متى كانت غزوة الأحزاب
متى كانت غزوة الأحزاب
وقعت غزوة الأحزاب في شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة، وتسمى أيضاً بغزوة الخندق، وقد كانت هذه الغزوة من الغزوات المصيرية في بداية تكوين دولة [الإسلام؛ لِما حملته من بشاراتٍ وأحداثٍ، والتي كان لها الأثر الكبير في تاريخ الإسلام والمسلمين، وكانت أياماً عصيبة على المسلمين في ذلك الوقت، قال الله -سبحانه وتعالى- واصفاً ذلك في كتابه: (إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا* هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا)، وقد اجتمع على المسلمين الأعداء من كل حدبٍ وصَوْبٍ، فجاءتهم قريش من جهة، ونَجْد -هوازن- من جهة أخرى، واليهود من جهةٍ ثالثة، واستمرت الغزوة في شهر شوال وذي القعدة وانتهت في بداية ذي الحجة.
سبب قيام غزوة الأحزاب
أجلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يهود بني النضير من المدينة إلى خيبر بعد نقضهل للعهد مع المسلمين، فخرجت منهم مجموعة من بينهم سلام بن أبي الحقيق، وحيي بن أخطب، وكنانة بن الربيع النضريون، وبعض من بني وائل حتى وصلوا لمكة، فقاموا بدعوة قريشٍ إلى حرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم ذهبوا إلى غطفان وحرّضوهم على حرب رسول الله أيضاً، فخرجت قريش وغطفان وكان قائد قريش هو أبو سفيان، أما غطفان فكان قائدها عيينة بن حصن الفزاري في فزارة، والحارث بن عوف المَرّي في مَرَّة، فخرج الأحزاب وعددهم آنذاك عشرة آلاف لمواجهة الرسول والمسلمين، فلما سمع الرسول -صلى الله عليه وسلم- بذلك أشار عليه سلمان الفارسي بحفر الخندق من الجهة الشامّية، لأن باقي جوانب المدينة كانت محاطةً ومحميّةً بالبنايات وأشجارالنخيل.
أحداث غزوة الأحزاب
كانت غزوة الأحزاب من الغزوات الحاسمة في تاريخ الإسلام، وقد تميّزت عن الغزوات الأخرى بقلّة عدد الخسائر البشرية فيها من الطرفين، وبكونه لم يحدث فيها قتالٌ بين الجيوش، بل كانت في مجملها حرباً للأعصاب، ومن الغزوات التي جعلت للمسلمين صيتاً عالياً بين القبائل الأخرى، فرغم قلّة عدد المسلمين إلا أنهم ثبتوا أمام أعدائهم، فقد تحزّب ضدّهم مشركو مكة، ومشركو قبائل العرب الأخرى، ويهود خيبر من خارج المدينة، ويهود بني قريظة من داخل المدينة، والمنافقين. وكان عدد اليهود وقريش عشرة آلاف مقاتلٍ، بينما عدد المسلمين يومئذٍ قرابة ثلاثة آلاف مقاتلٍ.
وكان ضمن جيش اليهود شخصٌ يُدعى حييّ بن أخطب؛ وهو أحد الذين حرّضوا قريشاً والأحزاب ضدّ المسلمين، فذهب بعدها إلى سيد بني قريظة ويُدعى كعب بن أسد ليطلب منه أن ينقض العهد الذي بينه وبين رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-، فوافق ووقفوا مع الأحزاب لحرب المسلمين، وقد قام عددٌ من الأعداء بالدخول إلى صفوف المسلمين وقتالهم، فقَتَل المسلمون من دخل منهم، ثم جاء شخصٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- يُدعى نعيم بن مسعود بن عامر -رضي الله عنه وأرضاه-، فقال للنبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنه قد أسلم دون علم قومه، وأنه قريبٌ من بني قريظة ويثقون به، فقال لرسول الله: "مُرني بما شئت"، فقال له الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أن يحميهم ويُخذّل عنهم، وقال: (الحربَ خُدعةٌ)، فقام نعيمٌ بكل دهاءٍ بتضليل جيوش اليهود، وإيقاع الفتنة بينهم، وبثّ الرعب في قلوبهم.
نتائج غزوة الأحزاب
لم تكن غزوة الأحزاب يوماً واحداً كما يعتقد البعض، بل استمرت لبضعةٍ وثلاثين يومًا من الحصار، فلما ضاق الحال واشتدّ على المسلمين دعا الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال: (اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، سَرِيعَ الحِسَابِ، اللَّهُمَّ اهْزِمِ الأحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وزَلْزِلْهُمْ)، وما لبث أن استجاب الله لدعاء نبيّنا - عليه الصلاة والسلام-؛ فأرسل ريحاً شديدةً على الأحزاب تقلع خيامهم وتقلّب مضاجعهم، وألقى في قلوبهم الرعب، فعزموا أمرهم هاربين ومهزومين.
وقد فرّق الله شمل الأحزاب بعد ذلك، وظهرت بينهم عداوات كثيرة، وأيّد الله المسلمين بجنودٍ من الملائكة ، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا)، كما رجع الكفار بغيظهم إلى المدينة ولم يحصلوا على ما أرادوه، وكفى الله المؤمنين القتال، قال الله -تعالى-: (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ۚ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ). وبعد هروب الأحزاب وذلّهم، وانتصار المسلمين وعزّهم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الآنَ نَغْزُوهُمْ ولَا يَغْزُونَنَا، نَحْنُ نَسِيرُ إليهِم)، وهذا من أعظم ما حصل عليه المسلمون في ذلك الوقت، لأن العرب لم تكن تقدر على أن تجد قوّة أعظم من هذه القوة، ولم يستطيعوا أن يهزموا المسلمين.