ما مصير النساء في الجنة
مفهوم الجنة
يُمكن تَعريف الجنَّة لغةً بأنّها: البستان كثير الأشجار، ويُقال أيضاً: جنة سحقا؛ بمعنى: البستان طويل النخل، أمّا الجنَّة شَرعاً فهي المَكان الذي جَهّزه الله في الآخرةِ لعِباده المُتّقين، وتأتي بمعنى: دار الكرامة، أعدّها الله سبحانه لأوليائه الصالحين يوم القيامة. قال الله تعالى في حديث قدسِّي: (أعدَدْتُ لعبادي الصَّالحينَ: ما لا عينٌ رأت، ولا أذُنٌ سَمِعَت، ولا خطَرَ على قلبِ بَشرٍ، ذُخرًا بَلْهَ ما اطَّلعتم عليه. ثم قرأ: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
الجنَّة للرجال والنِّساء
النفس البشرية مولعةٌ ومُتشوّقةٌ بالتفكيرِ في مَصيرها، وما ينتظرها في مستقبلها، ولم يُنكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صحابته مثل هذه الأسئلة عن الجنة وما فيها، ومن هذه الأسئلة أنَّهم سألوه - صلى الله عليه وسلم: عن الجنَّة وبنائها، فأخبرهم أنَّ فيها، لبِنَةٌ من ذهب، تليها لبنةٌ من فضة، وسألوه عن نسائهم في الجنَّة، فأخبرهم أنَّ الجنَّة ونعيمها ليست مقتصرة وخاصّةً بالرجال دون النساء ؛ بل هي أُعدّت للمُتّقين من العباد، كلا الجنسين كما أخبَرنا سبحانه وتعالى حيث قال: ( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمنٌ فأولئك يدخلون الجنة ).
عند ذكرِ الله عز وجل لنعيم الجنة ، وللمغرياتِ الموجودةِ فيها، والأنواع الكثيرةِ من المأكولات، والمَناظر الجميلةِ، وما فيها من مساكن وملابس، فإنَّه يشمل ذلك الجنسين الذكرَ والأنثى، فجميعُ أهلُ الجنَّةِ يستمتعُون بذلك.
مصير النساء في الجنة
يبقى السؤال بين النساء عن مصيرهنّ، وما أعدَّ اللهُ لهنَّ في الجنَّةِ ، وقد أغرى الله سبحانه الرجال، وشوقهم للجنَّة، بذكر الحور العين، وما في الجنَّةِ من نساءِ جميلات، ولم يَذكر مثل هذا للنساء. قال الشيخ ابن عثيمين في هذا الموضوع: إنَّ الله سبحانه وتعالى لا يُسألُ عمّا يفعل، فهو سبحانه لا يَفعلُ شيئاً إلا لحكمةٍ، هو يَعلمها، وإن أخفاها عن عبادهِ، فلا يَسأل العبدُ عن ذلك، وكذلك ذكر أنَّ الله لو صرَّحَ بذلك، وذَكرَ ذلك في كتابهِ، لاستحيت من ذلك المرأة، ففي ذلك حرجٌ شديدٌ لها.
تجدُر الإشارة إلى أنّ مصير النساء في الجنة لم يجد العلماء فيه نصاً صريحاً يدلّ عليه، وإنّما اعتمدوا في بيان مصير النساء في الجنّة على تفسير بعض الآيات القرآنية، والأحاديث النَّبوية، التي تُشير إلى هذا الموضوع، وأكثر من اعتمد على ذلك من علماء العصر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
إنّ النعيم في الجنَّة ليس مقتصراً على الرجال فقط وإنما هو للرجال والنساء ومن جملة نعيم الجنًّة الزواج، وحال المرأة في الجنًّة كالآتي:
- المرأة التي ماتت ولم تتزوج بعد، وكذلك من ماتت وهي مطلقة، - ومثلها المرأة التي دخلت الجنة ولم يدخل زوجها الجنة، فهذه يزوجها الله سبحانه في الجنة، من رجل يكن أهل الدنيا، لقول النبي - عليه الصلاة والسلام -: (ما في الجنة أعزب)، فإذا لم تتزوّج في الدنيا فإن الله يزوجها في الجنة بما تقرّ بها عينها، فهناك في الجنة من الرجال، من لم يتزوج. قال تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَ أَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
- المرأة التي ماتت وهي متزوجة فتكون في الجنة لزوجها الذي في الدنيا وماتت عنه.
- المرأة التي مات زوجها عنها فبقيت بعده ولم تتزوّج حتى ماتت تكون زوجةً له في الجنّة.
- إن كان أحد الزوجين دخل النار وكان كافراً، فهذا يُخلَّد في النار، ولا يفيده كون قرينه دخل الجنّة ، لأنّ الله سبحانه وتعالى قضى على الكافرين الخلود في النار، قال تعالى: (خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ و لا هُمْ يُنْظَرُونَ).
- إن كان للمرأة أكثر من زوجٍ في الدنيا، فإنّ من فارقَها بطلاق افترقا في الآخرة ولا يجمع بينهما، كما افترقا في الدنيا.
- إن مات عنها زوجها وهي في عصمته، وتزوّجت من غيره بعده، فللعلماء ثلاثة أقوال مع من تكون منهم في الجنّة، وأوّل قولين ذكرهما الإمام القرطبي في الكتاب الشهير: التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، وأمّا القول الثاني منهما اختاره الشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله، وبعض العلماء المُعاصرين، والأقوال هي:
- القول الأول: تكون مع من كان أحسنَهُم معها خُلقاً وعشرةً في الدنيا.
- القول الثاني: المرأة تُخيَّر فتختار هي من بينهم من تشاء.
- القول الثالث: تكون المرأة في الجنّة مع آخر رجل تزوّجته في الدنيا، أي الذي ماتت عنه وهي في عِصمته، أو مات هو عنها ولم تتزوّج بعده، للحديث الذي رواه أبو الدرداء: قال رسول الله: (أيُّما امرأةٍ تُوُفِّي عنها زوجها، فتزوَّجَتْ بعدَهُ، فِهِي لآخِرِ أزواجِها)
أكثر أهل الجنة
ذَكَرت كُتُب السنّة أنّ النساء في الجنة أكثر عدداً من الرجال وذلك للحديث الذي رواه أبو هريرة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (أولُ زُمرةٍ تلِجُ الجنَّةَ صورتُهم على صورةِ القمرِ ليلةَ البدرِ لا يبصُقون ولا يتمخَّطون، ولا يتغوّطون، آنيتُهم فيها من الذَّهبِ وأمشاطُهم من الذَّهبِ والفضةِ ومجامِرُهم من الأُلُوَّةِ ورشحُهم المسكُ، ولكلِّ واحدٍ منهم زوجتانِ، يُرى مُخُّ سوقهِما من وراءِ اللحمِ من الحُسنِ، لا اختلافَ بينهم ولا تباغُضَ، قلوبُهم قلبُ رجلٍ واحدٍ، يُسبِّحون اللهَ بُكرةً وعشيًّا)
وذَكرت كُتب الحديث أنّه لا يوجد أعزب في الجنّة، قال أبو هريرة رضي الله عنه: (سمِعْتُ مُحمَّدًا يقولُ: اختصَم الرِّجالُ والنِّساءُ أيُّهم في الجنَّةِ أكثَرُ؟ فأتَوْا أبا هُرَيْرَةَ فسأَلوه فقال: قال محمد صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (أوَّلُ زُمرةٍ تدخُلُ الجنَّةَ مِن أُمَّتي على صورةِ القمَرِ ليلةَ البدرِ ثمَّ الَّذينَ يلونَهم على أضوأِ كوكبٍ في السَّماءِ دُرِّيٍّ أو دُرِّيءٍ ـ شكَّ سُفيانُ ـ لكلِّ رجُلٍ منهم زوجتانِ اثنتانِ يُرَى مُخُّ سوقِهنَّ مِن وراءِ اللَّحمِ وما في الجنَّةِ أعزَبُ)
بيّن الحديثُ السابق أنّ عددَ النساء في الجنة يفوق عدد الرّجال، وفي هذه المسألة أقوال:
- القول الأول: بعضُ العلماء ومنهم ابن القيّم الجوزية يَرى أنّ المَقصود من الحَديث نساء الدنيا والحور العين معاً لوُرودِ حديثٍ آخر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر أنّ أقلّ ساكني الجنة النساء، ويَنتفي التّعارض بين الحَديثين، حديث الأكثر والأقل، بتفسير ابن القيّم للموضوع، وإزالة نقطة الخلاف أنّ نساء الجنة تفوق الرجال عدداً، مع الحور العين، أما إذا تم النظر لعدد نساء الدنيا مع الرّجال فعددهنّ أقل من الرجال..
- القول الثاني: يرى ابن حجَر العسقلاني أنّه لا يَلزم من كون النساء أكثر أهل النار عدداً أن يكنّ أقل عدداً في الجنة، فيكون الجمع بين الحديثين، كالآتي: أنّ نساء الدنيا أكثر أهل النار، وهنّ أكثر أهل الجنة، وبذلك تكون النساء أكثر من الرّجال عدداً ووجوداً في الخلق.