مقال عن حقوق الجار
الجار في الإسلام
تتنوّع العبادات في الإسلام وتتعدّد؛ حيث إنّها ليست محصورةً بالصلاة والصيام والزكاة والحجّ والصدقة وذكر الله، وغيرها من النوافل ، بل إنّ العبادات تتوسع لتشمل الحقوق، والعلاقات بين الناس، حيث إنّ الأساس الذي تقوم عليه مبنيٌّ على قواعد الشريعة الإسلاميّة ؛ لتصبح بتلك العلاقات نوعاً من أنواع العبادة ، فالعبادة تشمل كلّ الأقوال والأفعال الصادرة عن العبد، فإمّا أن تكون في صالحه، أو أن تكون ضدّه، حيث قال الله تعالى: (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)، وإذا ما تمّ النظر إلى الفكر الغربيّ؛ لظهر أنّ الحقوق قائمةٌ على الفرديّة والأنانيّة وحبّ الذات، دون النظر إلى حقوق الوالدين أو الأرحام أو الجيران في أغلب الأحوال والأحيان، إلّا أن الإسلام أقرّ الحقوق المتعلّقة بالفرد والجماعة، فالأصل في الحقوق أنّها لجميع الناس، ثمّ يترتّب على كلّ فردٍ حقوقٌ للناس من حوله، ومن الحقوق التي بيّنها الإسلام؛ حقوق الجار، ويطلق الجار على من ينزل بقرب المنزل، إلّا أنّ المستند والمرجع في تحديد الجار وتعيين معناه؛ هو العرف، وذلك يختلف باختلاف الزمان والمكان، كما أنّ أحوال وظروف الناس تتغير، وممّا جاء في لفظ الجوار قول الله تعالى: (لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا)، والذي يتّضح من النصوص أنّ الجار كلّما كان أقرب، تأكّد حقّه، فالعرب كانت تطلق على الزوجة جارةً؛ وذلك لشدّة قربها من زوجها، ومن الجدير بالذكر أنّ مفهوم الجار مفهمومٌ عامٌّ؛ أيّ أنّه لا ينحصر في جيران المنزل فقط، فالجار يطلق على كلّ من تجاور في المكان، كأهل المزارع والبساتين، والبائعين في الأسواق، والموظفين في المدارس وغيرها من الأماكن، كما أنّ حقوق الجار يجب أن تُراعى حتى ولو كانت فترة المجاورة قصيرةً.
حقوق الجار
إنّ للجيرة والجار أنواعاً؛ فقد يكون الجار مسلماً قريباً أو غير قريبٍ، وقد يكون كافراً، فالجار المسلم القريب تثبت له ثلاثة حقوقٍ، تتمثّل في: حقّ الإسلام ، وحقّ القرابة، وحقّ الجوار، والجار المسلم غير القريب يثبت له حقّان، هما: حقّ الإسلام وحقّ الجوار، وأمّا الجار الكافر فيثبت له حقّ الجوار فقط، ومن الجدير بالذكر أنّ حقّ الجوار يتمثّل في العديد من الأفعال والسلوكات والواجب القيام بها والحرص عليها، وفيما يأتي بيان البعض منها:
- عدم الإيذاء أو الإساءة للجار، حيث إنّ الواجب على المسلم كفّ الأذى والامتناع عنه تجاه أيّ شخصٍ مسالمٍ، ودليل ذلك قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (من كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فلا يؤذي جارَه)، ومن أشكال إيذاء وإساءة الجار؛ حسده، وتمني زوال النعمة عنه، والاستهزاء به، واحتقاره، ونشر وإفشاء أخباره وأسراره بين الناس، والكذب على لسانه، والسعي لبغض الناس له، وتتبع أخطاءه والفرح بها، والتضييق عليه في السكن أو مكان اصطفاف السيارة، وإلقاء المهملات أمام باب منزله، والإساءة إلى أبنائه، وتتبّع عوراته وعِرضه، والعمل على إزعاجه بالأصوات المرتفعة المزعجة.
- تقديم الهدايا والعطايا له، والسعي في المعروف والخير من أجله؛ فالهدايا من العوامل التي تقرّب القلوب والنفوس، وتمحي الأحقاد والأبغاض بين الناس، وتبني المحبّة والمودة بينهم؛ وممّا يدلّ على ذلك قول الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه: (يا أبا ذرٍّ: إذا طبَخت مرَقةً، فأكثِرْ ماءَها، وتعاهَدْ جِيرانَك)، ولا يشترط في الهديّة للجار أن تكون للفقير فقط؛ فالرسول -عليه الصّلاة والسّلام- كان يقبل الهديّة، كما أنّه كان يهدي الناس.
- محبّة الخير والبر والمعروف للجار كحبها للنفس، وعدم حسد الجار على أيّ شيءٍ، حيث روى الإمام مسلم في صحيحه أنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (والَّذي نفسي بيَدِه، لا يؤمِنُ عبدٌ حتَّى يُحِبَّ لجارِه (أو قال: لأخيه) ما يُحِبُّ لنفسِه).
- تقديم المساعدة الماديّة للجار إن كان بحاجةٍ لها، حيث روى الصحابيّ أبو هريرة أنّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: (لا يمنعُ أحدُكم جارَه أن يغرزَ خشبَه في جدارِه)، فالصحابة -رضي الله عنهم- اقتدوا بذلك، فكانوا في عون وخدمة جيرانهم، حتى أثنى عليهم الرسول.
- الحفاظ على عورات الجيران وصيانتها، وعدم إفشاء أسرارهم، فقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (لا يَدخُلُ الجنَّةَ مَن لا يَأمَنُ جارُه بوائقَه).
- مواساة الجار، وعدم التسبّب بالحزن والهمّ له، ويخصّ منهم من كان كبير السنّ.
أهميّة حقوق الجار
تترتب العديد من الثمار والفوائد على مراعاة حقوق الجار والقيام بها، وفيما يأتي بيانٌ لبعضٍ منها:
- إنّ مراعاة حقوق الجار من أسباب تعمير المجتمع؛ وذلك بشعور المرء بالأمان والاستقرار والسكينة من جاره؛ ودليل ذلك ما روته أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّ الرسول -عليه الصّلاة والسّلام- قال: (حُسْنُ الخُلُقِ، وحُسْنُ الجِوارِ، يُعَمِّرُ الدِّيارَ، ويَزِيدانِ في الأعمارِ).
- إنّ الله تعالى يقبل من العبد يوم القيامة شهادة جيرانه له، بالخير والبرّ والمعروف.
- إنّ الإحسان إلى الجار، والقيام بحقوقه من الأسباب التي ترفع منزلة العبد ومكانته في الحياة الدنيا؛ فالإحسان إلى الجار، وكفّ الأذى عنه من مكارم الأخلاق .
- إنّ رعاية الجار من الأسباب الي تقرّب منزلة العبد من ربّه يوم القيامة ؛ ودليل ذلك قول الرسول عليه الصّلاة والسّلام: (خيرُ الجيرانِ عند اللهِ خيرُهم لجارِه)، كما أنّ القيام بحقوق الجار من أسباب سعادة العبد.
- إنّ صيانة ما للجار من حقوقٍ من العوامل التي تنشر في المجتمع المحبّة، والعطف، والرحمة، والأمان، والاطمئنان، والراحة، والسكينة.