مفهوم الأخلاق عند أفلاطون
مفهوم الأخلاق عند أفلاطون
اهتم الفلاسفة عبر العصور بموضوع الأخلاق ، فالأخلاق هي واحدة من فروع الفلسفة وهي عبارة عن مجموعة من المبادئ والقواعد الأخلاقية المتعلقة بسلوك الفرد والجماعة؛ فهي تهتم بالسلوك الصالح للفرد وبالمجتمع على حد سواء، كما أن مصدر الأخلاق هو مدى وعي الفرد للتغلب على الهوى والغرائز، وبالتالي تساعد الأخلاق الفرد على الارتقاء بنفسه، فلها تأثير قوي في الطريقة التي يتصرف بها الفرد، كما أنه لا يمكن لمجتمع أن يقوم دون معايير وأسس أخلاقية توجه الفرد نحو ما هو صائب وتبعده عن ما هو خاطئ.
يرى أفلاطون أن الأخلاق هي الابتعاد عن الشهوات والغرائز حتى يحقق الفرد السعادة والعدالة والفضيلة وغيرها، وقد وضع الشروط من أجل الوصول إلى المقاييس الأخلاقية التي تحقق السعادة لدى الإنسان، كما أنه يرى أن النفس أهم من الجسد تبعًا لأستاذه سقراط ، فالجسد يقوم بحمل النفس وتوجيهها وقيادتها إلى السلوك غير الأخلاقي، ويحافظ على مفهوم أن الأخلاق قائمة على الفضيلة، وأن السعادة والرفاهية الهدف الأسمى للفكر والسلوك الأخلاقيين.
الفضائل التي تتضمنها الأخلاق عند أفلاطون
تتضمن ما يأتي:
- الحكمة: هي من أولى الفضائل والتي تعني أن فضيلة العقل لا تكمل إلا بالحق.
- العفة: وهي التي تتغلب على القوة الشهوانية.
- الشجاعة: وهي قوة التحكم بالنفس عند الغضب.
فيرى أفلاطون أنه إذا تحققت لدى الفرد هذه الفضائل الثلاثة سيحقق التناسب والنظام، وهي الفضيلة الرابعة التي تحدث عنها، فيجب تحقيق التوازن الصحيح بين هذه الفضائل لتحقيق العدل، فالعدل والحكمة هما الفضيلتان الرئيسيتان؛ فإذا كانت النفس حكيمة ستعمل جميع الفضائل بانسجام واتساق لدى الفرد، كما أن العدالة تحقق للنفس السعادة والراحة وهي حالة عقلية باطنية أخلاقية تنعكس على المظهر الخارجي للنفس وتظهر مدى صحتها، فهي تقوم على السيطرة على الجزء الشهواني وعلى رغبات الجسد وهذا هو الوضع السليم الذي ينبغي أن يكون عليه الفرد، وقدم ذلك أفلاطون كرد على دعوى السفسطائيين الذين دعوا الفرد إلى مطاوعة جانب اللذة استجابة لنداء الطبيعة لذلك، وكان الرد أن الطبيعية لا تدعو الإنسان إلى دمار نفسه.
وقال أفلاطون إن خفة اللذة وضعف الانفعال والألم هي صفة الحياة الفاضلة بينما الحياة الرذيلة هي التي يغلب عليها الألم الذي يدوم، ولم يقتصر مفهوم الأخلاق عند أفلاطون على الفرد فقط بل على المجتمع ككل، فالفرد كائن اجتماعي يعيش ضمن نظام سياسي محدد، فقام بربط الأخلاق بالسياسة، فالفرد الحكيم في السياسة يقوم بضبط شهواته باعتدال ولا يحكم على الآخرين بهدف إصلاح حاله وحال المجتمع، وكان يهدف أفلاطون إلى جعل قانون الأخلاق عاما لكل عصر وزمان من خلال الإقامة على أسمى جانب لدى الفرد وهو العقل، فقام أفلاطون بالفصل بين المحسوسات والمثل؛ فالمثل هي مصدر الوجود والكمال.
الأخلاق وثنائية النفس والجسم
من المثير للاهتمام القول إن أفلاطون اعتمد في وضع فلسفته المتعلقة بالأخلاق على نظرية ثنائية النفس والبدن، فالنفس لها حياة سابقة في عالم المثل، ولسبب ما عوقبت هذه النفس فحلت في الجسد؛ فبالتالي أصبح الجسد حاجزًا بين الفضائل والنفس، فكان يقول إن البدن سجن النفس، فالفضائل والأخلاق يتم توليدها عن طريق ما تم اكتنازه في ذات الإنسان ويتم ذلك عن طريق الحوار ولهذا كانت أغلب كتب أفلاطون بأسلوب الحوار.
فحتى يعيش الإنسان حياة فاضلة يجب أن يتسامى على مطالب الجسد والشهوة حتى يضمن استمرار حياته وبالتالي يزكي نفسه ويطهرها عن طريق الحكمة والمعرفة ومحاربة الجهل من أجل العودة إلى النظام السائد بعالم المثل وعودة الروح إلى طبيعتها الأصلية وبالتالي تتحرر النفس من سجنها الجسد وتعيش حياة فاضلة بعد الموت، فالنفس في حالة صراع دائمة لكي تتخلص من سجنها، فالموت طموح عند الحكيم الفيلسوف فالسمة الأساسية هي العمل بجد لفصل النفس عن الجسد، لذلك فإن الفلاسفة أقل رهبة عند الموت مقارنة بغيرهم، كما أنه يرى أن المعرفة تختلف عن الفضيلة، فالمعرفة يمكن نقلها عن طريق التعليم من عقل إلى آخر استنادًا إلى البراهين والحجج والأدلة، بينما الفضيلة تحتاج إلى أن يضبط الفرد جسده من أجل تطهير النفس، فالعلم والمعرفة وحدها غير كافية ليصبح الشخص فاضلاً، فقد يكون الإنسان على علم بالشيء الخاطئ ويقوم به لذلك يجب أن تكون المعرفة والأخلاق لدى الإنسان حتى يكون فاضلًا.