ما أسباب عقوق الوالدين
أسباب عقوق الوالدين
هناك العديد من الأسباب التي تؤدّي إلى عقوق الوالدين، وأهمّها ما يأتي:
- الجهل: فمن كان جاهلاً بالعواقب الكبيرة لعقوق الوالدَين، أو بالثمراث الطيّبة لبرّهما والإحسان إليهما؛ قاده ذلك إلى العقوق، وأبعده عن البِرّ.
- عدم حسن التربية: فإذا لم يُربّي الوالدَين أبناءهم على حُسن المعاملة، والصّلة والبرّ، والعطف والحبّ فيما بينهم؛ أدّى ذلك إلى العقوق.
- تناقض الآباء في أفعالهم وأقوالهم: فإذا كان الوالدان لا يعملان بما يُعلّمان به أبناءهما؛ فذلك يؤدّي إلى نفور الأبناء، ويدعوهم إلى التناقض أيضاً.
- أصدقاء السُّوء: حيث تؤثّر الصحبة السّيّئة تأثيراً كبيراً على الأبناء، وتجرّهم إلى العقوق، وتُضعِف تربيتهم الجيّدة.
- كثرة المشاكل أو الطّلاق : فقد يدفع ذلك أحد الوالدين إلى تحريض الأبناء على الآخر، كأن تذكر الأم مثالب الأب أمام أولادها، أو يذكر الأبّ سيئات الأمّ لأبنائه، ممّا يؤدّي إلى عقوق الأبناء لوالدَيهما.
- التمييز وعدم العدل بين الأبناء: وهذا ممّا يُورث البغضاء والشحناء لدى الأبناء، ويقودهم إلى كراهية والدَيهم وقطيعتهم وعقوقهم.
- عدم إعانة الوالدين لأبنائهم على البرّ: فلا يُشجّعون أبناءهم إذا أحسنوا، ويُوبّخونهم ويغضبون عليهم، وإذا لم يجدوا التشجيع والدعاء؛ ربّما ملّوا وتركوا برّ والديهم.
- سوء أخلاق الابن: فقد يكون الابن سيّء الخُلق في التعامل مع والديه، وقد لا يستمع لأوامرهما، وهذا ممّا يزعج الوالدَين ويتضايقان منه.
- حبّ الراحة والدّعّة: فقد يكون الوالدَان كبيرَين في السّنّ، أو يُصيبهما المرض، فيتخلّص الابن منهم بوضعهم في دار العجزة، وما علِم أنّ راحته وطمأنينته ببرّه بهما، وخدمتهما، ورعايتهما.
- سوء خلق الزوجة: كأن تؤثّر على زوجها لعدم حّبها لوالديه، فيسيء إليهما، ويقطع صلتهما والإحسان إليهما.
- عدم الشعور والإحساس بالوالدَين: فبعض الأبناء لم يجرّب الأبوّة بعد، وكذلك البنات لم تؤدّي وظيفة الأمومة بعد، فيتساهل الأبناء في السّهر والتأخّر في اللّيل، والابتعاد عن والديهم، وعدم الاهتمام بهم، وهذا من العقوق.
- عقّ الوالدَين لوالدَيهما: فقد يؤدّي ذلك لعقوق الأبناء لهم؛ وذلك من وجهَين، أوّلهما: اقتداءً بآبائهم في العقوق، وثانيهما: أنّ الجزاء من جنس العمل، وهذه قاعدةٌ عامّةٌ في كثيرٍ من الأمور، لكن يجدر بالذّكر أنّ ذلك ليس من الضروريّ دائماً، فمن الممكن أن يكون الأب طائعاً لوالدَيه، ومع ذلك يعقّه أبناؤه؛ إمّا بسبب عدم التربية الحسنة الصحيحة لهم، وربّما بسبب معاصي يرتبكها الأب أو الأم، فيكون جزاء ذلك العقوق، وقد لا يكون من ذلك شيئاً، وإنّما ابتلاءٌ من الله -تعالى- واختبارٌ لصبر الأب أو الأم وثباتهما، والمسلم مأمورٌ بطاعة والدَيه، سواءٌ كانا عاقَّين بوالدَيهما أم لا، ومأمورٌ بحُسن معاملتهما ولو كانا غير مسلمَيْن.
مفهوم عقوق الوالدين
يأتي العقوق لغةً من الفعل عقَّ؛ وهو ضدّ البِرّ، وأصله من القطع والشّق، فيُقال: عقّ أباه أو أمّه عقوقاً؛ أي عصاهما وترك الإحسان إليهما، أمّا عقوق الولدين في الاصطلاح الشرعيّ: فهو قيام الابن بإغضاب والدَيْه، بترك برّهما، وعدم الإحسان إليهما بالطاعة والمودّة، وهو كُلّ أمرٍ يؤدّي إلى إيذاء الوالدَين من الأفعال والأقوال، إلّا في طاعتهما بشركٍ أو معصيةٍ، وكُلّ ما يؤدّي إلى إيذائهما إيذاءً ليس بالهيّنٍ يُعدّ عقوقاً، ويعتبر العاقّ بوالدَيه جاحدٌ بنعمة الله -تعالى-، وبإحسان والدَيه إليه، كما أنّ العقوق كبيرةٌ من الكبائر التي تستوجب العقوبة يوم الحساب والجزاء، والعقوق مضرّةٌ بالمجتمع؛ فالذي لا يبرّ والدَيه لن يبرّ أبناءه أيضاً، ولن يُحسن إلى جيرانه ومجتمعه.
عاقبة عقوق الوالدين
إنّ من عواقب عقوق الوالدَين ما يأتي:
- إنّ عقوقهما من أكبر الكبائر والذنوب؛ لِما فيها من نُكران الفضل والجميل والإحسان؛ لحديث النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (الكَبائِرُ: الإشْراكُ باللَّهِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ، وقَتْلُ النَّفْسِ، واليَمِينُ الغَمُوسُ).
- إنّ الخسارة الكبرى في إدراك أحد الوالدَين وعدم دخول الجنّة بسبب العقوق؛ فقد قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، قيلَ: مَنْ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: مَن أدْرَكَ أبَوَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما فَلَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ).
- إنّ قطع الرحم يستوجب اللعن والوعيد بالنار، ولا شكّ أن الوالدين أولى وأقرب الرّحم للإنسان، قال الله -تعالى-: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ* أُولَـئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّـهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)، وهذا النهي عن الفساد في الأرض بشكلٍ عامٍّ، وعن قطع الأرحام بشكلٍ خاصٍّ، بل إنّ الله -تعالى- يأمر بالإصلاح في الأرض، وصلة الأرحام، والإحسان إليهم، وفي الحديث: (لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعٌ)، وقال سفيان في روايته: "أي قاطع رحمٍ".
- إنّ عقوق الوالدَين معصيةٌ يعجّل الله عقوبتها للإنسان في الدنيا قبل الآخرة؛ فقد يكون ذلك بعقوق أولاده وبنيه، أو ضِيق عيشه وكَدره، وخسرانه وعدم توفيقه، وضياع ماله وتجارته، والحديث معناه في هذا واضحٌ، قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (كلُّ الذُّنوبِ يُؤخِّرُ اللهُ منها إلى يومِ القيامةِ إلَّا عقوقَ الوالدَيْن فإنَّ اللهَ يُعجِّلْه لصاحبِه في الحياةِ قبل المماتِ).
- إنّ أعمال قاطع الرحم لا تُقبل عند الله -سبحانه-، ومن ذلك ما جاء عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (إِنَّ أعمالَ بني آدمَ تُعْرَضُ علَى اللهِ تعالى عَشِيَّةَ كُلِّ خميسٍ ليْلَةَ الجمعَةِ ، فلا يُقْبَلُ عملُ قاطِعِ رحِمِ).
- إنّ إثم من يتسبّب في لعن والدَيه عظيم، فيكف بسابّ والدَيه مباشرةً؟! فقد قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (مِنَ الكَبائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ والِدَيْهِ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وهلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ والِدَيْهِ؟ قالَ: نَعَمْ يَسُبُّ أبا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أباهُ، ويَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ).
أهمية الإحسان للوالدين
إنّ الله -تعالى- قد جعل للوالدَيْن في حياة المسلم حقّاً عظيماً، ومقاماً جليلاً لا يُضاهيه أيّ حقٍّ أو مقامٍ؛ فهما موطن السّعادة والأُنس، ومنبع الحنان والدفْء، وما يُقدّمانه من إحسانٍ وجميلٍ لا يُكافئه أيّ إحسانٍ وبرٍّ، فحقّهما واجبٌ معلومٌ، وبرُّهما فرضٌ محتومٌ، وليس في الدنيا من هو أعظمُ فضلاً وأجزل عطاءً من الوالدَين، وبرُّ الوالدَين خُلقٌ من أخلاق أنبياء الله -تعالى-، ودأب الصّالحين، وهدى المتقين، وبه تُفرّج الكروب، وتُنفّس الهموم والخطوب، وهو سببٌ للتوفيق والسّداد في الدنيا والآخرة ، وبه تطيب الحياة والعِيشة؛ ومن ذلك ما وصف الله -تعالى- به يحيى -عليه السلام-، حيث قال: (وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا)، وعيسى -عليه السلام- في قوله: (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا).
ومن كان بارّاً بوالدَيه كان هانئاً رضيّاً تقيّاً متواضعاً، وبرّ الوالدَين شيمةٌ من شِيَم أهل الفضل الكرام، وبابٌ يقود إلى الجنان؛ لِما جاء في الحديث عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (الوالِدُ أوسطُ أبوابِ الجنَّةِ، فإنَّ شئتَ فأضِع ذلك البابَ أو احفَظْه)، وقد قرن الله -تعالى- عبادته ببرّهما في كتابه الكريم فقال: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، وهو أحبّ الأعمال إلى الله -تعالى- وأفضلها قدراً ومنزلةً؛ فقد فاقت الجهاد في سبيله مرتبةً، فعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: (سَأَلْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ الأعْمالِ أحَبُّ إلى اللهِ؟ قالَ: الصَّلاةُ علَى وقْتِها قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: ثُمَّ برُّ الوالِدَيْنِ قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: ثُمَّ الجِهادُ في سَبيلِ اللَّهِ).