ما هو الإحسان
الإحسان
جعَل العُلماء الإيمان مراتبَ ودرجات، ووضعوا الإحسان في أعلى مَراتب الإيمان؛ حيث إنّ الإحسان كما جاء ذكره في الحديث الطّويل الذي رواه عمر بن الخطاب: (أن تعبد الله كأنك تراه)، فإذا وصل المؤمن لهذه الدرجة من الإيمان؛ بحيث يعبد الله وكأنه يراه في كل حركاته وسكناته فسيكون بذلك قد ارتقى إلى مَنزلةٍ رفيعة.
معنى الإحسان
الإحسان في اللغة
الإحسان في اللغة : مصدر حَسُنَ، والإحسان ضدّ الإساءة، والفرق بين الإحسان وبين الإنعام أنّ الإحسان يكون لنفس الإنسان وغيره، أمّا الإنعام فلا يكون إلا لغيره. قال الله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) فالمقصود بالإحسان هنا في الآية: الإحسان الّذي هو فوق العدل؛ حيث إنّ العدل يعني أن يُعطي الإنسان ما عليه ويأخذ ما له، أمّا الإحسان يعني أن يُعطي الإنسان أكثر ممّا عليه ويأخذ أقلّ ممّا له، فالإحسان زائد على العدل.
في حديث سؤال جبريل، عليه السلام (فأخبرني عن الإحسان. قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنّه يراك)، المُراد بالإحسان: الإخلاص، وهو شرطٌ في صحّة الإيمان والإسلام معاً، وقيل: أراد به الإشارة إلى المُراقبة وحُسن الطاعة، وذُكر الإحسان في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ)، أي باستقامة وسلوك الطريق الذي درج السابقون عليه، وأيضاً في قوله تعالى: (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) أي: الذين يحسنون التأويل، ويُقال: أحسن يا هذا فإنك محسان، أي: لا تزال مُحسناً.
الإحسان في الاصطلاح
يُعرّف الإحسان اصطلاحاً بأنّه أن يَعبد الإنسان المؤمن ربّه عزّ وجلّ في الحياة الدنيا على وجه الحضور والمُراقبة له، كأنّه يَراه بقلبه، ويَنظُر إليه في حال عِبادته وخلوته وانفراده ممّا يدفعه لزيادة التقرّب إليه، وفي حال تفكيره بالمعاصي والآثام ممّا يجعله يَرتدع عن القيام بها، فكان جزاءُ ذلك النّظر إلى الله عِيانًا في يوم القيامة.
ذَكَر أبو جعفر الطبري أنّ الإحسان هو العمل بما لَم يَفرضه الله سبحانه من الأعمال، إنّما هي نوافل تقرّبوا بها إلى الله سبحانه وتعالى طلباً لمَرضاته وهُروباً من عقابه.
الإحسان في القرآن الكريم
جاء ذكر الإحسان في مواضع كثيرة منها:
- قال الله عزّ وجلّ: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ).
- قال تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ* الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ* وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ* إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
- قال تعالى:(وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ).
مراتب الإحسان
خلَق الله عزّ وجلّ السماوات والأرض وما فيهما من مخلوقات لغاية وحكمةٍ عظيمة هي ابتلاءُ الإنسان بإحسان عمله وتقرّبه من الله سبحانه وتعالى ومن أجل هذه الحكمة سخّر الحياة والموت والحزن والفرح، وقد أشار الله سبحانه إلى هذه الحكمة في مواضع كثيرة من القرآن الكريم منها : قول الله عزّ وجلّ: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ). وقال الله سبحانه في سورة الكهف: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا).
وحتى يسير الإنسان في طريق الإحسان في أقواله وأعماله وأفعاله يتوجّب عليه معرفة الله سبحانه حق المعرفة ، ومراقبته في كلّ الأحوال والظروف التي يمرّ بها، وأن يعلم بأنّ الله سبحانه مُطّلعٌ على كل شيء ويعلم كل شيء، وأنه على كل شيء شهيد، لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ممّا يجعله يحب الله سبحانه ويرجو رحمته بإحسان العمل وتعظيم الله كأنه يراه، ويبتعد عن كلّ ما نهى عنه وأن يستحضر خشية الله في كل حال حتى لا يعصي الله خوفاً من عقابه سبحانه واستشعاراً لمراقبته له في أعماله وحركاته وسكناته،
ينقسم الإحسان إلى مرتبتين رئيسيّتين هما:
- المرتبة الأولى: أن يعبد الإنسان ربّه سبحانه كأنّه يَراه حقيقةً، فيَعبده عبادةً طلبٍ لقربه وعبادة شوقٍ للقائه، ورغبةً ومحبّةً في طاعته، وهذه أعلى المرتبتين.
- المرتبة الثانية: أن يعبد الإنسانُ ربّه سبحانه مُعتقداً اعتقاداً جازماً أنّ الله يراه، فيَعبده عبادة الخائف منه، المُتذلّل له، الراجي رحمة ربّه وعفوه.
الفرق بين الإحسان والإيمان
الفرق بين الإحسان والإيمان جاء فيما رواه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث طويلٍ جاء فيه تعريفهما والفرق بينهما؛ حيث قال: (بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجلٌ شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تَشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتُقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت، إن استطعت إليه سبيلا قال: صدقت، قال فعجبنا له، يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان ، قال: أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: فأخبرني عن الساعة، قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، قال: فأخبرني عن أمارتها، قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاةَ العراة العالة رعاء الشاء، يَتطاولون في البنيان، قال ثمّ انطلق، فلبثت ملياً، ثم قال لي: يا عمر: أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنّه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)،
في هذا الحديث النبوي بيانٌ للإسلام الذي يُقصد به القيام بأعمالٍ مَخصوصة على من دَخَل في دين الإسلام، وبيان أنّ الإيمان هو التصديق بكلّ ما جاء به رسول الله- عليه الصلاة والسلام- على أنّه الحقّ والصدق، وبيان أنّ الإحسان يرتفع إلى درجة أعلى من الإيمان لأنّه عبادة الله سبحانه مع اعتقادٍ وثيقٍ بأنّ الله سبحانه مُطّلعٌ على أعمال وحركات وسكنات وأفعال العبد وأقواله، أي وكأنّ العبد يَرى الله أمام عينيه، فلا يُمكنه الوقوع في المعاصي خوفاً من الله، فإن لم يَكن العبد يرى الله سبحانه عياناً فإنّ الله عزّ وجلّ يراه ويرى أعماله فيستحي من رؤية الله له فيَرتدع عن المَعصية وهذا أعظم الإيمان.