعاون على جزء دون غيره، إذ لا بدّ منه في كل الأمور حتى يسير مركب الحياة في طريقه القويم الصحيح، فإنّ تبادل المعرفة والخبرات هو التعاون، وكلمة المعرفة لا تعني مجال التعليم والدراسة فقط، بل المعرفة في كل مجال وفي كل شيء، فالعامل في المعمل لا بد أن يتبادل المعرفة وينقل خبرته لمن حوله، وبذلك يحميهم من الوقوع في أي خطأ أو زلة تضر بهم وبسير العمل، وفي الوقت نفسه يختصر الوقت ويوفر الجهد للقيام بأمر آخر، وعليه فإنه من المهم في بيئة العمل أن يعتمد الموظفون العمل الجماعي وسيلة لإنجاز المهام في وقت أسرع.
التعاون يعني أن تساعد الآخرين أن يبدؤوا من حيث انتهيت أنت، لا أن يعيدوا البناء من جديد في كل مرة، فإن هذا الأمر هو الذي يوقف عجلة التطور، ويمنع أغلب المجتمعات من التقدم، لا بد من تعزيز ثقافة التعاون والحث على نقل الخبرة، فلا يمكن الاعتقاد أن هذه الخبرة والمعرفة هي جهد وتعب شخصي، وينبغي أن يحتفظ به الإنسان لنفسه، بل لا بد من تعاون في هذا الأمر حتى ترقى المجتمعات، ولولا أهمية تناقل المعارف والخبرات لما حذّر النبي الكريم من يكتمون العلم وبيّن لهم عقابهم في الآخرة، وهو خير دليل على أهمية تناقل الخبرات والمعارف.
إضافة إلى دور تناقل المعارف والتعاون في رقي المجتمعات، فإنّ لهذا أثرًا كبيرًا على الأفراد من جهة أخرى، فهو أمر يُهذّب الأخلاق، ويقوّم التفكير، ويبعد عن الأنانية وحب الذات وإيثارها، يعلّم كيف يتمنى الإنسان الخير للآخرين ويسعى في تحقيقه لهم، وبذلك يصير كل فرد في المجتمع قدوة حسنة لأهله وأولاده وأصدقائه وزملائه في العمل، عندها فقط يصير التعاون أساسًا في المجتمع ، ويصبح إيثار الذات وكتم الخبرة والمعرفة منبوذًا مرفوضًا لأنه يهدم الأخلاق ويدمر المجتمعات.
من المهم أن يعرف الإنسان المفهوم الدقيق للتعاون، إذ إنه لا يمكن أن يأتي مجموعة من الأصدقاء ويعلموا بعضهم بعضًا أمرًا مضرًا وخاطئًا كالسرقة أو التدخين أو غيرها من الآفات الاجتماعية ويكون ذلك تحت راية التعاون، فقد بيّن الدين الإسلامي أنّ التعاون لا بد أن يكون في مناحي الخير والأمور الإيجابية التي تقبلها الفطر الإنسانية، وتتناسب مع قيم المجتمعات وأخلاقها وعاداتها، أما تلك الأمور التي تنافي الأخلاق وتبتعد عن مبادئ الدين الإسلامي فما هي إلا آثام تلحق بالأفراد وتدمر المجتمعات.
التعاون كالنبتة الصغيرة، تُغرس بذورها في تربة صالحة نقية نظيفة، وترعاها الأيدي وتتعهدها بالسقاية والحماية من كل الآفات والأضرار، وعندها ستكبر هذه البذرة، وتتطاول فروعها في السماء، ناشرة ظلالها على كل البشر، فعندما يكون الأب متعاونًا سيتعلم منه الأولاد، وعندما يكون المعلم متعاونًا مع أصدقائه سيتخذه الطلاب قدوة، وعندما يكون رب العمل ناقلًا للمعارف والخبرات سيحذو الموظفون والعمال حذوه، وبهذا تتعزز قيمة التعاون ومكانته، وتعلو راياته في كل المجتمعات.
إن المجتمعات التي تُبنى على أساس التعاون وتناقل المعارف هي تلك المجتمعات التي يُشار إليها بالبنان، وتُتخذ قدوة في الحياة، وهي الجدار الحصين المنيع الذي لا يمكن اختراقه أو تجاوزه، وسيصعب على الأعداء والغزاة اقتحامه، إذ إنّ التعاون قد متّنَ أواصره، وحفظ الصلات بين أفراده، فجعله حصنًا منيعًا في وجه كل المعتدين وأصحاب النفوس المريضة التي تريد تشتيت روابط الناس، تحت شعار واهنٍ بائد يقولون فيه "فرّق تسدْ" والصحيح هو "تعاونْ وتعاضدْ تسدْ وتستمر" فطوبى للمتعاونين.
القوة هي الثمرة اليانعة الناضجة للتعاون، ويمكن أن يفكر الإنسان في البداية على مستوى عائلته، فيبدأ بنشر التعاون بين أفرادها، ويجعله أساسًا في تعامل الأفراد فيما بينها، وبعدها ستكبر الفكرة وتنتشر في المجتمع، وتسود القوة والمنعة، ويصير المجتمع قويًّا بأفراده وتعاضدهم، فخورًا بهم وبأخلاقهم، وقد يظن كل فرد أنه لا يمكن أن يفعل أي شيء في ظل كل هذه الظروف التي تملؤها الأنانية وعدم التعاون، إلا أن النار من مستصغر الشرر، ولو نوى كل فرد أن يبدأ من دائرة صغيرة، سيرى كيف هذه الدائرة تتسع وتمتد رويدًا لتشمل كل أفراد المجتمع، على كل إنسان أن يعقد العزم على تطبيق هذه القيمة المهمة في حياته.
خير دليل على هذا الكلام هو الدعوة النبوية، وكيف بدأت في إطار ضيق، وبدأت تتسع شيئًا فشيئًا حتى شملت العالم أجمع، وصار الإسلام منتشرًا في كل مكان، كل ما في الأمر أن ينوي الإنسان ويصمم على ما نوى، عندها ستسود المجتمعات بالتعاون والتعاضد بين أفرادها.
الخاتمة: التعاون خروج من دائرة الأنا
أهمية التعاون كبيرة، وأثره عظيم وكبير، فهو الذي سيلغي من تفكير كل إنسان أهمية الأنا، وإيثار المصلحة الشخصية على مصلحة الجماعة، بالتعاون سينصهر كل إنسان في بوتقة الجماعة، ويعلم أن مصلحته من مصلحة الجماعة التي يعيش معها، وأنه من غير الممكن أن يكون هو بخير إن لم يكن كل من يحيط به بخير، ولا يمكن أن ينجح وحده، فكما يُقال: يد وحدها لا تُصفق، فلا بد من يد أخرى بل أيادٍ أخرى، تتعاون وتتعاضد في سبيل العيش القويم والخير العميم.
قد يفيدك قراءة تعبير مشابه، ننصحك بمقال: موضوع تعبير عن التعاون .