مظاهر الحياة في العصر الجاهلي
الحياة الاقتصادية في العصر الجاهلي
لقد اشتغل الجاهليون في التجارة والزراعة والصناعة، وكانوا يتاجرون داخليًا مع البلاد العربية، وخارجيًا مع الهند والفرس والروم، وكانت لهم أعرافهم وقوانينهم الخاصة في التجارة مع هذه البلدان ، وكان لجزيرة العرب طريقان تجاريَّان الأول شرقي يصل عمان بالعراق لينقل البضائع برّا من بلاد الفرس والهند واليمن، حتى ينتهي بأسواق بلاد الشام.
وكانت تعد التجارة من أفضل المهن وأشرفها عندهم، وذلك لأن الظروف الطبيعية التي تتسم بالجفاف والحرّ، جعلتهم يستثقلون الزراعة، ويخشون انحسار المطر الذي قد يحدث لعدة سنوات؛ لذلك فضّلوا التجارة على الزراعة وكان البيع والشراء يتم بطريقتين؛ النقد والمقايضة (مبادلة سلعة بأخرى)، فكانوا يبيعون الزيت والحنطة والتيجان للعرائس.
والجدير بالذكر أن الناس في العصر الجاهلي في مكة خاصة كانوا خبراء في استثمار المال وتنميته، حيث كانوا يصدّرون ويستوردون ويقيمون المرابحات بالرّبا، ويضعون العقود للبيع والشراء والتمليك، وكانوا يقايضون ما يفيض من حاصل الزراعة بما يحتاجونه من بضائع للمتاجرة.
البيئة الاجتماعية في العصر الجاهلي
لقد كان المجتمع في الجاهلية مجتمع قبائلٍ، وتتألف تلك القبائل من فئات وهي؛ الأبناء: الركن الأساسي في القبيلة وعمادها وتربطهم ببعضهم صلة الدم والنسب، والموالي: وهم عتقاء القبيلة، والخلعاء الذين طُردوا بسبب كثرة جناياتهم وتجاوزاتهم في القبيلة فكانوا يُطردون على مسمع الجميع، وقد يستجير هؤلاء الخُلعاء بقبيلة أخرى فتجيرهم وتعدّهم من أبنائها.
والفئة الأخيرة: هي العبيد الذين جُلِبوا من البلاد الأجنبية ويقومون على خدمة أهل القبيلة وكانت البادية العربية في الجاهلية تحتوي على بعض مقومات الحاضرة، فتجد فيها أناسًا ذوي ميول واتجاهات وثقافات تقطعهم الصحراء عما يحيط بهم، وأهل البادية لا يختلفون كثيرًا في معيشتهم عن أهل الحاضرة.
ولكن كان أهل الحضر ينعمون بالترف والرّخاء اللذان انحرم منهما ابن البادية الخشنة، وانعكس هذا الترف على ثقافتهم وتعبيراتهم الشعرية، وعلى نمط حياتهم المستقر والمنعّم مقارنة بالبدوي آنذاك.
الحياة السياسية في العصر الجاهلي
كان العرب في الجاهلية تحت حكم رؤساء قبائلهم، يأتمرون بأوامرهم، ويخوضون لحفظ سيادتهم بالحرب والسّلم، وإليهم يرجعون في كلّ خلافاتهم وقضاياهم، وكان بجانب سيد القبيلة رجالٌ يتميزون بالعقل والحكمة يعطون آراءهم في القضايا محلّ الخلاف، وإليهم تتم الخصومات الأدبية خاصة تلك التي تتعلق بالأنساب.
وكان المكيون لنشاطهم في التجارة يختلطون بالأمم الكثيرة والمتحضرة، فاكتسبوا ثقافة ونضوجًا عقليًّا إداريًّا أكثر من سكان البادية؛ ولهذا فقد حصلت مكة على سيادتها الكاملة الواحدة، ومرجعها الواحد، وكان لها مسؤولياتها، ومنها: حجابة الكعبة (حجب الكعبة وفتحها بأمر من الحاجب)، وسقاية الحجّاج، والرّفادة (تقديم الطعام إلى الحجاج)، وكانت القبائل المكية تساعد زعيمها في ذلك بتقديمها الخراج السنويّ.
الحياة الدينية في العصر الجاهلي
كان أغلب العرب وثنيون يؤمنون بتعدد الآلهة، وتنوّعت أديان العرب في الجاهلية فمنهم من كان موحّدًا مؤمنًا بالله، ومنهم من عبد الأصنام وبعضهم كان يهوديًّا أو نصرانيًا
، وكان أهل الحجاز ونجد يعبدون الأصنام ومنها:
- هُبَل
ووكان أعظم أصنام القرشيين، من عقيق أحمر على هيئة إنسان مكسور اليد.
- اللات
وهي صخرة بيضاء مربعةٌ عليها حجاب وكسوة يضاهون بها الكعبة يتبركون بها.
- إساف ونائلة
يقال إنهما شخصين ممسوخين بعد أن أتيا أعمالًا سيئة، وكانت قد مُسِخا لحجرين وعبدهما الناس.
- مناة
وهو صنم على هيئة صخرة منصوبة على ساحل البحر، بين مكة والمدينة.
الحياة الثقافية في العصر الجاهلي
تميزت مظاهر الحياة الفكرية في العصر الجاهلي بالشعر الذي نشأ فطريًّا لدى الجاهليين، حتى اللصوص والمجانين استطاعوا قول الشعر، وكان الجاهليون يشجعون على تعلم الشعر بالدرجة الأولى، وخاصة الشعر الذي ينطوي على الحِكم الحياتية والمآثر والسير، فكانت القبيلة التي يبزغ فيها شاعر تأتي إليها القبائل الأخرى للتهنئة ويحتفلون بالمزامير مباركة له.
فالشاعر كان من أكرم الناس لدى قومه، والشعر كان أهمّ إصداراتهم الثقافية، والذي يقسّم بأنواعه إلى الشعر التعليميّ المنطوي على حكم الحياة، متلمسًا موجوداتها، و الشعر الغنائي الذي يؤجج المشاعر ويصعّد الأحاسيس، وشعر المفاخر الذي يمجد فيه الشاعر نفسه وقبيلته وموتاه؛ لتعويض النقص الذي يعانيه في حياته، ولِيتعالى به عمن سواه.
أخلاق العرب في العصر الجاهلي
كل أمة من الأمم لها منظومة من الأخلاق تمتاز بها عن غيرها، وأخلاق الناس وطبائعهم ليست سواء بينهم، فلا بد أن يكون منهم يتسم طبعه بالفساد والشر، وكذلك العرب في الجاهلية منهم من كان متحليًّا بالأخلاق الحسنة ومنهم من كان خلاف ذلك، والرسول_صلى الله عليه وسلم بعث ليتم فيهم مكارم الأخلاق، ومن الأخلاق التي كانت تعظمها العرب وتتغنى بها:
- الأدب والوقار
- الاتزان والاعتدال في القول
- إكرام الضيف والترحاب والأنس لمجيئه
- السعادة بمعاونة المحتاج
- حب الثناء
- الغيرة على النساء
- حب المفاخرة والتفوق على الآخرين بمكارم الأخلاق
- الشجاعة والفروسية
- الترفع عن الدنايا وسفاسف الأمور
- حفظ السر
- الترفع عن جليس السوء
وختامًا نخلص إلى أن الطبيعة الجاهلية المتسمة بظروفها المعيشية الصعبة، المُتأتية من المناخ والطبيعة الجغرافية جعلت العرب لا يألون جهدًا في التأقلم، والكسب، والإنتاج، فعملوا في التجارة والمهن الحرفية، وأقاموا مجتمعاتهم على الأسس السياسية التي تتكون من شعب وسلطة، وتمتعوا بغنى ثقافي لمخالطتهم الشعوب الأخرى.
ولقد أثْرَوا المحتوى الثقافيّ الفكري والأدبي بالكثير من قصائد الحكم والبطولات والسّير التي تم عرفنا من خلالها أفضل خصالهم من الكرم والوفاء وحسن المعشر. ولقد عبد أغلب العرب في الجاهلية الأصنام، ومنهم من كان موحِّدًا ثمّ اتخذ الأصنام وسيلة للتقرب إلى ربّه، وكان العصر الجاهلي غنيًّا بالمآثر والشمائم والأدب، الذي ما زلنا ننهل منه ونستزيد حتى يومنا هذا.