مفهوم التضامن في الإسلام
مفهوم التضامن في الإسلام
يُعرَف التّضامن بالتّفاعل الذي يكون بين أطرافٍ مُتعدّدةٍ تعمل مع بعضها لتحقيق سعادتها، وما يَضمن لها مُتطلبات حياتها في عزةٍ وكرامة، وإقامة مُجتمعٍ يسوده العدالة والأمن، والإسلام في تعاونه وتكافله وتضامنه يتجاوز فكرة مُجرد التّعاون أو تقديم المُساعدة وقت الضّعف والحاجة، أو في أوقاتٍ مُعينة، بل يستمدُّ ذلك من مبدأ الولاية في المُجتمع المُسلم، لِقولهِ -تعالى-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
ويقوم التّضامن في الإسلام على التّعاون في أمور حياة الأفراد في المجتمع، وشؤون مُجتمعهم، ويقوم القادر من أفراد المُجتمع بتقديم العون تجاه باقي الأفراد، فالتّكافل الإسلامي يقوم على العَوْن والمُساعدة بلا مُقابل، ومثال ذلك عندما قام عُمر بن الخطّاب -رضيَ الله عنه- بِمُساعدة الفُقراء والمساكين من أهل الذّمة الذين يعيشون في المُجتمع المُسلم، وعدم تكليفهم من المال ما لا يُطيقون.
ويُعرف التّضامن أيضاً بالتّكافُل الاجتماعي أو المُجتمعي: بحيث يتشارك أفراد المُجتمع فيه بالحِفاظ على مصالحهم العامّة والخاصّة، والتّعاون فيما بينهم لدفع الضرر عنهم، وجلب المصالح لهم، وتأدية كُلّ فردٍ لِواجباته، وأخذ ما له من الحُقوق، وأوّل من وضع الأُسس والتعاليم لِنظام التّكافل والتضامن هو الإسلام، وذلك من خلال وضعه لتعاليم تقوم على التّكافل الاجتماعي، وتحقيق التّعاون والمواساة بين أفراده؛ كالزّكاة والصّدقة.
أهمية التضامن في الإسلام
إنّ للتضامن في الإسلام الكثير من الأهمية، وبيانها فيما يأتي:
- لازمٌ من لوازم الدّين، ودعامةٌ من دعائمه، وتتأكّد هذه الدّعامة عند اجتماع الأعداء ضدّهم، كما أنّهُ يعدّ استجابةً لأمر الله -تعالى- في قوله -سبحانه-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)، فهيَ سببٌ من أسباب القوّة، والمجد، والنّجاح في جميع شؤون الحياة، وقانونٌ من قوانين المُجتمع المُتحضّر، كما أنَّه يُلبّي الحاجة في ظلّ الظروف المحيطة، فلا بد من وحدة الصّف وإزالة النزاعات، ويُعبّر التّضامن عن مشاعر المسلمين ووحدتهم.
- نتيجةٌ حتميّةٌ من دعوة الرُّسل جميعهم؛ لأنَّهم دَعَوا النّاس إلى عبادة الله -تعالى- وحده، قال الله -تعالى-: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).
- حاجةٌ مُجتمعيّة، فالإنسانُ بطبعه يُحبّ التّجمع والاجتماع، ويَكره العُزلة والانفراد، وقد جاء عن ابن خُلدون: أنَّ قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من ذلك الغذاء.
- كمالٌ للإيمان، لِقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)؛ فبيّن الحديث أنَّ من كمال الإيمان الإحسان إلى الآخرين، فينبغي على المُسلم إشعار غيره من المُسلمين بأهميّة وقيمة الأخوّة بينهم، لِقولهِ -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)؛ وقول النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام:- (المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ، ومَن كانَ في حاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حاجَتِهِ) فمن حقّ المُسلم على أخيه أن يُعاونه ويواسيه إن احتاج إليه.
- التّضامن له مكانة عالية في المُجتمع، لِقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى)؛ فالتّكافل والتّضامن ليس قائماً على الجانب المادي فقط، وإنّما يشمل الجانب المعنويّ والفكريّ، وغير ذلك من المجالات، بل وتعدّى الأمر إلى أعظم من ذلك، حيثُ دعا الإسلام المسلمين إلى التّعاون مع غيرهم على اختلاف مللَهم وعقائدهم بشرط عدم مُحاربتهم أو مُعاداتهم للمُسلمين، لِقوله -تعالى-: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ).
التضامن العائلي و الاجتماعي في الإسلام
التضامن العائلي في الإسلام
تُعدّ الأسرة اللّبنة الأساسية في الحياة الاجتماعيّة، فإن أُقيمت على الأُسس المتينة من التّكافل والتّضامن كان المُجتمع قويّاً متيناً، لِقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (مَنْ رزقهُ اللهُ امرأةً صالحةً، فقدْ أعانَهُ على شطرِ دينِهِ، فليتقِ اللهَ في الشطرِ الباقِي)، فلا يكسبُ إلا الحلال، ويبتعد عن الحرام، وقد دعم الإسلام روابط الأسرة الرّوحية، وجعلها تقوم على أساس التبادليّة بالحقوق والواجبات، فمن حُقوق الوالدَين؛ الإحسان إليهم وطاعتهم، وأمّا الأبناء فمن حُقوقهم المُعاملة الحسنة، والرّعاية، والتّربية الصالحة.
ويكون تقسيم الأدوار داخل الاُسرة بين الزّوج والزّوجة بما يضمن تحقيق كافّة المجالات الحياتيّة، ويكون هذا التّقسيم بين أفراد الأُسرة بحسب الوظيفة الفطريّة التي فطرهم الله -تعالى- عليها، لِقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، الإمامُ راعٍ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ راعٍ في أهْلِهِ وهو مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ في بَيْتِ زَوْجِها ومَسْئُولَةٌ عن رَعِيَّتِها).
فيجب على الآباء تعليم أبنائهم العلم النافع، وإرشادهم إلى الخير، وقبل ذلك أن يتمّ الاختيار بين الزّوجين على أساس الأخلاق الحسنة والدّين، حتّى ينشأ الأبناء في بيئةٍ صالحة، وأن تكون المعاملة بين الزّوجين على أساس الإحسان، لِقولهِ -تعالى-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، كما أنَّ النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- كان يُمازحُ زوجاته، ويُساعدهُنّ في أعمال البيت، كما أنّ على الزّوج الإنفاق على زوجته، والعائلة بالمفهوم الأعمّ تشمل الأُسرة والأقارب، فيكون الإنفاق على الوالدين واجب لميسور الحال، ثمَّ على المحتاجين من الأقارب.
التضامن الاجتماعي في الإٍسلام
أكّد الإسلام على كُلّ معاني الوحدة، وحرّم كافّة أشكال التّفرقة والمُفاضلة بين أفراد المُجتمع ، لِقولهِ -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً)، فالنّاسُ جميعاً أُمّةً واحدة يجتمعون في الوحدة الإنسانيّة، وقد جعل الله -تعالى- التّنوع بينهم لأجل التّعارف والتّعاون، كما أوصى وألزم المُجتمع بالتّكافل والتّضامن بين الغنيّ والفقير، والجار مع جاره، لقول النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- (من كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فلا يُؤْذِي جارَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ).
وقد جعل الإسلام للجارِ منزلةً كبيرة وأوصى به، فقال -تعالى-: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ)، فعطف الله -تعالى- عبادته على الإحسان إلى الجار؛ للدلالة على أهميته ومنزلته، والجار يشمل جميع الأصناف؛ كالمُسلم، وغير المسلم، والغريب، فلا بد من إعانة الجار ومشاركته في الأفراح والأتراح، بالإضافة إلى أهمية العدل الذي هو أساس التّضامن المُجتمعيّ؛ فهو عنوان التّقدُم والنّهضة، ومن خلاله يطمئنّ الإنسان على ماله وعرضه ونفسه، وقد حثّ القُرآن الكريم على إقامة العدل في كثيرٍ من الآيات، كقوله -تعالى-: (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ).
وممَّا يؤكد على التّضامن المُجتمعي في الإسلام التّوافق بين حُقوق الفرد والجماعة؛ بحيث تكون المصلحة الخاصّة مُكمِّلة للمصلحة العامّة، فالفرد مسؤولٌ عن الجماعة، وبالمقابل تكون الجماعة مسؤولةٌ عن حفظ كرامة الفرد وحُقوقه وحُرّياته، بل تعدّى الإسلام إلى أكبر من ذلك حيث تعدّت نظرته إلى الأجيال القادمة، بالإضافة إلى أنَّ التّضامن يعمل على إذابة الفوارق بين جميع طبقات المُجتمع، فلم يدع الإسلام حقّ المُلكيّة الفرديّة بغير قيودٍ أو حُدود، فجعل من يجمع المال ولا ينفق في سُبل الخير آثماً، وأمر الأغنياء بالتّصدق على الفُقراء، وأوجب الزّكاة.
مظاهر وأحكام شرعية تعزّز التضامن في المجتمع المسلم
توجد الكثير من المظاهر والأحكام في الإسلام التي تُعزّز التّضامن بين أفراد المُجتمع المُسلم، وذكر بعضها فيما يأتي:
- العناية بِكبار السِّن والعاجزين، وخاصةً الوالدَين، وهذا لا يتوقّف على التّضامن الماديّ فقط، فتعدّى ذلك إلى الجانب النفسيّ والعاطفيّ، لِقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (ليس منا من لم يرحمْ صغيرَنا، ويُوَقِّرْ كبيرَنا).
- التّضامن بِكفالة الصِّغار والأيتام، لِقوله -تعالى-: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ* وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ)، ومن مظاهر ذلك عناية الإسلام بالأيتام وحفظ أموالهم، وتنميتها، واستثمارها، كما حثَّ على العناية بالجار ومساعدته، وتقديم العون للغريب، وإكرام الضّيف.
- وُجوب النّفقة على الفقير، والقريب، والزّوجة والأولاد، وكذلك أحكام الديّات التي تكون في القتل الخطأ، فيُشارك فيها الأقارب ويتعاونون في دفعها.
- الحثّ على الصّدقة والزّكاة والإنفاق، ومُساعدة المُحتاجين، والضُّعفاء، والأيتام، وضِعاف النّاس، لِما في ذلك من تحقيق العدالة والتضامن بين أفراد المُجتمع، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)، فإنَّ العلاقات الاجتماعية في الإسلام قائمةٌ على أساس التعاون ومواجهة الصُّعوبات الماديّة، حيثُ إنَّ المال في الإسلام ليس هدفاً، بل هو وسيلةٌ لتأمين المُتطلبات الماديّة لأبناء المُجتمع، فالزّكاة تُحقّق النّظام والتّكافُل الإجتماعيّ.
- دفع الأذى الداخليّ من خلال التّضامن، ومُساعدة الفقراء والضُّعفاء، لِقولهِ -تعالى-: (يَسْألُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)، وقد تعدّى الإسلام في مبدأ التّضامن إلى الإنفاق على ابن السّبيل، وهو المُسافر الذي انقطع عن ماله وأهله، وهذا يدُلّ على عُمق مفهوم التّضامن في الإسلام.
- عيادة المريض ، فهيَ تقوّي العلاقات بين أفراد المجتمع لِما لها من الأثر الإيجابيّ على نفس المريض.
- التّضامن من خلال القيام بالوسائل الفرديّة التّطوعيّة، كالوقف ، لِقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له)، وكذلك الوصيّة في وجوه الخير.