موضوعات سورة المرسلات
موضوعات سورة المرسلات
سورةُ المُرسلات هي سورةٌ مكّية، نزلت على رسول الله -صلى الله عليهِ وسلّم- قبل الهجرة، عدد آياتها خمسون آية، وترتيبها في المصحف الشريف السابع والسبعون، وقد تناولت عددًا من الموضوعات المهمة في العقيدة ، والتي هي حجرُ الأساس للإسلام، فالعقيدة هي الأساس الذي يقوم عليه الدين وتصح معه الأعمال، وهي الثوابت العلمية والعملية التي يجزم ويوقن بها المسلم.
قد تناولت سورة المرسلات عدداً من الموضوعات التي تُساهم في استقرار العقيدة في نفوس المسلمين، وسيتطرق المقالُ إليها مع توضيحٍ إزاء كلٍ منها:
- الاستدلال على وقوع البعث وبيان بعض علاماته
تحدثت سورة المرسلات خصوصًا في بدايتها عن قَسَمِ الله -عز وجل-؛ بأن ما وعده للناس في هذا القرآن من البعث واقعٌ بهم، وأن لهذا البعثِ علاماتٍ منها طمسُ النجوم؛ أي اختفاءُ نورها، وشقُّ السماءِ وهدمُ الجبالِ.
- توعُّد الله تعالى للمنكرين بعذاب الآخرة
لقد توعَّد الله تعالى من يُنكر باليوم الآخر بالعذاب الشديد حيث قال: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)، وبيّن أن التكذيب باليومِ الآخر عاقبتهُ وخيمة، وأنّه سيعذَّبُ عذابًا شديدًا يوم القيامة.
- للمنكرين عذاب في الدنيا كما الأمم السابقة
إن عذاب المنكرين بيوم البعث ليس في الآخرة فقط؛ بل لهم عذابٌ في الدنيا كما حصلَ مع الأقوام السابقة الذين كذّبوا نبيّهم؛ كقومِ نوحٍ، وقوم موسى، و قوم صالح وغيرهم الكثير من الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-.
- بيانُ أصل خلق الإنسان
لقد بيّن لنا الله -عزّ وجل- في كثيرٍ من المواضع، عن أصلِ خلقِ الإنسان، وكيفَ أنّه خلقهُ من ماءٍ مهين؛ الذي يخرُجُ من بين الصلبِ والترائب.
- التأكيد على جزاء المؤمنين وما لهم من نعيم
وعدَ الله عبادهُ المؤمنين بجنات النعيم؛ والتي هم خالدين فيها أبدًا، جزاءً بما آمنوا وصبروا، وعملوا صالحاً وصدّقوا بما جاء به نبّيهم.
فضل سورة المرسلات
إن سورة المرسلات من السور التي تناولت موضوعات العقيدة الإسلامية، وهي سورةٌ زاخرةٌ بأهوال يوم القيامة ومآل الذين كذّبوا به، فكانت من السور التي شيّبت الرسولَ -عليهِ الصلاة والسلام-؛ فقد قال -صلى الله عليهِ وسلّم-: (شيَّبتني هودٌ، والواقعةُ، والمرسلاتُ، وعمَّ يتَسَاءَلُونَ، وإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ).
وقد خصّها -عليهِ الصلاة والسلام- بالذكر؛ لما تحتويهِ من عِبَرَ ومواعظ ومن أخبارٍ لهلاكِ الأمم السابقة، نتيجةً لإعراضهم وتكذيبهم بما جاءت به الرسل -عليهم السلام-، وما ذكرتهُ من أهوالٍ عظيمة ليوم القيامة، يشيبُ منها الوِلدان، ولا يُدركها إلّا من تدبَّر القرآن وفَهِمَ مكنوتاتِ آياتهِ الكريمة.
أين نزلت سورة المرسلات
قد حدّد سيدنا ابن مسعود -رضي الله عنهُ- مكان نزولها في مكة حيث قال: (بيْنَما نَحْنُ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَارٍ بمِنًى، إذْ نَزَلَ عليه: "والمُرْسَلَاتِ" وإنَّه لَيَتْلُوهَا، وإنِّي لَأَتَلَقَّاهَا مِن فِيهِ، وإنَّ فَاهُ لَرَطْبٌ بهَا)، وقد ذُكرَ أنها نزلت ليلًا بمنى قربَ مسجدٍ يُدعى الخيف، كما وردَ في بعض الروايات.
والجديرُ بالذكرِ أن سورة المرسلات سورة مكيّة ما عدا آية واحدة، وهي: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ)؛ فقد نزلت بالمدينة تتحدث عن المنافقين، وقد ظهرت مساؤهم هنالك، عندما انضمَّ لهم من في قلوبهم مرض من المرجفون في المدينة.
دلالات تربوية من سورة المرسلات
لقد جعلَ الله على هذهِ البسيطة أقوامًا عديدة لا تُحصى، وقد بيّن لنا أنّه قد أرسل لكل منهم بشيرًا ونذيرًا، وهو الرسول فيهم يبشّرهم بما أعد الله لهم من جنات ومن نعيمٍ مقيم، وينذرهم بعذابٍ أليم من عند اللهِ في الدنيا والآخرة؛ إن هُم أصرّوا على الكفر والشرك والتكذيب.
وعندما كفروا برسلهم أخذهم الله وعذّبهم عذابًا أليمًا؛ ليكون جزاءً لهم بما كذّبوا ،وعبرةً لمن يأتي من بعدهم من الأمم، وبالفعل قد استمرت أغلب الأمم في التكذيبِ والشركِ بالله، ولم يتعلّموا الدرس ولم يتّعظوا؛ بل أصرّوا واستكبروا، فما كان من الله إلا أن عذّبهم كما الذين من قبلهم.
ثم جاءَ الإسلام فأراد الله أن يعلّم قريش ما يحصل إن هُم كّذبوا بنبيهم؛ وهم أهل اللغةِ والفصاحة، فأنزل هذهِ السورة التي تُخاطِبُ العقلَ والوجدان، وتحث الإنسان على التفكّر في حال الأقوام السابقة؛ التي عصت الرُّسل وكذبت باليوم الآخر، ولكنهم -إلا من رحم- قد عصوا الرسول وكذبوهُ؛ فما كان من الله إلا أن أذن لرسوله بمحاربتهم وإنزالِ العقوبةِ فيهم.