موضوع عن الأمانة
مفهوم الأمانة في الإسلام
يتّسع مفهوم الأمانة في الإسلام ليشمل الكثير من الجوانب، فلا يقتصر على ما يتعلّق بالمال، فهذا وجه من وجوه الأمانة وليس كل الأمانة، قال الله -تعالى-: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا).،
وبناءً على الآية السابقة فإنّ مفهوم الأمانة هو: التزام الواجبات الاجتماعية والأخلاقية، وأداؤها على خير وجه بحسب ما شرعه الله -تعالى- للناس، وهي خلق إسلامي يؤتمن فيه المرء على أمرٍ من أمور الدّنيا أو الآخرة؛ وتشمل الأمور الشّرعية، والأخلاقيّة، والقانونيّة.
ويمكن تعريف الأمانة: بأنّها شعور المسلم بالمسؤولية أمام الله -تعالى- تجاه كل ما يوكّل إليه من تبعات مادية أو معنوية، والقيام بها على الوجه المطلوب.
مصدر كلمة الأمانة
العقيدة هي منبع الأمانة؛ حيث إنّها تؤثّر على سلوك المسلم فتدفعه إلى القيام بمسؤوليّاته في الحياة، ليحاسب عليها في الآخرة، ويعود مصدر كلمة الأمانة إلى كلمة الأمان، وهي ضد الخوف، فالأمين لا يصدر منه ما يخيف الناس من اعتداء على ما ليس من حقه من مال، أو عرض، أو حياة.
والأمانة في الإسلام تُعدّ فرضاً على كل مسلم ومسلمة، فمن لم يتعدَّ حدود الله وأطاعه فقد حفظ الأمانة، ومن تجاوز حدود الله فقد خان الأمانة؛ قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ. قيلَ: ومَن يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: الذي لا يَأْمَنُ جارُهُ بَوايِقَهُ)، والبوائق: هي الضّرر والأذى والخيانة، وخيانة الأمانة من صفات المنافق، فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (أَرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، ومَن كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ منهنَّ كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حتَّى يَدَعَهَا: إذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وإذَا خَاصَمَ فَجَرَ).
على ماذا تشتمل الأمانة؟
تشتمل الأمانة على عدة صور منها:
- مصطلح الأمانة يشمل العبادات، والعادات، والأخلاق، وليس مقتصر على جزء واحد من أجزاء الدين، فهو يدفع المسلم إلى فعل ما أمره الله -تعالى- به واجتناب ما نهاه عنه.
- حفظ الأعراض ومنع العدوان عليها.
- المحافظة على الحقوق العلميّة للآخرين.
- تجنّب الغشّ وتطفيف المكيال والميزان.
- الامتناع عن الأخذ من الغنائم قبل توزيعها.
أهمية الأمانة
يمكن تلخيص أهمية الأمانة فيما يأتي:
- استقرار المجتمعات.
- انتشار الألفة والمودّة والمحبة بين الناس.
- الأمانة لها مكانة مهمّة وعالية في جميع الرسالات السماوية دينيّاً وإنسانياً.
- الأمانة صفة من صفات الصالحين، قد ذكرها الله -تعالى- فقال: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ).
صور وأشكال الأمانة في حياة المسلم
الأمانة في الدين
الأمانة في الدين تُطبّق من خلال طاعة الله -تعالى- والقيام بما فرضه من الفرائض والعبادات، وتسمّى هذه الأمانة بأمانة التكليف، ويترتب على القيام بها الثواب، وعلى تضييعها العقاب، ومثال عليها: الحفاظ على أمانات الناس وودائعهم وممتلكاتهم، والقيام بواجب الخلافة في الأرض، واجتناب ما حرّمه الله -تعالى- من المحرّمات وعدم الاعتداء على حدود الله.
إنّ كل ما أمر الله -تعالى- به هو أمانة ينبغي على العبد أداؤها دون العمل بخلافها حتى لا يكون خائناً لها، وهذه الأمانة جاءت في قول الله -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، ويحرص العبد في عباداته أن يكون مخلصاً لله، ويبذل كل ما يملك من أجل إعلاء كلمة الله وعدم التّنازل في ذلك، من أجل أن يكون الحكم لله، فقد قال الله -تعالى-: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)، وهذه هي الأمانة العظمى.
الأمانة في النفس
صور الأمانة في النفس تكون من خلال ما يأتي:
- المحافظة على العقل واستخدامه في العلم الذي يرتقي به.
- المحافظة على أعضاء الجسد؛ كالسمع، والبصر، وغيرها من الحواس، بمنعها من الاعتداء على الآخرين واقتراف الذنوب والمعاصي، واستخدامها فيما يرضى الله، فإنّ سماع المحرمات خيانة، والنظر إلى المحرمات خيانة.
- عدم التّعرض للجسد بالأذى أو الضرب أو القتل، وكذلك الرّوح.
- القيام بحقّ العلم وتأديته على الوجه المطلوب للناس دون تحريف أو تبديل أو تغيير، وردّ الأقوال إلى أصحابها، وعدم نسب ما للغير للنفس.
الأمانة في الأهل والأرحام
الأرحام هم الأزواج والأولاد وذوو القربى، وتكون الأمانة معهم من خلال ما يأتي:
- مراعاة حقوقهم، والنّصح لهم، وتقديم الخير لهم، وكفّ الضرّ عنهم.
- قيام الرجل بأداء حقوق زوجته وتأمين الرّاحة والأمان والسّكينة لها.
- تربية الأبناء على البرّ والتقوى ومحاسن الأخلاق، وتشمل تربية الأبناء؛ تعليمهم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم وتوجيههم.
- رعاية الزوجة لزوجها بحفظ ماله، وتطيعه فيما يحبّ ويريد وفق طاعة الله -تعالى- ورضاه، وتحرص على تربية الأبناء كذلك.
وقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (والرَّجُلُ راعٍ علَى أهْلِ بَيْتِهِ وهو مَسْئُولٌ عنْهمْ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ علَى بَيْتِ بَعْلِها ووَلَدِهِ وهي مَسْئُولَةٌ عنْهمْ، والعَبْدُ راعٍ علَى مالِ سَيِّدِهِ وهو مَسْئُولٌ عنْه، ألا فَكُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ)، والراعي الذي ذكره رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- هو الحافظ لما يقع تحت مسؤوليته.
والنصوص الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ساوت بين الرجل والمرأة من حيث أداء كلّ واحد منهما للأمانة الموكّلة إليه، وذلك بالتوافق مع الفطرة التي خلقها الله -تعالى- لكلٍّ منهما، كما ينبغي على كلا الزوجين أن يحفظ سرّ زوجه.
الأمانة المجتمعية
يندرج تحت هذا النوع من الأمانة ما يأتي:
- الثبات في أرض المعركة وعدم الفرار، والمحافظة على العهد وتجنّب الغدر والخيانة.
- صون القاعد لِعِرض المجاهد.
- المحافظة على أسرار المجالس.
- إتقان العمل والقيام به على أحسن وجه.
- محاربة الفساد، والتّحكم بالغرائز والشّهوات التي تؤدّي إلى الفساد المجتمعي.
- المحافظة على أمانات الناس، وردّها إليهم، ومنع النفس من الاعتداء على ما ليس من حقّها من أموال الآخرين.
- الأمانة في الولاية العامة، وإعطاء كل ذي حقٍّ حقّه، وتولية المهام لمن هو كفؤ لها، والمحافظة على أرواح الناس وممتلكاتهم، وحفظ الدين لهم، والمحافظة على أسرار الدولة.
- أداء الشهادة بصدق، ونقلها كما هي دون تغيير أو تبديل.
- القضاء بين الناس بالعدل، وإعطاء كل ذي حق حقّه، والحكم بين الناس وفق الأحكام القانونية.
- الأمانة في الكتابة بحسب ما يقوله صاحب الكلام، دون إحداث أي تغيير فيه.
- حفظ أسرار الناس وكتمانها، وعدم نشرها أو الإفصاح عنها.
- الأمانة في نقل الرسائل وتبليغها إلى أهلها، سواء كانت كتابيّة، أو لفظيّة، أو عمليّة.
- الأمانة في التعامل وفق الأخلاق مع الجيران والقرابة والأسرة والنّاس كافّة.
- الأمانة في تقديم النصيحة والمشورة بصدق وإخلاص.