نشأة الأنثروبولوجيا الثقافية
نشأة الأنثروبولوجيا الثقافية
ارتبطت نشأة الأنثروبولوجيا الثقافية ارتباطًا مباشرًا بالعصر الاستعماري في نهايات القرن 19 وبدايات القرن 21، ففي تلك الفترة المفصلية بين قرنين هيمنت نظرية التطور على العلوم الاجتماعية الحديثة.
ولم يكن علماء الأنثروبولوجيا الأوائل بمعزل عن هذه النظرية، حتى أولئك العلماء الذين عملوا على نطاق واسع مع المجتمعات البدائية، مثل العالم لويس هنري مورغان، ليجري تطوير نماذج من الأنثروبولوجيا الثقافية، حيث صنفت الثقافات المعروفة وفق إنجازاتها التكنولوجية وتطور ثقافتها المادي.
وبما أن الأوروبيون كانوا الأكثر تطورًا في هذه الفترة، تم تصنيف أي ثقافة أخرى ليست أوروبية على أنها بدائية قليلا أو بدائية جدا، وهو تصنيف غير عادل البتة، ليأتي بعدها مجموعة من علماء الأنثروبولوجيا الثقافية بالتحقيق في المجتمعات والثقافات التي يُفترض أنها بدائية وفق التقارير أو الإِشاعات الأوروبية.
تعريف الأنثروبولوجيا الثقافية
تعرف الأنثروبولوجيا الثقافية على أنها من فروع علم الإنسان، الذي يهتم بدراسة ثقافة الإنسان من مختلف الجوانب، وترتبط الأنثروبولوجيا الثقافية بعلم الآثار لاعتباره مصدرًا رئيسيًا لمعرفة ثقافة الإنسان في العصور القديمة، كما تهتم بدراسة التراث المعنوي والفلكلور، واستيضاح التباين بين ثقافات الشعوب ، والقواسم المشتركة بينها.
مجالات الأنثروبولوجيا الثقافية
إن الإنسان الأول، أو ما يطلق عليه الإنسان البدائي في العصور القديمة يعد محورًا رئيسيًا في الأنثروبولوجيا الثقافية، فالإنسان يتميز عن باقي الكائنات الحية بثقافته التي ينتجها في مجتمع ما، أو في جماعة كما في الجماعات البشرية القديمة.
فالإنسان القديم غالبًا ما يطلق عليه وصف الإنسان البدائي ، أو الإنسان الأول؛ وذلك ليس تقليلًا من إنسانيته، بل لأن نمط الحياة البدائية يعتمد على البساطة، وانعدام الأدوات المستخدمة لتسهيل حياته.
ونتيجةً للتطور الكبير في العلوم الإنسانية في بدايات القرن العشرين، اتسعت مجالات الدراسة في الأنثروبولوجيا الثقافية، فأصبحت تشمل ثقافة الإنسان الحديث، والإنسان المعاصر، الذي يعيش حياته بطريقة متمدنة وصناعية، تسودها التعقيدات الاجتماعية والثقافية، والذي لا يكتفي بما هو ضروري للحياة، بل يسعى إلى تحقيق الكماليات.
وغالبًا ما يتم دراسة الأنثروبولوجيا الثقافية من خلال جانبين، هما كما يأتي:
- الدراسات الأفقية والمتزامنة
وهذه الدراسات تتميز بالمقارنة، فهي دراسات أنثروبولوجيا تستنتج الفروقات بين الثقافات المتباينة.
- الدراسات التتبعية
وهي دراسات رأسية تهدف إلى تتبع نمو الثقافات والطريقة التي أدت إلى النتاج النهائي لهذه الثقافات.
العلماء الذين ساهموا في نشأة الأنثروبولوجيا الثقافية
تعد الأنثروبولوجيا الثقافية من الفروع الحديثة من علم الأنثروبولوجيا، وذلك لأن علم الأنثروبولوجيا بكافة فروعه نشأ في أواخر القرن 19، وذلك بعد نشأة علم الاجتماع ، فبعض العلماء يعدون الأنثروبولوجيا بكافة فروعها وليدة لعلم الاجتماع المقارن،وهنالك العديد من العلماء الذين ساهموا في نشأة الأنثروبولوجيا الثقافية، أشهرهم ما يأتي:
إدوارد تايلور
هو الفيلسوف والأنثروبولوجي إدوارد تايلور (1832م - 1917م) يعد من مؤسسي علم الأنثروبولوجيا في أواخر القرن 19، كان له العديد من الأعمال البارزة مثل الثقافة البدائية، واهتم بنظرية التطور، وعلاقتها بالأنثروبولوجيا.
ركزت أبحاثه على معرفة السبل التي تطورت بها ثقافة الإنسان منذ العصور القديمة وحتى المجتمعات المعاصرة، صاغ تايلور العديد من المفاهيم التأسيسية في علم الأنثروبولوجيا الثقافية، ونال وسام تقديرًا لجهوده الأثروبولوجية عام 1912م.
أكد تايلور على أن مفاهيم الثقافة ليست مرتبطة فقط بالإنجازات الفنية، والروحية، والتأملية للإنسان، بل إنها تشمل الإنجازات التكنولوجية، والتحديث المستمر على منظومة القيم والأخلاق.
فرانز بواس
هو عالم أنثروبولوجيا (1858م - 1942م) يعد مؤسس الأنثروبولوجيا الأمريكية، وسميت بذلك نظرًا لاختلاف ثقافة الشعب الأمريكي، وتعددها، فأصبحت الدراسات الأنثروبولوجية تركز على ثقافة المجتمع الأمريكي.
كما ركز بابوس على الثقافات الهندية في الولايات المتحدة الأمريكية، كان له أثر كبير في الجيل اللاحق من علماء الأنثروبولوجيا الثقافية مثل مارغريت ميد، وإدوارد سابير.