نبذة عن العصر الفيكتوري
تعريف العصر الفيكتوري
كان العصر الفيكتوريّ هو فترة حكم الملكة فيكتوريا ؛ إذ إنّها اعتلت العرش في سنّ الثامنة عشر بعد وفاة عمها ويليام الرابع، وهي الملكة صاحبة ثاني أطول فترة حكم في بريطانيا بعد الملكة إليزابيث الثانية، شهدت فترة حكمها واحدة من أعظم العصور في بريطانيا، إنّ البلاد كانت بمثابة أكبر إمبراطورية في العالم؛ حيث كان ربع سكان العالم يدينون بالولاء للمملكة.
بدأ العصر الفيكتوري مع إقرار قانون الإصلاح لعام 1832م وكانت البلاد تحت حكم الكنائس، ومن النواحي الأيديولوجية فقد ظهرت حركات نقض للعقلانية التي ظهرت في العصر الجورجي، وظهر أيضًا توجّه متزايد نحو كلّ من الرومانسية والتصوف فيما يخص الدين والقيم الاجتماعية والفنون وما إلى ذلك.
التطور في العصر الفيكتوري
كان العصر الفيكتوري تتويجًا للتغييرات في المجالات السياسية والاجتماعية والعلمية واللاهوتية والثقافية في جميع أنحاء أوروبا.
التطور الأدبي
حينما كانت أسعار الكتب مرتفعة للغاية بالنسبة للمواطن المتوسط، كانت هذه المبالغ كافية لتغطية تكاليف الناشر ودفع مبالغ معقولة للمؤلفين، ولكن مع ظهور مكتبات مجانية في أنحاء البلاد، بدأ الناس يتدفقون عليها، زاد الدخل من الكتابة لبعض الكتاب، وأصبح العديد منهم روائيّين محُترفين.
في أوائل القرن التاسع عشر سيطرت المجموعات الدينية على سوق أدب الطفل، وكانت أغلب القصص المنشورة تحمل رسالة أخلاقية قوية، وبحلول منتصف القرن أدرك التجّار الإمكانيّات العظيمة لهذا السوق ووقّعوا صفقات مع مؤلفين موهوبين لتوفير عدد كبير من كتب القراءة للأطفال، كما استفادوا من الحداثة التي مكّنتهم من طباعة الرسوم الملونة.
ثم شقت الكلاسيكيات طريقها، فكانت مغامرات أليس في بلاد العجائب التي كتبها لويس كارول هي الأكثر شهرة، إلى جانب أعمال ويليام ميكبيس ثاكيراي، وتشارلز كينجسلي، وجورج ماكدونالد، وفي فترة الثمانينيات وأصبحت روايات الحركة والمغامرة أمرًا شائعًا ومحبوبًا لدرجة أنّ معظم كبار المؤلفين في ذلك العصر كتبوا العديد من الكتب للأطفال.
أمّا النثر، فارتفعت الرواية من موقع الإهمال خلال ثلاثينيات القرن التاسع عشر حتى تُصبح النوع الأدبي الأكثر شهرة في نهاية العصر، وفي ثلاثينيات وأربعينيات القرن التاسع عشر تأثّرت الرواية الاجتماعيّة بكلّ من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها.
أمّا في نهاية العصر فقد عاد الخيال القوطي ليظهر بقوة، وبعد عام 1769م، ازدادت شعبية أعمال شكسبير بشكل كبير، حتى وصلت قمة ذروة مجدها في القرن التاسع عشر.
التطور التكنولوجي
في منتصف الثورة الصناعية في إنجلترا، فكّر تشارلز بابيج في استخدام المحرك البخاري ليتمكّن من تشغيل الكمبيوتر الميكانيكي، وبحلول عام 1838م، استطاع تقديم التصميم الأساسي للمحرك التحليلي، كان يتألّف من جزأين أساسيّين مثل الكمبيوتر الحديث، أحدهما يقوم بتخزين الأرقام المُراد معالجتها، والآخر هو الذي يؤدّي العمليات.
لكن افتقر بابيج إلى الموارد المالية اللازمة لصنعه، وبالتالي ظلّ بناءً الكمبيوتر نظريًا، لكنّه ترك وراءه ملاحظات تفصيليّة ورسومات هندسية، استنتج منها الخبراء في عصرنا أنّ التكنولوجيا في ذلك الوقت كانت متطوّرة كفاية لبنائها بالفعل، حتى لو لم يكن يملك ما يكفي من المال للقيام بذلك.
التطور الطبي
كان الطبّ في بداية القرن التاسع عشر مختلفًا قليلًا عن طبّ عصر القرون الوسطى، وفي نهاية القرن أصبح الطبّ أقرب كثيرًا إلى ممارسة القرن الحادي والعشرين بفضل التقدّم الكبير في العلوم، خاصّة العلوم الطبيعية بمختلف أنواعها.
وفي منتصف القرن، أصبحت السماعة الطبية جهازًا شائعًا، وقد تطوّر المجهر بما يكفي للعلماء ليتمكّنوا من فحص مُسبّبات الأمراض بدقة وعن قرب، كما حصل العالم الرائد لعلم الأحياء الدقيقة الفرنسي لويس باستور على قبول واسع فيما يخص نظرية جرثومة المرض، ممّا أدّى إلى إدخال المطهرات بواسطة ليستر عام 1867م على شكل حمض الكربوليك (الفينول).
وصدرت الأوامر لطاقم المستشفى بارتداء القفازات والمداومة على غسل أيديهم وأدواتهم بمحلول الفينول، أما عام 1869م، فقد تمّ اختراع آلة لرش الفينول في غرفة العمليات أثناء الجراحة، نتيجة لذلك انخفضت أعداد الوفيات المرتبطة بالعدوى بشكل ملحوظ.
التطور الاقتصادي
جعل التطور الهندسي من بريطانيا قوة صناعية رائدة، وخاصة في مجال الاتصالات والنقل في ذلك الوقت، ازداد الطلب على مواد البناء والحديد. وبفضل النجاح في حركة الفحم السائل، فقد تم توفير الوقود للأفران الصناعية والمنزلية.
ظهرت مكانة بريطانيا كقوة سياسية عالمية وذلك من خلال اقتصادها القوي الذي نما بسرعة بين عامي 1820 و 1873م، ومع انتهاء المراحل الأولى من التصنيع بحلول عام 1840م تقريبًا توسّعَ الاقتصاد البريطاني وأصبحت أغنى دولة في العالم، ولكن العديد من الناس عملوا ساعات طويلة في ظروف قاسية.
بشكل عام، كانت مستويات المعيشة آخذة في الارتفاع، حتى أفراد الطبقة العاملة كان يُمكنهم شراء مواد تقديرية آنذاك، كان الإنتاج الضخم يعني أن أيًا كان يستطيع شراء الملابس والصحف وغيرها من الهدايا والمزيد.
سياسة العصر الفيكتوري
كان النظام السياسي الرسمي ملكية دستورية. وكان الدستور البريطاني وما يزال غير مكتوب، ويتألف من مزيج القوانين المكتوبة والاتفاقيات غير المكتوبة.
الحقبة الباكرة
سجّلت الملكة بعد استلامها الحكم مباشرة أحداث التمرد التي كانت تجري في كندا العليا والسفلى بانتظام، وقامت بإرسال اللورد إلى لندن للبحث في أمر هذا الفساد هناك، وفتح تقريره عام 1839م وفي العام نفسه، أدّى الاستيلاء على صادرات الأفيون البريطانية إلى الصين إلى وقوع حرب الأفيون الأولى، وبدأت أولى الصراعات الكبرى في اللعبة العظمى ما بين بريطانيا وروسيا.
وفي أستراليا، تم إنشاء مقاطعات جديدة مع فيكتوريا عام 1835م وجنوب أستراليا عام 1842م، وتحوّل التركيز من نقل المجرمين قسرًا إلى الهجرة الطوعية، ثم أصبحت نيوزيلندا مستعمرة بريطانية عام 1839م، وفي عام 1840م تنازل زعماء الماوري عن سيادتهم لبريطانيا بموجب معاهدة وايتانجي، وفي عام 1842م تمّ توقيع معاهدة نانكينج التي أنهت حرب الأفيون الأولى .
ومنحت بريطانيا السيطرة على جزيرة هونج كونج، ومع ذلك فقد أدّى الانسحاب المؤسف من كابول في ذلك العام إلى إبادة كمّ كبير من الجيش البريطاني في أفغانستان، أمّا في عام 1845م فقد بدأت المجاعة الكبرى في التسبُّب في المرض والموت في أيرلندا، ممّا أدى إلى هجرة واسعة النطاق.
الحقبة الوسطى
توفي الأمير ألبرت عام 1861م؛ ونتيجة لذلك دخلت الملكة فيكتوريا في حداد وانسحبت من الحياة العامة. بينما كان مجلس الوزراء يميل نحو الاعتراف بالكونفدرالية خلال الحرب الأهلية الأمريكية، انقسم لذلك الرأي العام، في النهاية، قررت الحكومة أن تبقى مُحايدة عندما أدركت أنّ الحرب مع الولايات المتحدة ستكون خطيرة للغاية.
وذلك لأنّ تلك البلد توفر الكثير من الإمدادات الغذائية لبريطانيا خاصة القمح ويُمكن أن يتسبّب أسطولها البحري بإغراق الكثير من الأسطول التجاري، وبمجرد أن اتضح أنّ الولايات المتحدة لها اليد العليا في ساحة المعركة، لم يبقَ هنالك احتمالية نشوب حرب أنجلو أمريكية.
تظهر كتابات من مذكرات الملكة بأنّها فكّرت في إمكانية توحيد مستعمراتها في أمريكا الشمالية في وقت مبكر من فبراير 1865م، وفي فبراير 1867م، تسلّمت الملكة نسخة من قانون أمريكا الشمالية البريطانيّ، وبالفعل فإنّه بعد أسبوعين استضافت مندوبين قادمين لمناقشة مسألة الكونفدرالية "تحت اسم كندا".
في 29 مارس 1867م، منحت الملكة الارتقاء الملكي إلى القانون، والذي كان سيُصبح ساريًا في 1 يوليو 1867م، وقد تم تمرير قانون الإصلاح الثاني عام 1867م لتوسيع الامتياز، وفي عام 1878م، كانت بريطانيا مفوضًا في اتفاقية برلين ، والتي أعطت اعترافًا قانونيًا بالدول المستقلة لرومانيا وصربيا والجبل الأسود.
الحقبة المتأخرة
أدخل القادة الرئيسيون إصلاحات مختلفة بهدف تعزيز الاستقلال السياسي للمدن الصناعية الكبيرة وزيادة المشاركة البريطانية دوليًا، وأيضًا فقد تمّ الاعتراف بالحركات العمالية ودمجها من أجل مكافحة التطرف.
في السنوات اللاحقة للملكة، ارتفعت شعبيتها لتُصبح رمزًا للإمبراطورية البريطانية، وتضمنت السياسات الجديدة الرئيسة الإلغاء الكامل للعبودية في جزر الهند الغربية والممتلكات الأفريقية، وإنهاء نقل المدانين إلى أستراليا، وتخفيف القيود المفروضة على التجارة الاستعمارية.
وكانت هناك العديد من الثورات والصراعات العنيفة في الإمبراطورية البريطانية، ولكن لم تكن هناك حروب مع الدول الكبرى الأخرى، تصاعدت التوترات في جنوب إفريقيا خاصة مع اكتشاف الذهب، وكانت النتيجة حرب البوير الأولى في 1880م - 1881م وحرب البوير الثانية في 1899م - 1902م، ساد البريطانيون أخيرًا، لكنهم فقدوا هيبتهم في الداخل والخارج.
المرأة في العصر الفيكتوري
كان للمرأة في المجتمع الفيكتوري دور رئيسيّ واحد في الحياة، وهو الزواج والمشاركة في اهتمامات أزواجهن وأعمالهم، وقبل الزواج، كانوا يتعلّمون مهارات ربة المنزل مثل النسيج والطبخ والغسيل والتنظيف، إلا إذا كانوا من عائلة ثريّة؛ لأنّ خادماتهم يعتنون بالأعمال المنزلية في المقام الأول.
لم يُسمح للنساء أيضًا بالتعلم أو اكتساب المعرفة خارج المنزل لأنه عالم الرجل، لم يسمح المجتمع الأبوي للمرأة بالحصول على الامتيازات نفسها التي يتمتع بها الرجل؛ ونتيجة لذلك أُسندت إلى المرأة واجبات أكثر أنوثة تتمثل في العناية بالمنزل والسعي وراء منافذ الإبداع الأنثوي.
لكن في الوقت نفسه، شاركت النساء في القوى العاملة مدفوعة الأجر بأعداد متزايدة تمامًا بعد الثورة الصناعية ، وتوسّعت وانتشرت الأفكار النسوية بين الطبقات الوسطى المثقفة، وتمّ إلغاء القوانين التمييزيّة، وكسبت الحركة التي نادت بحق المرأة في التصويت تهافتًا في السنوات الأخيرة من العصر الفيكتوري.
الدين في العصر الفيكتوري
كانت كنيسة إنجلترا سائدة في بداية القرن التاسع عشر، وبحلول نهاية العصر الفيكتوري أصبحت بشكل متزايد جزءًا واحدًا فقط من ثقافة دينية نابضة بالحياة وتنافسية في كثير من الأحيان، مع تمتع الطوائف البروتستانتية غير الأنجليكانية ببروز جديد، وشهدت هذه الفترة أيضًا أكبر اندفاع لبناء الكنائس منذ العصور الوسطى.
نهاية العصر الفيكتوري
أصيبت الملكة فيكتوريا بالمرض، وعانت منه لعدة أسابيع قبل أن تتوفى في 22 يناير 1901م، وشهدت وفاة فيكتوريا نهاية هذا العصر، إذ بدأ صعود ابنها الأكبر إدوارد وافتتح العصر الإدواردي وكانت الملكة فيكتوريا قد بلغت عامها الثاني والثمانين وبعدها توفيت قبل أن تتشتت سحابة الحرب.
بينما كان مستقبل جزء كبير من سيطرتها الشاسعة على مناطق كثيرة لا يزال غير مؤكد؛ لكنها عاشت لترى اللامبالاة القديمة تجاه أصحاب الحكم البريطاني تزول، ولتعرف أن إمبراطوريتها كانت موحدة كما لم تكن من قبل.
خلال الفترة الفيكتورية، كانت بريطانيا دولة قوية ذات ثقافة غنية، لديها حكومة مستقرة ودولة متنامية وامتياز موسع، كما أنها سيطرت على إمبراطورية كبيرة آنذاك، وكانت غنية، يرجع ذلك جزئيًا إلى درجة تصنيعها وممتلكاتها الإمبراطورية على الرغم من حقيقة أنّ ثلاثة أرباع سكانها أو أكثر كانوا من الطبقة العاملة.
وفي أواخر هذه الفترة بدأت بريطانيا في التدهور مقارنة بالقوى الكبرى الأخرى، لكن هذا التراجع لم يكن ملحوظًا بشكل حاد إلا بعد الحرب العالمية الثانية.