ما الفرق بين العفو والصفح
العفو والصفح
إنّ العفو والصفح علاجان لمُختلَف الخلافات والمشكلات التي قد تحصل في المُجتمَع، من غير الحاجة إلى طَرف وسيط للمساعدة في حلِّ مِثل هذه المشكلات، والتي قد يحتدم فيها النقاش، حيث يتشدَّد كلا الطرفين في الخلاف، وحينها تتَّسِع الفجوة، ويذهب كلُّ طرف في اتّجاه مُعيَّن؛ لذلك كان العفو، والصفح هما العلاج الأمثل لمثل هذه المواقف؛ ليُعِيد ترابُط الأطراف، ويملأ قلوبهم مودَّة ورحمة، ومَحبَّة لبعضهم البعض، فينسى كلٌّ منهما ما حدث، ويتنازل كلٌّ منهما عن حقِّه، كَرَماً وليس ضَعْفاً، أو عَجْزاً، أو خَوْفاً ، وفيما يأتي بيانٌ لمعنى كلٍّ من العفو، والصَّفح، وإيضاحٌ للفرق بينهما، وذِكرٌ للفائدة التي تعود منهما على الفرد، والمُجتمَع.
تعريف العَفْوُ
العَفْوُ لغة: هو مصدر عَفَا يَعْفُو عَفْواً، فهو عافٍ، وعَفُوٌّ، والعفو: هو التجاوُز عن الذَّنْب، وعدم العقاب على فِعله، ومن خلاله يتمُّ مَحوُ الذَّنْب، وطَمْسه، والعفو عند المقدرة: هو تَرْك عقاب المُذنِب عند التمكُّن منه والقدرة عليه، والعفو العامّ: هو إسقاط العقوبة عن المذنبين جميعاً، وعندما يقول أحد ما: عفوتُ عن الحقّ: أي أنّه أسقطه عن الذي عليه الحقّ، والعَفُوُّ: هو كثير العَفو، وهو اسم من أسماء الله الحسنى ؛ فهو الذي يُزِيل ويمحو آثار الذنوب جميعها.
ويدخل العفو ضِمن المُصطلَحات السياسيّة أيضاً، ويُقصَد به: الإجراء الذي تعفو الدولة من خلال تطبيقه على الجناة السياسيِّين، وغيرهم، ويكون هذا العفو جَماعيّاً، كما أنّ إجراء العفو يتمّ اتّخاذه كمبادرة هادفة إلى تحقيق الوِفاق السياسيّ، وعادة ما يُطبَّق مباشرة بعد تغيير حكومة، أو نظام ما، والعفو اصطلاحاً كما ورد عن الراغب الأصفهاني: هو التجافي عن الذَّنْب، أو التجاوز عنه، وله تعريف آخر: وهو التجاوُز عن الذَّنْب، وتَرْك الانتقام، والعفو صفة من صفات الله -عزّ وجلّ-، كما أنّه أمْر نبويّ.
وَصَف الله -سبحانه وتعالى- ذاته بالعَفُوّ؛ لأنّه يتجاوز عن ذنوب العباد، وخطاياهم، مع قُدْرته على عقابهم، ويظهر ذلك في قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، كما بيّن الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام-، مدى محبّة الله لخُلُق العفو، إذ كان يدعو صباحاً ومساءً، فيقول: (اللهمَّ إنِّي أسألُك العافيةَ في الدُّنيا والآخرةِ اللهمَّ إنِّي أسألُك العفوَ والعافيةَ في ديني ودنيايَ وأَهلي ومالي ...).
- ومن المصطلحات الأخرى المُرادِفة للعفو ما يأتي:
- الغُفران: وهو إسقاط العقاب، وإيجاب الثواب، ولا يستحقُّ الغفرانَ سوى المُؤمِن الذي يستحقُّ الثواب؛ لذلك لفظ الغفران نادراً ما يُستخدَم إلّا في حقِّ الله تعالى، فيُقال: غفر الله لك، ونادراً ما يُقال: غفر فُلان لك، أمّا العفو بما أنّه يتمّ إسقاط اللوم به، ولا يقتضي إيجاب الثواب، فإنّه يُستعمَل للعباد، فإذا قِيل: عفا فلان عنك، فلا يجب عليه إثابتك على ذلك.
- الذلّ: إنّ الذلّ أمر مذموم، وهو تَرْك الانتقام عَجْزاً، وخَوْفاً، ويُمكِن القول إنّ المُنتقِم في الحقّ أفضل حالاً ممّن يترك حقَّه خوفاً ومهانة، والذلّ مُخالِف للعفو؛ فالعفو تَرْك الانتقام مع القُدرة عليه، وينبُع من جُود النفس وكَرَمِها، وهو من مكارم الأخلاق .
تعريف الصَفْح
الصَّفح: هو مصدر الفعل صَفَحَ، فيُقال: صَفَحَ عنه يَصْفَح صَفْحًا: أي أنّه أعرض عن ذنبه، والصَّفوح: هو الكريم؛ فهو يصفح عمن أساء إليه، وقد ورد عن بعض أهل العِلم أنّ الصَّفح اشتُّق من صَفْحة العُنق؛ حيث إنّ الذي يصفح كأنّه يُولي بصفحة العنق، ويُعرِض عن إساءة الغير، ويُقال: استَصفَحَ زيدٌ فلاناً؛ بمعنى طلب منه الصَّفح عنه، واستصفحه ذنْبَه: أي طلب منه مَغفِرته له، أو استغفره إياه، والصفح اصطِلاحاً: هو تَرْك التأنيب، وإزالة أثر الذَّنْب من النفس بشكل كامل.
وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالصَّفح الجميل، كما قال في كتابه العزيز : (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)، والصفح الجميل: هو الذي لا يَشتمِل على التسبُّب بالأذى، بل هو مقابلة الإساءة بالإحسان ، ومقابلة الذنب بالغُفران، وهو الصفح الذي لا يرافقه أذىً قوليّ، أو فعليّ، أمّا الصفح الذي ليس بجميل: فهو الذي يكون في غير محَلِّه، مثل الصفح عن الظالمين الذين يستحقّون العقاب.
الفرق بين العفو والصفح
إنّ العفو والصفح لَفْظان متقاربان في المعنى، والفرق بنيهما بسيط، وبيانه كما يأتي:
- العفو هو التجاوُز عن الذَّنْب، وتَرْك الانتقام، والعقاب، أمّا الصفح ففيه معنى العفو وزيادة، وهي تَرْك لوم المُذنِب، وعتابِه، وتأنيبِه على الذَّنْب.
- العفو هو عدم مُؤاخَذة المُذنِب على ذنبه، مع إمكانيّة بقاء أثر الذَّنْب في النفس، أمّا الصفح فيكون بالتجاوُز عن الخطأ، ومَحْوِ أثره من النفس ؛ لذلك يكون الصفح أبلغ من العفو.
- العفو هو إسقاط اللوم ظاهريّاً دون الباطن، أمّا الصفح، فإنّه يكون بالتجاوز عن الذَّنب ظاهراً، وباطناً، وكأنّ شيئاً لم يكن.
فوائد العفو والصفح
من فوائد العفو والصفح:
- اعتبارهما سبباً لنيل محبَّة، ورضا الله -عزَّ وجلَّ- .
- الشعور بالراحة النفسيّة .
- تحقيق المودَّة بين أفراد المُجتمَع الواحد.
- ارتفاع مكانة المرء، ونَيْل العزة.
- زيادة طمأنينة النفس ، وسكينتها.
- توثيق الروابط فيما بين الناس؛ حيث إنّ الروابط الاجتماعيّة تضعف، بسبب إساءة الأفراد إلى بعضهم البعض، وفي العفو تتمّ إعادة العلاقات إلى شكلها الأفضل، ويتمّ ترميمها.
- امتثال أوامر الله سبحانه تعالى؛ لما في العفو والصفح من رحمة المذنب أو المُسيء، ومن تقدير للضعف البشريّ.
- نَيل التقوى، ويدلّ على ذلك قوله تعالى: (وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ).
- قلب العَداوة إلى صداقة؛ فبالعفو عن الإساءة، وبالكلمة الطيِّبة، يُصبِح العَدوّان صديقين حميمين، ومُتآزرين.
- التأثير في القلوب القاسية وجَعْلِها تلين، وجَعْل المُذنب والمسيء يندم على سوء تصرُّفه.
- غُفْران الله سبحانه وتعالى لذنوب من يعفو ويصفح عن الناس.
- نَيْل العفو من الله سبحانه وتعالى؛ حيث إنّه من عفا، عفا الله عنه، ومن صفح، صفح الله عنه.