مدينة حمص السورية
مدينة حمص
مدينة حمص (بالإنجليزيّة: Homs) هي مدينة سوريّةٌ وإحدى المُدنِ الرئيسيّة فيها، وثالث أكبر مَدينةٍ بعد مدينتي دِمشق وحَلب، وأتت تسميتها من اللغة الكنعانيّة؛ حيث تعني التسمية "الخجل"، وفي عهد الرومان عُرِفَت المدينة باسم "إميسا"، وبعد العهد الإسلامي أصبحت تُعرَف باسم مدينة خالد بن الوليد.
في عام 2011م قارَبَ تعداد مدينة حمص السُكاني المليوني نسمة، وتتمتّع المدينة بتنوّعٍ سُكانيٍّ كبير؛ حيث يَعتنق سكّانها الديانة المسيحية والإسلام، وتوجد فيها أقلّيات من الأرمن، إلى جانب عددٍ من اللاجئين الفلسطينيين، وتمتدّ حمص على مساحة 43,630 كم.
جغرافيّة مدينة حمص
الموقع
تقع مدينة حمص في وسط سوريا، تحديداً في الجزء الغربي منها، على الطريق بين مدينتي دمشق العاصمة وحلب، ويمُرّ بها نهر العاصي، وهي قريبة جداً من سواحل البحر الأبيض المتوسط، وترتفع عن مستوي سطح البحر 508 أمتار، وتبعُد مدينة دمشق عن حمص 162 كم إلى الجنوب، وتبُعد حلب عن حمص 193 كم إلى الشمال، وتبعد طرطوس عن حمص 96 كم إلى الغرب، وتبعُد حماة عنها 47 كم إلى الشمال، وتبُعد تدمر عنها 155 كم إلى الجنوب الشرقي، وهي بذلك تتوسّط المدن السورية، وتعمل كحلقةِ وصلٍ بين المُدن والمناطق الجنوبيّة والشمالية والشرقية والغربية، كما تُعدّ حمص المنفَذ الطبيعيّ الوحيد بين البحر الأبيض المتوسط ومَناطق الداخل.
المُناخ
تتمتّع مَدينة حمص بمُناخٍ دافئ، مع صيف حار وشتاء ماطر، ويبلُغ متوسّط درجة الحرارة السنوي للمدينة 16.4 درجة مئوية، بينما يبلُغ مُعدّل التساقُط المطري السنوي 422 ملم، ويُعَدّ شهر أغسطس أكثر الأشهر حرارةً خلال العام؛ حيث يبلُغ متوسط درجة الحرارة فيه 25.5 درجة مئوية، ويُعد شهر يوليو أكثر الأشهر جفافاً مع معدّل هطول مطري يصل إلى 0 ملم، بينما يُعدّ شهر يناير أكثر الشهور برودةً خلال العام؛ حيث يصلُ متوسّط درجة حرارة إلى 6.6 درجة مئوية، ويشهد شهر يناير أكبر مُعدّل تساقُط مطري خلال العام والذي يصل إلى 95 ملم.
اقتصاد مدينة حمص
تتميّز مدينة حمص عن بقيّة المُدن السوريّة باقتصادها القويّ؛ فهي مركزٌ رئيسيٌّ للصّناعات النفطية، وتضُمّ المدينة مصفاة نفط افتُتِحَت في عام 1959م، إلى جانب مَصنعٍ للفوسفات، بالإضافة إلى ذلك، تُعدّ حمص مدينةً زراعيّةً بارزة، مُعتمدةً بذلك على عوامل أبرزها: موقعها الاستراتيجي، وكُبر حجمها مُقارنةً مع باقي المدن السورية، إلى جانب امتلاكها أراضي خصبة تجعلها مَوقعاً مُمتازاً لإنتاج الطحين، والذرة، والقطن، والخضار، والفواكه، كما تضُمّ المَدينة محطّةً للبُحوث الزراعية، ومَصانع للأسمدة والزيوت النباتية، ومصفاة للسكّر، وبذلك هي اكتسبت مكانةً مهمّةً كمركزٍ زراعيّ رئيسي في سوريا والدول المُجاورة مثل لبنان.
تَشتَهِر مَدينةُ حمص بصناعاتها اليدويّة مثل الحُلي، والأحزِمة، والعَباءات، بالإضافةِ إلى ما سبق تبرُزُ أهميّة المَدينة في كونها مَعبراً رئيسياً وطريقاً تجاريّاً يَربط المُدن الداخلية من سوريا والعراق بالبحر الأبيض المتوسط، وتعمل كحلقة وصل في نقل البضائع القادمة منه عبر الأراضي الداخلية.
تاريخ مدينة حمص
تتمتّع مدينة حمص بتاريخٍ كبيرٍ وعريق، ويَعود تاريخها إلى عام 2300 قبل الميلاد، وتضُمّ مَعبداً عظيماً مُكرّساً لإله الشمس الذي كان يُدعى إيل جبل، وكانت تحكُم إميسا سُلالة من الكهنة عبر الإمبراطوريّة الرومانية، وخرج من المدينة اثنان من نُبَلائها وأصبحا إمبراطورين، هما: ايلاجابالوس وسيفرس الكسندي اللذين حكما روما من عام 193م إلى 211م، كما أخرجت المدينة أربعة إمبراطورات، هنّ: جوليا دومنا، وجوليا ميزا، وجوليا مامايا، وجوليا سويميا.
حَكَم المدينة بين عامي 270-275م الإمبراطور أوريليان، واتّخذَ منها عاصمته وهزَمَ فيها الملكة زنوبيا ملكة تدمُر، وكانَت مَدينة حمص مربوطةً تجاريّاً بمَدينة تدمُر ، وانعكس ازدهارُ تدمُر على ازدهارها، وبعدَ هزيمة الملكة زنوبيا في عام 272م سقطت مدينة إميسا، ولكن بقِيَت آثارها قائمة، وتشمل تلك الآثار قلعةً مَبنيّةً على جبل وبوابة الشام وباب تدمُر، كما لعِبَت المدينة دوراً مهمّاً كثالث مركز تجاري على طريق الحرير بعد دورا أوربوس وتدمُر.
في القرن الثالث الميلادي، وصلت المسيحيّة إلى مدينة حمص، وتمّ العُثور على مقابر وسراديب موتى في البيوت الشرقية للمدينة؛ حيث ما زالت تَعيش مجموعةٌ كبيرة من المسيحيين، واستمرّت المسيحيّة في المدينة حتى القرن السابع الميلادي، وفي عام 636م دَخلها المُسلمون، وسمّوها حمص، وبعد السيطرة العربيّة للمدينة حَضَرَ 500 من صحابة الرسول للاستقرار في المدينة، وأصبحت ذات شأنٍ كبير، وفي عام 1516م خَضَعت المدينة للحُكم العثماني، وخضعت لفترةً قصيرةً للسيطرة المصريّة في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، ثُمّ أصبحت جزءاً من الجمهوريّة السورية بعد تأسيسها في أعقاب الحرب العالمية الأولى .
مَعالم مدينة حمص
تضُمّ مدينة حمص عدداً من المَعالم والآثار التاريخيّة والدينيّة التي تعود إلى عصور ودُول مُختلفة قامت على أرض المدينة الزاخِرة بالحضارة والتاريخ، ومن أبرز هذه المَعالم:
- الجامع النوري الكبير: يتمتّع هذا الجامع بتاريخٍ طويل ومُميّز؛ فعند بنائِه كان يُستخدَم كهيكلٍ للشمس، ثم تحوّل إلى كنيسة على يد القيصر ثيودوسيوس، وعند الفتح العربي حوّل المسلمون نصفهُ إلى مسجد، وبقيَ نصفه الآخر كنيسة، ثم تَعرّض المَبنى لزلزال ودمّرهُ في عهد نور الدين الشهيد، فأعاد بناءه في عام 1129م بعد أن اشترى المَباني وضمّها للمسجد.
- مسجد خالد بن الوليد: يُعدّ هذا الموقع من أكثر المواقع التاريخيّة والدينية شُهرةً في حمص؛ حيث يضُمّ قبر الصحابي خالد بن الوليد ، وكان في الأصل جامعاً صغيراً بجانب القبر، وفي عَهد المَماليك في عام 1265م شُيّدَ جامع ضخم، وعند قدوم الحُكم العثماني أمر ناظم باشا بهدمِهِ وبناء مَسجدٍ حديث وذلك بين عامي 1908 و1913م، ويَتبَع المسجد نظام البناء العُثماني مع ساحة كبيرة ونافورة تقع في شمالها، ويضُم المسجد مأذنتين من الحجر الجيري الأبيض، وواجهات من الحجر الجيري الأبيض والأسود البازلتي، وجدرانه الخارجية مبنيّة من البازلت الأسود، كما يضُم قبّةً كبيرةً تُغطّي قاعة الصلاة، تُحيط بها 8 قِباب صغيرة.
- قصر الزهراوي: يَقع هذا القصر في المَدينة القديمة بالقُرب من الحميدية، وهو مبنى مُكوّن من طابِقين تتوسّطهُ ساحةٌ جميلةٌ ونافورة، ويضُمّ إيواناً كبيراً في الجهة الجنوبية، مُشيّداً بحجر البازلت الأسود، واستُخدم فيه بعض الحجر الجيري حول النوافذ والمداخل للزينة. تتميّز الطّوابق العليا بالعَديد من الأقواس المُطلّة على الساحة، ويعود بناء مُعظم الأجزاء الحديثة من القصر إلى العصرِ العُثماني، وبعض أجزائِه تعود إلى عصرِ المماليك.
- قلعة حمص وجدران المدينة: تقع قلعة حمص في الجنوب الغربيّ من المَدينة، وتعود إلى العصر الأيوبّي، وتمّ ترميمها تحت حكم المماليك على يد محمد علي باشا، ولكنّها دُمِرَت في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، وبقِيَت منها عدّة أبراج، أمّا جُدران المدينة فتمّ تدمير مُعظمها خلال الحكم العثماني ، إلى جانب عددٍ من الأبراج، ولم تتبقّ منها سوى بعضُ الأجزاء في الشمال الغربي وفي الشرق من المَدينة القديمة.
- كنيسة مار إليان: هي كنيسة للمذهب الروم الكاثوليك، وتَشتهر بشكلٍ كبير بلوحاتها الجِدارية التي تعود إلى نهاية القرن الـ 12 الميلادي وبداية القرن الـ 13 الميلادي، وتُزيِّن هذه الجداريات قبّة الكنيسة من الداخل، وتقع هذه الكنيسة على موقع كنيسة مُكرّسَة لإليان، وهو ابن ضابط روماني قُتِلَ بسبب رفضِه التخلّي عن المسيحية.
- كنيسة أم الزنار: تَقَع هذه الكنيسة على بُعد بضعة أمتار إلى الغرب من كنيسة مار إليان، وهي مشهورة بسبب احتوائها على حِزام يُقال إنّه لمريم العذراء. تعود هذه الكنيسة إلى القرن الـ 4 الميلادي ويُعتَقَد أنها تعود إلى العصر البيزنطي، وتم اكتشافها في عام 1953م، ورُمّمت مُعظم أجزائها في عام 1966م، وتُعدّ اليوم مقرّ الأساقفة السريانية الأرثوذكسية.
أبواب حمص السبعة
تشتهِر مدينة حمص بأبوابها التاريخية السبعة؛ حيث كانت تمتلك المدينة أربعة أبواب قبل الفتح الإسلامي، وفي عهد المنصور إبراهيم أصبحت سبعة أبواب، وهي:
- باب السوق: هو أحد الأبوب الأربعة القديمة، وكان يُطلَق عليه اسم باب الرستن، ويقع في الجهة الجنوبيّة الغربيّة من الجامع النوري.
- باب تدمُر: يعود هذا الباب إلى ما قبل العَصر الإسلامي، ويقع في الجهة الشماليّة الشرقية من حمص، وبَقيَت منه بعض الحجارة المنحوتة.
- باب التركمان: يُعتَقَد أنه سُكِنَ من قِبَل قبائل تركمانية في القرن الـ 11 الميلادي، يقع في الجهة الشمالية الغربية من قلعة حمص.
- باب هود: يقع في الجهة الجنوبية من مقام النبي هود في حمص، ويُعتَقَد أن تسميته جاءت من المقام، ولا تزال هناك بعض الآثار الحجرية منه اليوم.
- باب الدريب: يُعرَف كذلك باسم باب الدير أو باب الشام، ويقع في الجهة الشمالية من المدينة.
- باب المسدود: يحتوي هذا الباب على نقوش تدُلّ على أنّ مَن بناه كان منصور إبراهيم (637 -644م)، ويقع إلى الشمال من باب تركمان وشمال قلعة حمص.
- باب السباع: يقع هذا الباب في الجهة الشرقيّة من قلعة حمص، ويُؤدّي إلى جنوب المَدينة القديمة.
أشهر شخصيات مدينة حمص
تشتهر مدينة حمص بشخصيّاتها البارزة التي حفرت أسماءَها بجدارة في التاريخ، وساهم كلٌّ منها في التاريخ بشكل كبير، ومن أبرز هذه الشخصيّات:
- الشاعر ديك الجن (777–849 م): هو عبد السلام بن رغبان، وهو أبرز الأسماءِ التي ارتبطت بمدينة حمص، وعُرِفَ هذا الشاعر بتناقضاته وحياته التي تعُجّ بالغَرابة، وهو من أكثر الشخصيّات المُثيرة للجدل في التاريخ، ومن أبرز تلاميذه الشاعر أبو تمام.
- جوليا دومنا: هي زوجة القائد الروماني سبتيموس سيفيروس ذي الأصل العربي الليبي، وكانت داعماً كبيراً لنجاحات زوجها الإمبراطور ومُساعدته في تسيير شؤون إمبراطوريته، وساهمت بشكلٍ كبير في نشر الثقافة السورية في روما، واشتُهِرَت بذكائها، وسعة حيلتها، وقوتها، وجُرئتها.
- مراد السباعي (1914–2002م): هو رائد المسرح السوري وأبرز مُخرجيه؛ حيث عَمِلَ ككاتب مسرحي، ومُخرجاً وممثّلاً في الوقت ذاته، وعُرِفَ بذكائه وفطنته، وساهم بشكلٍ كبير في تطوير المَجال المسرحي السوري من خلال العديد من الأعمال التي قدّمها، من أبرزها مسرحيّة (في سبيل التاج)، و(الطبيب رغماً عنه).
- هاشم بك الأتاسي (1875–1960م): كان رئيساً لجمهورية سوريا ثلاث مرّات، بعد تدرّجِهِ في المَناصب الإدارية في العهد العثماني؛ حيث شَغِلَ منصِب مأمور بمعيّة والي بيروت في عام 1894م، ثم كان قائم مقام في عام 1897م، ثم أصبح متصرّفاً في عام 1913م، وشغِلَ مناصب في حماة وعكّا والأناضول، وكان أحد أعضاء الجمعيّة العربيّة للفتاة المَعنيّة بمُناهضة أعمالِ التّتريك للعرب.
- صبحي شعيب (1909–1974م): هو فنّان تَشكيليّ بارز، ومن مُتّبعي المنهج الواقعي، وساهم بشكلٍ كبير في دفع حركة الفنّ التشكيلي في سوريا، وكان أُستاذه الفنان عبد الحميد عبد ربه. حازَ شعيب على العديد من الجوائز، وشارك في العَديد من المَعارِض الفنيّة في داخل سوريا وخارجها، كما أسّس مركزاً للفنون التشكيلية في حمص، ومن أبرز لوحاته (خطأ في التوزيع) و (العودة إلى القرية).